تعرض الدكتورة أمون في الجزء الثاني من دراستها للمؤسسات الدستورية التي أنشئت لتكون تحت سلطة ولاية الفقيه، فحولتها الى سلطة مطلقة، ومن هذه المؤسسات: مجلس صيانة الدستور، مجلس تشخيص مصلحة النظام، مجلس الخبراء، ومجلس الامن القومي وغيرها من تلك المجالس الرقابية والأمنية والعسكرية.
قام الدستور الجديد بإنتاج مجموعةٍ من المؤسسات التي تقع جميعها تحت السلطة المباشرة للقائد، ومنها:
١- مجلس صيانة الدستور (أو مجلس الرقاية على القوانين). وظيفته تفسير الدستور وضمان توافق القوانين التي يصدّق عليها البرلمان مع الدستور، وتطابقها مع أحكام الشريعة، والإشراف على إنتخابات مجلس خبراء القيادة ورئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الاسلامي وعلى الإستفتاء العام ( ٩٩). ويتألف هذا المجلس من (١٢) عضواً، نصفهم من الفقهاء العدول الذين يختارهم القائد الأعلى، والنصف الثاني من رجال القانون. وبالنظر الى الأدوار التي يقوم بها هذا المجلس، يمكن إعتباره مجلساً موازياً او مشرفاً على مجلس الشورى الاسلامي، بل ويتجاوز دور المجلس التشريعي، الى ضابطٍ ومتحكّمٍ في هيكل العلاقات السياسية، من خلال قدرته على منع شخصياتٍ سياسية او تياراتٍ بعينها – عبر رفضه بعض طلبات الترشيح، وغربلته لقوائم المرشحين للإنتخابات الرئاسية والنيابية – من خوض التجربة الإنتخابية، أو على إصدار قوانين وتوصيات تكون في خدمة أشخاصٍ أو فئةٍ بعينها. خصوصاً أنّ الدستور قد نصّ على انه ” لا مشروعية لمجلس الشورى الاسلامي، دون وجود مجلس صيانة الدستور ( المادة ٩٣). والرئيس الحالي لمجلس صيانة الدستور هو آية الله “أحمد جنّتي”. ويهيمن المتشددون على هذا المجلس الذي صادق في ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ على مشروع قانون يوافق بموجبه على “الاتفاق النووي” الذي توصلت اليه ايران مع السداسية الدولية ( ٥+١)، ليفسح بذلك المجال أمام الحكومة لتنفيذ بنوده، والذي سينتج عنه رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
٢- مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يقوم بتحديد مصلحة النظام، والفصل بين سلطات الدولة (مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الاسلامي)، والذي يشكَّل بأمرٍ من القائد الذي يعيّن كافة الاعضاء الدائمين والمؤقّتين فيه. والرئيس الحالي لهذا المجلس هو “علي أكبر رفسنجاني”. ويتكون من (٣١) عضواً يمثّلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية.
٣- مجلس الخبراء ( أو مجلس الاوصياء)، ومهمة هذا المجلس حسب الدستور، تعيين او عزل قائد الثورة الاسلامية، بعد وفاة الخميني. وقد قام بعزل آية الله منتظري من منصب نيابة الإمام الخميني، وتعيين حجة الاسلام علي خامنئي بديلاً منه، وكذلك قام بعد وفاة الخميني، بإنتخاب خامنئي لمنصب الوليّ الفقيه الذي تستمر مدة شغله لهذا المنصب الى حين وفاته. وهذا المجلس يضم (٨٦) عضواً من الفقهاء المنتخبين من الشعب، الذين يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعي الشرائط، وإذا تشابهت الصفات والشرائط بين أكثر من مرشَح، ” يُفضّل مَن كان منهم حائزاً منهم، على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره “(المادة ١٠٩). والرئيس الحالي لهذا المجلس هو آية الله “محمد يزدي”.
٤- مجلس الأمن القومي الأعلى الذي تُعتبر قراراته المتعلقة بالسياسة العامة، مجرد توصياتٍ تحتاج الى موافقة المرشدالأعلى، حتى يتمّ تنفيذها. وأمين المجلس الحالي هو وزير الدفاع السابق الجنرال “علي شمخاني” الذي عيّنه المرشد الأعلى ممثّلاً له، خلفاً لحسن روحاني الذي شغل المنصب لعدة سنواتٍ، قبل إنتخابه رئيساً لإيران في عام ٢٠١٣. وقد صادق هذا المجلس أيضاً، على “الاتفاق النووي” الإيراني مع الدول الست، بصفته المرجع الأعلى للنظام في اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية.
٥- مجلس إعادة النظر في الدستور الذي تحتاج قراراته وتعديلاته الى موافقة القائد، قبل أن تُطرح على الإستفتاء العام.
٦- وبالإضافة الى هذه المؤسسات التي تم تكريسها في الدستور، فقد تمّ بعد أسبوع واحد من نجاح الثورة، إنشاء “الحزب الجمهوري الإسلامي”، للقيام بتعبئة الجماهير في دعم مبادئ وقيم الثورة، وشكّلت جماعة ” أنصار حزب الله ” – الذراع العسكري للحزب – مصدر قوةٍ إضافيةٍ له. وفي المقابل فقد تمّت تصفية الأحزاب الليبرالية واليسارية داخل المجتمع الإيراني، عن طريق القمع والترهيب والسجن والقتل والاغتيال والإعدام دون حصول أصحابها على محاكماتٍ نزيهة وعادلة. ولكن الخميني حلّ هذا الحزب لاحقاً، فيما استمر “حزب الله” في العمل، وقد قام بالعديد من اعمال العنف والترهيب داخل إيران، ويدين أعضاء هذا الحزب بالكامل للإمام الخميني وأفكاره فيما بتعلق بشكل إدارة الدولة والمجتمع.
إقرأ أيضاً| قراءة في الدستور الإيراني (1): تكريسُ السلطة المطلقة للوليّ الفقيه
٧- في عام ١٩٨٠ تمّ تشكيل ” لجنة الثورة الثقافية” التي كان معظم اعضائها من علماء الدين. وقد تولت مهمة المراجعة الشاملة للمناهج التربوية وطواقم التدريس، بحيث اضافت مجموعةً من المناهج الفقهية في التعليم ما قبل الجامعي، بهدف خلق أجيالٍ جديدة تتبنَى قيم الثورة، وتكون مصدر قوةٍ للدولة الجديدة. وقد تمّ إغلاق الجامعات الإيرانية لما يزيد على السنتين، بغية التضييق على كل التيارات السياسية (القومية والليبرالية واليسارية و ….) الفاعلة في داخل الجامعات. ولتأكيد النظام سيطرته على الجامعات، فقد أُضيفت شروط جديدة للالتحاق بها، تتضمن الحصول على شهادة بأن الطالب يؤمن بقيم الحكومة الاسلامية ومبادئها.
(جنوبية)