في رأي كثيرين لم تنتهِ حتى الآن تبعات انتخابات 2009م، ولا يزال يقبع اثنان من مرشَّحي الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة تحت الإقامة الجبرية. وليس مهمًّا أن يدخل إبراهيم رئيسي أو محمود أحمدي نجاد إلى الساحة، لأن الأول متَّهَم بارتكاب جريمة وله تاريخ مُفزِع، والثاني له سابقة الإقدام على تخريب الدولة. الأهمّ من هذا هو أن رائحة هندسة الانتخابات تفوح بنفس التفاصيل مثل عام 2009م، وربما أسوأ.
يبدو مستبعَدًا أن يكون الإمام الرضا قد ظهر في المنام لإبراهيم رئيسي، لكن يُحتمل بشِدَّة أن تكون أصوات شبيهة بتلك الأصوات لإله الخير أو الهواجس التي يسمعها مرضى الفصام، وهي التي استدعت أحمدي نجاد إلى الساحة لتدمير ما لم يدمَّر خلال فترتيه الرئاسيتين.
تُدِين هذه المقالة أحمدي نجاد الذي جاء للساحة بالاتِّكاء على جرأة «تَحدِّي القائد»، وتتطرق أيضًا إلى إبراهيم رئيسي الذي قرَّر أن يلعب مشروع أحمدي نجاد2، للأسباب التالية:
1- تحذيرات الحرس الثوري المتتالية حول الانتخابات
في رأي كثيرين انتهت فترة الرئاسة، ومن الطبيعي أن تنظِّم وزارة الداخلية الانتخابات الجديدة، ولكن المثير للتعجُّب أنه على مدار فترة طويلة يحذّر عدد من قادة القوات البرِّية والجوية والبحرية التابعة للحرس الثوري ومساعديهم من وقوع حدث استثنائي وغير طبيعي في الانتخابات الأخيرة. تحذيرات قادة الحرس الثوري الذين لهم تجربة في قيادة المقرّ الأمني” ثأر الله” والحرسي “محمد رسول الله”، ولهم باع في قمع المواطنين عام 2009م والهجوم على المدينة الجامعية لجامعة طهران في 9 يوليو 1999، وهذا يعني أن الحرس الثوري يُعِدّ نفسه لعمليات قمع عنيفة.
هذه التحذيرات والتهديدات المتعاقبة تُبرِز الشكوك بأن من الممكن أن تكون نتيجة هذه الانتخابات محدَّدة ومُهندَسة مُسبَقًا، كما يوضِّح بعض التنقلات في الحرس الثوري الاستعدادَ لمرحلة مليئة بالتوتُّر، فخلال فترة قصيرة ترك العميد محمد حسين زيبائي (العميد نجاد) قيادة حرس الولي الفقيه إلى إدارة الشؤون الثقافية بالحرس الثوري، وأصبح في نفس الوقت نائبًا لقائد مؤسَّسة استخبارات الحرس الثوري. نجات من أقوى كوادر حماية استخبارات الحرس الثوري، وفي سجله الوظيفي سابقة الهجوم على المدينة الجامعية لطلبة جامعة طهران في 1999م.
كذلك أصبح غلام حسين غيب بور، رئيسَ منظَّمة الباسيج (قوات التعبئة) ونائب القائد العامّ لقوات الحرس الثوري، ومع مجيئه إلى منظَّمة الباسيج أصبح محمد رضا نقدي مساعدًا للشؤون الثقافية للحرس الثوري، وشغل المنصب الذي كان يشغله العميد نجات من قبل.
2- حسن روحاني عدوّ.. و”خطة العمل المشتركة 2″ مشروع النفوذ
قال العميد محمد حسين زيبائي نجاد خلال كلمة ألقاها العام الماضي في المؤتمر الوطني لنشطاء جبهة المجال الافتراضي في مشهد، إن ثلاثية “العقوبات، والنفوذ، وتغيير المعتقدات” هي استراتيجية العدو التي قرَّر أن يقوِّيها بـ”خطة العمل المشترك 2 و3″، وأكّد أنه من المقرَّر أن يبحثوا في “خطة العمل المشتركة 4” حقوق الإنسان، وحتى تشريع ازدواج المثليين.
عندما يعتبر قائد رفيع المستوى في الحرس الثوري أن “خطة العمل المشترك 2” فكرة ومخطَّط من العدوّ، فليس لهذا معنى سوى أن شخص حسن روحاني أداة لنفوذ العدوّ، وأن التيَّار الإصلاحي والانتخابات التي تنتهي بفترة رئاسية ثانية لحسن روحاني، ما هي إلا مشروع يوجِّهه العدوّ.
من الطبيعي في منطق العسكريين، أن يكون من الضروري الوقوف أمام العدوّ والشعب الذي وقع في الشِّبَاك، وتأديبه عبر الاستفادة من الهراوات والعِصِيّ الكهربائية، أو حتى مرور سيارات الشرطة على رؤوسهم إذا لزم الأمر.
في الواقع لا يمكن تحديد ما إذا كان العميد نجات يدرك معنى وعواقب هذه التصريحات أم لا، هل يعتقد بهذه النظريات أم أن هذه الأفكار تحقنها تيَّارات مريبة، مثل منظومة مصباح يزدي، إلى داخل الحرس الثوري، فقد قال في موضع آخر إن “جامعة هارفارد، وهوليود وعالم الإنترنت، وُجدت لتحويل نمط حياة إيران إلى الطراز الغربي”. بصرف النظر عن أنه لا يعرف جامعة هارفارد أو أنه يمتدح حتى نجاحات كوريا الشمالية في مقابل الغرب، فلن يبقى ذلك إلا هذيانًا أكثر من كونه فكرَ مسؤولٍ عسكريٍّ كبير، ينبغي وَفْقًا لعمله أن يعرف جيدًا العالَم المعاصر. وعلى أي حال، عندما ينعت قائد حرس الولي الفقيه رئيس الحكومة الحالية صراحةً بالعدوّ، فمن المتوقع أن يكرِّس الحرس الثوري كل قوته في مواجهة وتدمير هذا العدوّ.
العامل الوحيد الذي يمكن أن يحوِّل الانتخابات المقبلة إلى انتخابات غير مسبوقة، هو مقاومة الشعب أمام فوز شخص عبر صناديق الاقتراع، وهو لم يصوت لصالحه.
قبل هذا، قال العميد حسين همداني، القائد الأسبق لمقرّ محمد رسول الله في طهران، الذي قُتل في سوريا، في حوار صحفي عام 2015م مع مجلة في همدان، بكل فخر وصراحة، بأنهم “جمعوا البلطجية طوال عام 2009م وأطلقوهم في الشوارع لقمع الاعتراضات الشعبية، واستفاد منهم الحرس الثوري إلى جانب الوحدات العربية في قمع الشعب”.
3- فقدان هاشمي رفسنجاني
ممَّا لا شك فيه أن هاشمي نفسه له سابقة المشاركة في إيجاد كل هذه القسوة، لكنه خلال الحركة الخضراء دافع باستماتة عن حقوق وصوت الشعب، وفقدان هاشمي بوفاته، وهو الشخص الذي كان يفعل التنظيم النهائي لمعادلات الإصلاحيين أمام المحافظين، وذلك قبل بضعة أشهُر من انعقاد الانتخابات، من شأنه أيضًا أن يكون دليلًا على إقامة انتخابات غير مسبوقة.
تصديق هذا الأمر لا يزال صعبًا على كثيرين، أن هاشمي رفسنجاني مع ذلك الفريق من حراسه، الذي كان دائمًا برافقته، أن يدخل بمفرده (رفسنجاني) إلى حمام السباحة الذي كانت كاميراته مُغلَقة وأن لا يكون أي حارس أو منقذ أو حتى عامل نظافة أو أي فرد عامل قد مرُّوا من جانب مياه حمام السباحة لمدة ساعتين متواصلتين. من الممكن أن يكون هذا الأمر قد برَّر خنق هاشمي رفسنجاني في مياه المسبح لدى بعض من المشاركين في صلاة الجمعة، لكن في معادلات إيران فإن موت هاشمي رفسنجاني الذي أجلس علي خامنئي على كرسي المرشد الأعلى لإيران، وكان هو نفسه أول مرشَّح خليفة للمرشد، كانت أهمّ وفاة بعد موت أحمد الخميني وقبل وفاة المرشد الأعلى الإيراني الحالي.
في هذا الإطار، حينما يسيطر قادة منظَّمة الحفاظ على معلومات الحرس الثوري على كل موارد الدولة، فإن حذف هاشمي من الممكن أن يُعتبر جزءًا من الحملة الانتخابية لمرشَّح خاصّ.
4- جمع كل البيض في سلة إبراهيم رئيسي
في مثل هذه الأجواء، فإن ترشُّح وظهور إبراهيم رئيسي على الساحة بعد انتشار صور اللافتات الموصى بها والمكتوب عليها “نرجو من الله أن يترشح رئيسي”، من الممكن أن يكون أهمَّ جزء في انتخابات الدورة الثانية عشرة لرئاسة الجمهورية الإيرانية.
تعيين إبراهيم رئيسي سادنًا لعتبة القدس الرضوية وضعه في قائمة المرشَّحين لخلافة مرشد إيران، لكن أهمّ جزء في المقطع الصوتي لحسين علي منتظري، نائب المرشد السابق، الذي اتهم فيه إبراهيم رئيسي بارتكاب أبشع الجرائم في تاريخ الجمهورية الإيرانية، إذ وقّع في عام 1988 حكمًا بإعدام عدة آلاف من السجناء السياسيين في إيران، لهذا يُطلَق عليه “قاضي الإعدامات” أو “آية الله القتل العام”.
كأن نشر المقطع الصوتي لحسين علي منتظري غير المرغوب فيه استهدف الخُطَط التي قرَّر بمقتضاها الحرس الثوري لمقرّ ثأر الله ومنظَّمة الحفاظ على معلومات الحرس الثوري أن يعيِّنوا إبراهيم رئيسي بأي ثمن في الإدارة القادمة لإيران، وأنهم قرروا ذلك حتى ينفذ إبراهيم رئيسي في فترته الرئاسية لإيران جميع أهداف الحرس الثوري والتيَّار المحافظ، وفي الحقيقة يكون آلة توقيع لقيادة الحرس الثوري.
سوء الحالة الصحِّية للمرشد على خامنئي، وعدم تكليف خليفة له في ظلّ ظروف الاقتصاد المهترئ الذي تشهده البلاد، من أكبر مخاوف الحرس الثوري في المستقبل. إبراهيم رئيسي بتاريخه الأمني الخفيّ وبدعم الحرس الثوري القاطع له، يمكن اختياره خليفةً للمرشد بأي ثمن وبأي تكاليف، إذ استهدف ترشُّح رئيسي كلًّا من انتخابات رئاسة الجمهورية وخلافة المرشد الأعلى الحالي، وهذا الأمر لا يمكن تَحقُّقه إلا إذا صدرت جميع التأييدات من الحرس الثوري مسبقًا.
5- الحرس الثوري وإيران.. أيهما تابع للآخر؟
التصريحات المتتالية لقادة الحرس الثوري في ما يتعلق بالتطورات السياسية القادمة ليست فقط علامة على قلق شريحة من القوات العسكرية على مستقبل الدولة، ولكن تساورهم المخاوف من تفكُّك هيكل وبنية الحرس الثوري في التطورات السياسية-الاقتصادية المقبلة.
عديد من المستثمرين الدوليين، وشركات النفط والغاز، والبنوك الدولية والشبكات المالية، بخاصة أصحاب الاستثمارات والشركات الأمريكية ممّن لديهم الرغبة في دخول السوق الإيرانية التي تقدر بـ80 مليون نسمة، على علم بالدور الواسع لظاهرة الحرس الثوري في إيران.
كذلك التعاون الاقتصادي مع الدول التي للعسكريين نفوذ كبير فيها، بالنسبة إلى الشركات والاستثمارات المشهورة والتي لها نشاط اقتصادي شفَّاف، يُعَدّ وصمة عار، بخاصة عندما يدخل العسكريون الساحة الاقتصادية والسياسية يصطحبون معهم الطبقات الأمنية أيضًا ويستفيدون من التربح الاستخباراتي أفضل استفادة، كما اشترى الحرس الثوري خلال نصف ساعة 51% من أسهم اتصالات إيران، ولكن شيكات الحرس الثوري لم تتحوَّل إلى نقد على الرغم من مرور أكثر من سبعة أعوام.
مِن ثَمَّ سيواجه التعاون الاقتصادي مع إيران وفي إيران قريبًا مشكلة أساسية في عديد من الساحات الدولية، هي أن جميع الأنشطة في إيران تتمّ عبر تصاريح الحرس الثوري، وعند الموافقة وإعمال لائحة حظر الحرس الثوري من جانب الكونغرس الأمريكي، بسبب نفوذ الحرس الثوري في قطاعات اقتصاد الدولة كافة، فقد يتجه اقتصاد الدولة مرة أخرى نحو الشلل، لأنه قلّما توجد في إيران أنشطة وفاعليات تصديرية واستيرادية أو إنتاجية ربحية، لا يشارك فيها الحرس الثوري، وبالطبع فإن جزءًا هامًّا من غسل الأموال والتهريب الذي يقدَّر بالمليارات أيضًا مرتبط بالحرس الثوري.
المؤشِّرات تدلّ على أن جميع الحرس الثوري، وأيضًا آلة التوقيع المحدَّدة من الحرس الثوري، تعني أنهم وضعوا إبراهيم رئيسي في جانب وباقي إيران في الجانب الآخر. هذا بالضبط أكثر الأمور المقلقة ومركز نظرية مؤامرة اللعبة الانتخابية للحرس الثوري.
*كاتبة وصحفية
المصدر|موقع زيتون
الترجمة| مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية