يحاول المحافظون الإيرانيون التجمع حول منافسٍ للرئيس «حسن روحاني» في الانتخابات المقبلة. وفي 11 أبريل/نيسان، بدأ المرشحون الرئاسيون بتسجيل الترشح في الانتخابات التي ستجري في 19 مايو/أيار المقبل، ويبقى إعلان «روحاني» ما إذا كان ينوي خوض الجولة لفترة ثانية في الأيام المقبلة. ومن غير المحتمل أن يكون طريق الرئيس الحالي نحو النصر سهلًا. وفي الأسبوع الماضي، وبعد شهرين من التكهنات، أعلن رجل الدين المحافظ، «إبراهيم رئيسي»، ترشحه.
ومع ظهور ملف «رئيسي» على مدار العام الماضي، بالإضافة إلى إمكانياته التي لا مثيل لها في القدرة على توحيد تصويت المحافظين، أدى ذلك إلى وضعه كتهديدٍ قوي لـ«روحاني»، وذلك على الرغم من سلسلة من النجاحات التي حققها الرئيس خلال فترته الأولى، الأمر الذي يعني أنّ المنافسة في السباق ستكون محتدمة. ومن المرجح أن تبرز أكبر الآثار السياسية المترتبة على التصويت في المجال الاقتصادي، وليس فيما يتعلق بالإصلاحات الاجتماعية المحلية أو السياسة الخارجية لطهران. ولكن بغض النظر عن من سيفوز، يبدو أنّ إيران تتبنى نهجًا أكثر حذرًا إلى حد ما في علاقاتها مع الغرب.
سباق بين رجلين؟
جاء إعلان ترشيح «رئيسي» خلال مؤتمر للمحافظين مع الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية. وببساطة، لن يقدم «رئيسي» على هذه الخطوة إذا لم يكن لديه موافقة ضمنية، إن لم يكن طلبًا مباشرًا للقيام بذلك، من المرشد الأعلى الإيراني «آية الله علي خامنئي». وقد ارتفع نجم «رئيسي» السياسي بشكلٍ مطرد منذ مارس/آذار عام 2016، حين تمّ اختياره لإدارة مؤسسة آستان قدس رضوي، وهي واحدة من أغنى وأبرز الجمعيات الخيرية في إيران. وأثار التعيين تكهناتٍ حول أنّ «رئيسي» قد تم إعداده كبديلٍ نهائي لـ«خامنئي» كمرشدٍ أعلى.
ومنذ ذلك الحين، زادت مكانة «رئيسي». ووقع 50 من أصل 88 عضوًا في مجلس الخبراء الإيراني على عريضة تدعم ترشيحه في سباق الرئاسة، كما أيده المحافظ «آية الله مصباح يزدي».
وليس «روحاني» و«رئيسي» هما المتنافسان الوحيدان. فلدى الرئيس السابق «محمود أحمدي نجاد»(أعلن نجاد ترشحه)، على وجه الخصوص، القدرة على تعقيد السباق. كما أنّ تأييده لنائبه السابق «حميد بقائي» قد يمنع الانتخابات من أن تصبح سباقًا بين رجلين. (يذكر أنّه في عام 2013، تم رفض المرشحين المفضلين من مؤيدي أحمدي نجاد من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني، وتم القبض على بقائي نفسه عام 2015 بتهم فساد، وسوف يقرر المجلس ما إذا كان سيوافق على القائمة الحالية من المرشحين خلال الأسبوعين المقبلين).
في هذه المرحلة، لا يزال من الصعب قياس ميل الناخبين الإيرانيين نحو مرشحٍ محدد. ومع ذلك، فإنّ الطيف السياسي الإيراني كان منقسمًا إلى حدٍ كبير منذ أن كان «أحمدي نجاد» في السلطة، ويعتبر «رئيسي» أحد الشخصيات القليلة القادرة على توحيد المحافظين الإيرانيين ضد «روحاني». ونتيجة لذلك، يبدو أنّ المواجهة بين «روحاني» و«رئيسي» قد تحتدم بشكلٍ كبير.
الآثار السياسية المحتملة
لا يعرف الكثير عن العلاقات السياسية لـ«رئيسي» أو وجهات نظره بشأن سياساتٍ محددة، لأنه قد امتنع كثيرًا عن التعليق في أمورٍ عامة (وبالتالي تجنب الصدام مع جماعات المصالح ذات النفوذ). ويبقى موقف «رئيسي» من الاقتصاد أحد العوامل الرئيسية التي يجب مشاهدتها في الأسابيع المقبلة، خاصة خلال المناظرات الرئاسية القادمة أمام «روحاني». والسياسة الاقتصادية هي واحدة من المجالات القليلة التي تمثل نقطة قوة للرئيس الحالي، خلافًا للسياسة الخارجية، التي يتحكم فيها المرشد الأعلى ورجاله.
وبصفة عامة، فإنّ الكثير من المؤسسات المحافظة الإيرانية وقاعدة «روحاني» المعتدلة تتفق على الاتجاه العام لاقتصاد البلاد. وهناك أيضًا قبول شبه كامل في إيران بأن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقع مع القوى الغربية يحتاج إلى أن يبقى قائمًا. وفي الآونة الأخيرة، في الواقع، كانت هناك شائعات بأنّ المرشد الأعلى قد انحاز إلى «روحاني» في منع الحرس الثوري الإيراني من اختبار صواريخ باليستية إضافية، وهي خطوة من شأنها أن تهدف إلى تثبيط الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» عن الانسحاب من الاتفاق النووي واستعادة العقوبات المفروضة على إيران بشكلٍ شامل.
«ترامب» والاتفاق النووي
ومع ذلك، فإنّ مسألة المدى الذي ينبغي فيه لطهران أن تسعى إلى إعادة الاندماج الاقتصادي مع الغرب، ومدى فتح الحكومة لاقتصاد البلاد للاستثمار الأجنبي، لا تزال موضع نزاع. وكان «روحاني» أكثر حرصًا على تحرير الاقتصاد من معظم المحافظين الإيرانيين الذين سعوا بشكل عام لحماية مصالح إيران الراسخة، ولاسيما المصالح التجارية للحرس الثوري الإيراني. نتيجةً لذلك، قد يضطر «رئيسي» إلى سحب مبادرات «روحاني» الرئيسية مثل عقد البترول الإيراني، وإعادة النظر في مدى فتح القطاع النفطي للاستثمار الأجنبي. ومع بقاء صادرات الطاقة شريانًا للحياة في إيران، فمن المرجح أن يحافظ رئيسي على مسار إيران الواسع نحو إعادة الاندماج التدريجي مع النظام الاقتصادي العالمي، ولكن بطريقة أكثر حذرًا.
وقد تكون الاختلافات بين الطرفين في قضايا مثل الإصلاحات الاجتماعية والسياسة الخارجية أكثر وضوحًا. وباعتباره رجل دينٍ محافظ قضى وقتًا طويلًا في القضاء الإيراني، فمن غير المحتمل أن يستكمل «رئيسي» محاولات «روحاني» لتعزيز السياسات الاجتماعية الليبرالية أو إضعاف قوة المؤسسات التي يعينها المرشد الأعلى. ولكن من غير المحتمل أن تؤثر الانتخابات على هذه القضايا بشكلٍ كبير على أي حال. وقد رأى «روحاني» بنفسه كيف رفضت تلك الجهود من قبل الذين يحاول إضعافهم. ولأسبابٍ مماثلة، من غير المرجح أن يؤدي التصويت أيضًا إلى تأرجحٍ كبير في السياسة الخارجية، التي لا تخضع في إيران مباشرةً لسيطرة الرئيس، بل هي خاضعة للمجلس الأعلى للأمن القومي.
وفي نهاية المطاف، مع تبني الإدارة الأمريكية الجديدة موقفًا أكثر عدوانية تجاه إيران، وبعد أن حصلت بالفعل على تخفيف العقوبات الموعود بموجب الاتفاق النووي، وربما تشعر طهران أنّها مضطرة إلى العودة إلى نهجٍ أكثر حذرًا تجاه التعامل مع الغرب. وقد تفسر هذه الديناميكية لماذا يمكن لـ«خامنئي» أن يلقي بثقل تأييده على شخصية مثل «رئيسي»، الذي من المتوقع أن يملأ حكومته بمسؤولين يحملون نفس الفكر. وهذا لا يبرر بالضرورة العودة إلى موقف المواجهة الذي تبناه أحمدي نجاد، والذي اشتبك مع خامنئي بشأن قضايا سياسية أكثر من روحاني، بل سيكون متمهلًا بشكلٍ أكبر. وحتى لو فاز «روحاني» في الانتخابات، من المرجح أن يحل محل نوابه الأكثر ليبرالية، مثل وزير الخارجية «جواد ظريف»، شخصياتٌ أكثر اعتدالًا أو حتى شخصيات محافظة، تسمح لإيران بالتكيف مع واقعٍ جديدٍ في الشرق الأوسط.
ترجمة| الخليج الجديد