الجمعة, 12 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

التوظيف الإيراني للقوى المحلية لإنجاح مشروعها في المشرق العربي

آراء وأقوال - رائد الحامد | Fri, Mar 31, 2017 11:26 PM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

موازنات قلقة حكمت صراعات السنوات الست منذ دخول المنطقة العربية في دائرة ما تعارف عليه الرأي العام باسم ثورات الربيع العربي التي رافقتها موجة من نزاعات مسلحة عمّقت التوترات العرقية والطائفية، الموجودة أصلا في بنية مجتمعات بلدان الشرق العربي.

بعد ثورات الربيع العربي، اتجهت المنطقة إلى إعادة صياغة الاستقطابات الإقليمية المرتبطة جدليا بالاستقطابات الدولية، وانعكاسات ذلك على المنطقة في تشكيل محورين اثنين خارج الأطر المؤسساتية؛ محور عربي إسلامي تقوده المملكة العربية السعودية يضمّ دول الخليج ودولا عربية وإسلامية أخرى، من بينها تركيا.

أما المحور الثاني، فهو محور إيراني يروم استكمال مشروع تصدير الثورة من خلال رعايتها وتشكيلها لعشرات المجموعات الشيعية المسلحة التي تُعلن صراحة إتباعها لسياسية ولاية الولي الفقيه.

وتعمل إيران باتجاهين متلازمين أحدهما عسكري والآخر سياسي ضمن منظومة عمل متكاملة ترعاها على الأقل ثلاث مؤسسات رسمية: الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات والأمن القومي (اطلاعات) ومكتب المرشد الإيراني الأعلى علي الخامنئي.

في الشق السياسي، تفرض إيران رؤيتها لشكل نظام الحكم في البلدان المستهدفة من قبل مشروع تصدير الثورة عن طريق فرض نفوذ مباشر من خلال علاقات تحالف مع حكومات تلك البلدان، أو من خلال قيادات محلية حليفة لها يتمّ الدفع بها إلى مراكز القرار السياسي والأمني والعسكري.

أما في الشق العسكري لتعزيز النفوذ والهيمنة، فتعتمد إيران على تنظيمات ومجموعات مسلحة محلية، أو جيوش شعبية شبه عسكرية، ترتبط بشكل مباشر مع المؤسسات الإيرانية.

تُشكّل مجمل منظومة العمل الإيراني بشقيها أداة من أدوات الصراعات في المنطقة؛ ويبدو أنّ الصراع الأعمق في بلدان الشرق العربي، هو صراع طائفي سنّي شيعي أصبح يشكل العنوان الأبرز لنزاعات مسلحة متجددة تعيشها ثلاثة بلدان عربية، العراق وسورية واليمن. وتعدّ إيران أبرز القوى الإقليمية الفاعلة في صراعات المنطقة.

*صراع النفوذ في العقل الإيراني:

تخوض إيران مجمل صراعاتها في المنطقة من منطلق سعيها لزيادة نفوذها وفرض هيمنتها في المنطقة باستثمار الدعم الذي تقدمه للقوى المحلية في بعض البلدان لمواجهة هيمنة الأكثرية السُنيّة في المنطقة والزعامات السنيّة التقليدية، المملكة العربية السعودية ومصر إلى حد ما؛ وفي أحيان قليلة تنظر إيران إلى تركيا من هذه الزاوية حيثما وجدت مسعى تركي لتعزيز وتمتين الروابط مع فاعلين محليين في العمق الاجتماعي السنّي بعيدا عن الأطر الحكومية، وخاصة في ميادين الصراع الرئيسية الثلاثة.

*إضعاف الجيوش الوطنية إستراتيجية إيرانية:

عملت إيران على بناء مجموعات مسلحة شبه عسكرية لتكون بديلا موازيا للجيوش النظامية لإضعافها إلى القدر الذي يُفقدها القدرة على تهديد الأمن الإيراني على المدى البعيد، أو الحد من تنامي نفوذها وتمدده تأسيسا على تبعية الجيوش النظامية للدولة وخضوعها لهرمية قيادية مؤمنة بعقيدة عسكرية غير متوافقة مع عقيدة المجموعات المسلحة الحليفة لإيران.

في العراق، شجعت إيران على بناء قوة عسكرية من ميليشيات حليفة لها ضمن إطار مؤسساتي ضمَّ ما لا يقل عن 72 فصيلا مسلحا، من بينها أكثر من 40 فصيلا تتلقى دعما ماليا وفي مجالات التدريب والتسليح والمعلومات، وتُدين بالولاء الشرعي (البيعة) للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي في إطار هيئة الحشد الشعبي التي تشكلت بناء على فتوى دينية أصدرها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لقتال تنظيم داعش.

ولعبت فصائل الحشد الشعبي دورا فاعلا في استعادة العديد من المدن من سيطرة التنظيم، وفي أحيان كثيرة كانت بدعم جوي وفره طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة؛ وهو دعم يقدمه التحالف الدولي لوحدات الجيش العراقي التي يستغل الحشد الشعبي وجوده المشترك معها في جبهة قتال واحدة للاستفادة من ذلك الدعم الجوي.

أما في الساحة السورية، إضافة إلى الدور الذي لعبه حزب الله اللبناني بمنع انهيار القوات السورية؛ شكّلت إيران العديد من الفصائل المسلحة من متطوعين شيعة من العراق وبعض دول الخليج العربية وباكستان وأفغانستان وسورية وغيرها للقتال إلى جانب القوات السورية وحزب الله اللبناني ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة؛ كما شكّل التدخل العسكري الروسي عاملاً مضافاً من عوامل مؤازرة المجموعات الحليفة لإيران التي حققت نجاحات ميدانية في مناطق سورية عدة، آخرها في مدينة حلب.

وفي اليمن، دعمت إيران بشتى سبل الدعم حركة أنصار الله التي فرضت سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء، لتوسيع الهيمنة الشيعية وترسيخ النفوذ الإيراني في اليمن، إضافة إلى تهديد أمن المملكة العربية السعودية التي سارعت إلى تشكيل تحالف عربي بقيادتها لتوفير الدعم الجوي لقوات برّية محلية حليفة لها منعت قوات حركة أنصار الله من السيطرة على عدن ومضيق باب المندب، لكنّها ظلّت تُشكل تهديدا جديا على المدن السعودية المجاورة لمحافظة صعدة شمال اليمن، والتي تمثّل المعقل الرئيس للحركة.

*خلاصة القول:

تخوض إيران مجمل صراعاتها في المنطقة من منطلق سعيها لزيادة نفوذها وفرض هيمنتها من خلال سيطرة مجموعات مسلحة موالية لها في بلدان أخرى، أو في جغرافيات تمثّل عمقا حيويا لها لإزاحة التهديدات الأمنية بعيدا عن الداخل الإيراني أو على حدودها مباشرة.

اتساع النفوذ الإيراني في المنطقة، وفرض سيطرتها بشكل أو بآخر على القرار السياسي والأمني في الدول التي تشهد صراعا مسلحا، العراق وسورية واليمن، ومع الزيادة الطارئة في عدد وعديد المجموعات المسلحة شبه العسكرية الحليفة لها، كل ذلك أعطى لإيران دفعة للتعاطي مع أزمات المنطقة من واقع حاجتها لتوسيع مديات نفوذها إلى مناطق حيوية جديدة.

وتعمل إيران على بناء قواعد بحرية في اليمن وسورية تضمّ معسكرات خاصة لتدريب مقاتلين شيعة لتوجيههم مستقبلا إلى مناطق أخرى في نطاق مشروع النفوذ الإيراني كدولة باتت اللاعب الأقوى في إدارة الملفات الساخنة في المنطقة، والدولة الإقليمية الأكثر نفوذا خارج حدودها الجغرافية بعد تراجع دور الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

ومع اقتراب خسارة تنظيم داعش معقله الحضري الأخير في العراق، فمن غير المستبعد انتقال عشرات الآلاف من مقاتلي الحشد الشعبي إلى سورية للقتال إلى جانب قوات بشار الأسد، أو حسب حاجة إيران إليهم في ساحات صراعها المتعدد الأوجه في ساحات متباعدة، أو متقاربة، جغرافيا.

أثبتت المجموعات المحلية المسلحة الحليفة لإيران قدرتها على مواجهة الفصائل التي تناهض المشروع الإيراني في العراق وسورية واستمرارها في تنفيذ السياسات الإيرانية على المدى البعيد؛ وبات مؤكدا أن تلك المجموعات المحلية أصبحت جزءا من الهياكل العسكرية في البلدين أُنشئت لضمان نفوذ إيراني أوسع في البلدين حتى بعد الانتهاء من معركة الموصل في العراق وزوال تهديد تنظيم داعش، أو التوصل إلى حل سياسي للصراع السوري.

(العصر)

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت