تناولت صحيفة "كورييه انترناسيونال" الفرنسية، في مقال لستيفاني خوري، موضوع اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، حيث أجرت مقابلة مع 3 خبراء في مجال الأمن والمخابرات، في محاولة لفهم الطريقة التي حصلت فيها عملية الاغتيال.
ما زال مقتل العالم النووي الايراني محسن فخري زاده، المنسوب إلى المخابرات الإسرائيلية، لغزاً. رأت أرملة الفيزيائي عشرات المهاجمين. هل هم إسرائيليون أم مجندون محليون؟ بالنسبة لطهران، هذه ضربة أخرى.
تشير جميع الأدلة إلى أن (إسرائيل) تقف وراء اغتيال “والد برنامج إيران النووي”، محسن فخري زاده، الذي قُتل في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر في هجوم شرقي العاصمة الإيرانية.
منذ ذلك الحين، نظرت وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم في دوافع العملية، التي ينظر إليها على أنها رسالة تم إرسالها إلى طهران قبل أسابيع قليلة من التسليم المتوقع في واشنطن بين دونالد ترامب وجو بايدن.
لكن هذه القراءة الفورية لا تشرح طرق إجراء عملية معقدة ودقيقة، والتي تتضمن دائمًا العديد من الأشياء المجهولة. كيف استطاعت المخابرات الاسرائيلية القضاء على شخصية بارزة وسط الأراضي الإيرانية رغم الترتيبات الأمنية المعززة؟
عملية معدة منذ فترة طويلة
اعتبر توماس جونو، الأستاذ في جامعة أوتاوا الكندية والخبير في الشؤون الإيرانية، أنه “علينا أن نبقى حذرين من الفرضيات التي يتم تداولها وإطلاقها باستمرار”، مضيفاً “تشير المعطيات إلى أن هذه عملية أخذت فترات طويلة في إعدادها، واستفادت من وسائل غير محدودة تقريبًا، ودعم الحليف الأميركي، والتكنولوجيا المتقدمة، واستثمار في المخابرات يتناسب مع التهديد الذي تشكله إيران على (اسرائيل)”.
وأوضح جونو أن “هذه الاستثمارات الإسرائيلية والقدرات، سمحت لإسرائيل على مر السنين من اختراق قوي للداخل الإيراني”.
حشد عامل الوقت
قال نيك غرينستيد، الخبير الأمني في شركة بيك إنترناشونال، وهي شركة استشارية مقرها البحرين، إن “تطوير القدرات البشرية والتكنولوجية مدعوم من قبل فرق كبيرة في (إسرائيل) مكلفة بالتحقق من المعلومات الواردة من إيران”، مضيفاً “على سبيل المثال، كان على الضباط الانتظار لمعرفة الطريق الذي كان يسلكه فخري زاده في يوم الهجوم، الذي وقع على طريق خارج المدينة”.
إلى جانب هذه الموارد، تمكنت (تل أبيب) من حشد عامل الوقت لصالحها من أجل تقليل مخاطر العملية. في هذا السياق، رأى بروس ريدل، خبير الأمن الأميركي في معهد بروكينغز، أن “التحضير لهذا النوع من العمليات قد يستغرق عدة سنوات”.
وأوضح ريدل أن “المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها مع مرور الوقت، ساعدت (إسرائيل) في تشكيل استراتيجية اغتيال أو خطة عمل واضحة وكاملة”.
تبقى العناصر الأخرى أكثر غموضًا. في اليوم التالي للقتل، ذكرت مصادر إيرانية وجود سلاح يعمل بالتحكم عن بعد، لم يكن يتطلب وجود بشر هناك. فرضية لم تنكرها السلطات الإسرائيلية التي سبق لها أن استخدمت هذا النوع من الأسلحة في الماضي.
لكن تظل هناك شكوك كثيرة، خاصة بسبب إفادات الشهود الحاضرين في مسرح الجريمة. وكان من بين هؤلاء زوجة محسن فخري زاده وابنه، اللذان أفادا بأن عشرات المهاجمين أطلقوا النار على حراس العالم.
المشاركة البشرية ضرورية للهجوم
اعتبر توماس جونو أنه “لا يزال من السابق لأوانه التوصل إلى استنتاجات قاطعة بشأن الطريقة الدقيقة التي تم استخدامها”، مضيفاً “لكن بغض النظر عن السلاح المستخدم، كانت مشاركة الرجال ضرورية في الاستعداد للهجوم”.
من جهته، أوضح نيك غرينستيد أنه “حتى لو ثبت أن خيار السلاح الذي يتم التحكم فيه عن بعد صحيح، فإن العملاء الإسرائيليين سيظلون بحاجة إلى إدخال هذا السلاح عالي التقنية إلى الأراضي الإيرانية”.
من هنا، يمكن طرح تساؤل مهم، هل من أدخل هذا السلاح هم متسللون إسرائيليون أو مجندون محليون؟
يهود إيران في (إسرائيل)
قد يكون بعض الإيرانيين مستعدين لمساعدة (إسرائيل) على الأرض، لأسباب سياسية أو مالية، وإن كان ذلك مخاطرة بدفع ثمن باهظ.
شرح بروس ريدل أن “إرسال الإسرائيليين إلى إيران أيضاً يعتبر أمراً معقولا. هذه العملية، يمكن أن تتم عبر إرسال يهود إيرانيين هاجروا إلى إسرائيل في الماضي، ويمكن لهؤلاء الاندماج بسهولة في المجتمع الإيراني، كما يمكنهم الدخول من باكو أو دبي أو مدن أخرى حيث يقيم عدد كبير من المجتمعات الإيرانية “.
ووافقه الرأي نيك غرينستيد، معتبرا أنه “يمكن أن يكون الفريق مختلطًا أيضًا، لكن لا يزال هذا مجرد تكهنات في هذه المرحلة”.
التأكيد على تسلل إسرائيلي يعني أن (تل أبيب) كانت ستنتظر تسلل العناصر خارج إيران قبل إطلاق المرحلة الأخيرة من خطة العمل، حتى لا تعرضهم للخطر.
نكسة لطهران
بعيداً عن تفاصيل القضية، فإن وفاة العالم الإيراني تمثل نكسة أكيدة للسلطات الإيرانية التي تجد نفسها في حرج أمام إخفاقات الأجهزة الأمنية والتصريحات المتناقضة الصادرة عن مختلف الأطراف. خاصة وأن الاغتيال يأتي في نهاية عام مؤلم بشكل خاص لطهران.
عام بدأ في كانون الثاني/ يناير الماضي بضربة أميركية ضد الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس داخل الحرس الثوري الإسلامي، واستمر بالهجوم على موقع نطنز النووي واغتيال زعيم تنظيم القاعدة أبو محمد المصري في طهران في آب/أغسطس الماضي. انها هزيمة متكررة تلقي بظلال من المصداقية على النظام الأمني.
قال بروس ريدل “الحرس الثوري الإيراني أو وزارة المخابرات منظمتان قديرتان للغاية صنعا لنفسهما اسمًا في سوريا ولبنان واليمن وأماكن أخرى”.
أهمية العملية الأمنية هذه، أن فخري زاده كان يتمتع بأهمية كبيرة وإجراءات كبيرة لضمان سلامته. كانت هويته محمية لدرجة أنه حتى عام 2018 كان من المستحيل العثور على صورة له. يقول نيك جرينستيد: “كان يراقب 24 ساعة في اليوم”.
ويخلص توماس جونو إلى أنه بعيدًا عن العيوب التشغيلية المحتملة، “فإن هذا يعد فشلًا رمزيًا وسياسيًا: إنه أمر محرج بشكل خاص للجمهورية الإسلامية، التي تخصص الكثير من الموارد للأمن الداخلي”.