هذه المقالة هي تعليق من الكاتب Graham Vanbergen على دراسة تتعلق بالموقف البريطاني من الحرب على العراق وأفغانستان. وأنجزتها جمعية ” أطباء من أجل المسؤولية الإجتماعية = Physicians for Social Responsiplity PRS” التي تتخذ من العاصمة الأمريكية – واشنطن مقرا لها.
وصدرت الدراسة في شهر آذار/مارس 2015،بمناسبة مرور عشر سنوات على غزو العراق. أي قبل نشر تقرير لجنة «شيلكوت» البريطانية، الذي صدر مؤخرا في شهر تموز/يوليو سنة 2016.
بطبيعة الحال المعلومات الواردة في البحث قيمة. وهي من النوع الذي، غالبا، لا تتناوله وسائل الإعلام العربية، أو تأبه له، رغم أنها منشورة في وسائل الإعلام الغربية. ونظرا لأهمية البحث؛ فقد تلقى موقع «المراقب»، من أحد الباحثين مشكورا، ترجمة للمقالة. وفي خاتمتها؛ سيجد القارئ أو الباحث الرابط المصدر، وكذا رابط الدراسة أيضا.
د. أكرم حجازي
***
ربما سيأتي الوقت الذي سيتعين على توني بلير بأن يتعامل مع عواقب ما فعل في العراق مع تقرير تحقيق تشيلكوت القادم مهما طال الأمد. وإن أتى هذا الوقت فإنه من المحتمل بألا يمثل تقرير تشيلكوت غير محاولة لطمس الحقيقة.
يقول جيريمي كوربين في مقابلة مع البي بي سي الثانية في برنامج “ليلة الأخبار”(NewsNight) “أعتقد بأنها حرب غير مشروعة” ، مضيفا بأن السكرتير العام للأمم المتحدة قد أكد هذا ويقول “بأن عليه (أي توني بلير) أن يفسر هذا“.
تتنامى تلك الدعوات التي تطالب توني بلير بمواجهة جرائم الحرب وهذا ليس مستغرب بعد معرفتنا بأن ما نعرفه الآن هو حقيقة. وما نعرفه الآن هو حقيقة مروعة على الرغم من أن وسائل الإعلام البريطانية بكاملها رفضت نشر التقرير. ما عليك سوى أن تكتب بعض الكلمات الأساسية من هذا التقرير في محرك البحث جوجل (مثل “الحرب على الإرهاب، قتلت أربعة ملايين مسلم” ) وستجد أن الصحافة البريطانية غائبة بنسبة 100٪ ، لذا فإن الأمر يستحق القراءة.
لقد أثبت بحث مهم بأن “الحرب على الإرهاب” الذي تقوده الولايات المتحدة قتل أعدادا أكبر بكثير مما تم نشره سابقا، وهذه الأعداد ليست سوى جزء يسير مما يتحمله الغرب من مسؤولية تجاه أعداد القتلى في العراق وأفغانستان على مدى العقدين الماضيين.
ففي شهر مارس الماضي من هذه السنة (1015)، قامت جمعية ” أطباء من أجل المسؤولية الإجتماعية” (Physicians for Social Responsiplity PRS) ومقرها ولاية واشنطن، بنشر دراسة مهمة توصلت فيه إلى أن عدد القتلى جراء ” الحرب على الإرهاب” خلال 10 سنوات، منذ حادثة 11 سبتمبر، يصل إلى 1.3 مليون نسمة على الأقل ويمكن أن يكون العدد يصل إلى 2 مليون نسمة. ومع هذا فإن الواقع هو أسوأ من هذا بكثير كما يذكر التقرير.
إن هذا التقرير الذي يقع في 97 صفحة ومقدم من قبل جماعة أطباء حصلت على جائزة نوبل للسلام هو أول من قام بضبط مجموع أعداد القتلى من المدنيين جراء التدخلات الأمريكية والبريطانية في العراق وأفغانستان وباكستان.
ومع هذا فإن هذا التقرير كاد أن يغيّب تماما من قبل الإعلام الإنجليزي على الرغم من كونه أول جهد من نوعه يقدم من قبل منظمة عالمية رائدة للصحة العامة قامت بحسابات علمية متينة لأعداد الذين قتلوا جراء “الحرب على الإرهاب” الذي تقوده أمريكا وبريطانيا.
وصف الدكتور هانز فون سبونيك، وهو مساعد سابق للأمين العام للأمم المتحدة، وصف تقرير جمعية أطباء بأنه “مساهمة مميزة لردم الفجوة بين التقديرات الموثوقة لضحايا الحروب وخصوصا المدنيين في العراق وأفغانستان وباكستان، وبين تلك التقديرات المغرضة أو التي تم التلاعب بها أو حتى المزوّرة“.
قام التقرير بإجراء مراجعة نقدية لتقديرات سابقة لعدد ضحايا “الحرب على الإرهاب“. والتقرير ينقد بشدّة الرقم الذي تداولته وسائل الإعلام على نطاق واسع واعتبره الإعلام بأنه موثوق، والصادر بعنوان “عدد ضحايا العراق” (Iraq Body Count = IBC) والذي قدر عدد الضحايا ب 115 ألف قتيل. يمكن الوصول لآخر تقدير هنا.
وبحسب تقرير أطباء فإن الدراسة التي قامت بها لانسيت والتي أثارت ضجة وقدرت عدد ضحايا العراق ب 655 ألف قتيل حتى عام 2006م ( وأكثر من مليون قتيل حتى هذا اليوم بالمقارنة) هي أكثر دقة بكثير من تقديرات “عدد ضحايا العراق (IBC). في الواقع، فإن التقرير يؤكد على وجود إجماع بين علماء الأوبئة على موثوقية الدراسة التي قامت بها لانسيت .
وفي هذا الصدد ، قام موقع جلوبال ريسيرتش (Global Research) بجمع قائمة مرتبة ترتيبا زمنيا تصف بدقة كيفية ضلوع توني بلير في الهجمات غير المشروعة والعواقب الفظيعة كما يشير هذا التقرير. وعليه لا يمكن للمرء إلا أن يقطع بأنه ليس لبلير مكان غير قفص الاتهام.
في مارس 2003، وعندما كان السيد بلير رئيس للوزراء، شارك على الأرجح مع العديد من القادة رفيعي المستوى في الولايات المتحدة بارتكاب جريمة العدوان على العراق.
جريمة العدوان على دولة هي “الجريمة الدولية العظمى“، كما تم إقراره من قبل محكمة نورمبرغ في عام 1946م.
بالإضافة إلى كونها محظورة بموجب القانون الدولي، فإن جريمة العدوان على دولة هي جريمة محددة من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وعليه يمكن أن تحظى بممارسة الولاية القضائية خلال السنوات القادمة. ” الركون لحرب عدوانية على دولة ليس مجرد قانوني، بل إجرام” مرجع: United States v. Hermann Goering, et al., 41 AM. J. INT’L L. 172, 186, 218-220 (1946); وانظر أيضاCharter Int’l Military Tribunal, art. 6(a), Aug. 8, 1945, 59 Stat. 1546, 82 U.N.T.S. 279.
في عام 2004م ، أعلن الأمين العام كوفي عنان بأن حرب العراق غير شرعية ومخالفة لميثاق الأمم المتحدة.
في عام 2006م ، ذكر بنيامين فيرينتس، وهو مدع عام سابق في محاكمات نورمبرغ، ذكر أن حرب العراق كانت “خرق واضح للقانون.” ” لا يوجد حرب بلا أعمال وحشية، لكن صنع الحرب هي أكبر عمل وحشي للقانون “.
في عام 2010م ، خلص تحقيق هولندي بأن حرب العراق ليس لها ما يسندها في القانون الدولي.
في عام 2010م صرح هانز بليكس، كبير مفتشي الأسلحة السابق للأمم المتحدة بأن لديه اعتقادا راسخا بأن حرب العراق كانت حرب غير شرعية.
في عام 2012م قرر القضاة المعنيون بمحاكمة جرائم الحرب في كوالالمبور، وهي هيئة مستقلة يرأسها قضاة سابقون تضمنت مداخلات من العديد من أكاديميين في القوانين الدولية، خلصت إلى أن الشواهد الأولية موجودة بأن توني بلير ارتكب جريمة العدوان على العراق. وأرسلت المحكمة نتائجها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وأدخلت اسم السيد بلير في “سجل مجرمي الحرب” الخاص بها.
وفي عام 2012م، خلص رئيس الأساقفة ديزموند توتو بأن الإجتياح “غير الأخلاقي” ، “والقائم على كذبة“، قد “زعزع الاستقرار وفرّق العالم لدرجة كبيرة أكبر من أي صراع آخر في التاريخ” وتساءل لماذا السيد بلير في لاهاي لم “يقدّم للاستجواب” على أعماله.
في مايو 2014م، حث جون ميجور، رئيس الوزراء السابق، السيد بلير على نشر كل مراسلاته التي قام بها قبل الحرب الخاصة بحرب العراق. وإلى هذا اليوم لا تزال الضغوط مفروضة على لجنة التحقيق في حرب العراق التي يرأسها السير جون تشيلكوت لمناقشة ما يمكن وما لا يمكن نشره من مراسلات.
وفي دراسة سابقة لجمعية أطباء قامت بها بيث دابونتي، وقد كانت تعمل آنذاك في مكتب التعداد السكاني لدى الحكومة الأمريكية، توصلت إلى أن أعداد القتلى جراء الحرب العراقية بشكل مباشر وغير مباشر كان في حدود 200 ألف قتيل عراقي معظمهم من المدنيين. في الوقت نفسه، فقد تم منع ظهور دراستها الحكومية تلك.
بعد انسحاب القوات التي كانت تقودها الولايات المتحدة، استمرت الحرب على العراق بشكل اقتصادي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا من خلال العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بحجة حرمان صدام حسين من المواد اللازمة لصنع أسلحة الدمار الشامل. وتضمنت المواد المحظورة على العراق في إطار هذا التبرير عدد كبير من المواد اللازمة للحياة اليومية.
وتظهر أرقام الأمم المتحدة التي لا جدال فيها بأن 1.7 مليون مدني عراقي لقوا حتفهم بسبب نظام العقوبات الوحشي الغربي نصفهم من الأطفال.
ويبدوا بأن الموت الجماعي هذا كان مقصودا. إذ إن من بين المواد المحظورة ضمن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة كانت مواد كيميائية ومعدات أساسية لعمل نظام معالجة المياه الوطني العراقي. فقد كشف البروفيسور توماس ناجي المحاضر في كلية إدارة الأعمال في جامعة جورج واشنطن وثيقة سرية لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكي قال بأنها “خطة مسبقة لجريمة إبادة ضد شعب العراق“.
ففي ورقته التي قدمها للجمعية الأكاديمية للإبادات الجماعية لجامعة مانيتوبا أوضح البروفيسور ناجي بأن وثيقة وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية تكشف ” تفاصيل دقيقة لطريقة عملية وكاملة تؤدي لتدهور نظام معالجة المياه لشعب بأكمله” على مدى عقد من الزمن.
وهذا يعني بالنسبة للعراق، لوحدها، فإن الحرب التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا من عام 1991م حتى 2003م قتلت 1.9 مليون عراقي، ثم منذ عام 2003م وما بعده فقد قتلت مليون عراقي: أي أن المجموع يقرب من 3 مليون عراقي خلال عقدين من الزمن.
الساسة في المملكة المتحدة على دراية بماذا كانوا يفعلون وبمدى الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين الأبرياء، ومع هذا وقفوا متفرجين على جريمة الإبادة العرقية وقاموا بحجب المعلومات الاستخباراتية عن الشعب البريطاني.
وبالنسبة لأفغانستان فإن التقرير صادم بنفس المستوى. فقد توصل بوليا، وهو عالم كيمياء متقاعد من جامعة لا تروب في ملبورن، إلى أن مجموع القتلى الأفغان، منذ عام 2001م جراء الحرب المستمرة والمعاناة التي فرضها الاحتلال، وصل نحو 3 ملايين نسمة، منهم حوالي 900،000 أطفال دون سن الخامسة.
وفي تقرير عام 2001م للأكاديمية الوطنية لعلوم بعنوان “الهجرة القسرية والوفيات” أشار عالم الأوبئة الرائد ستيفن هانش وهو مدير الإغاثة الدولية، بأن إجمالي عدد القتلى المدنيين في أفغانستان، بسبب أثر الحرب المباشرة في التسعينات، يقع بين 200,000 إلى مليونين قتيل. بطبيعة الحال فإن الاتحاد السوفياتي أيضا يتحمل المسؤولية عن دوره في تدمير البنية التحتية المدنية مما مهد الطريق لهذا العدد من القتلى.
وإجمالا، فإن هذا يشير إلى أن إجمالي عدد القتلى الأفغان بسبب آثار الحرب المباشرة وغير المباشرة التي قادتها أمريكا منذ مطلع التسعينات وحتى الآن يمكن أن يصل لما بين 3- 5 مليون نسمة.
ووفقا للأرقام المقدمة هنا، فإن مجموع الوفيات الناجمة عن التدخلات الغربية في العراق وأفغانستان، منذ التسعينات – جراء القتل المباشر والآثار المترتبة من الحرب – على الأرجح، تشكل نحو 4 ملايين نسمة، (مليونين في العراق في الفترة 1991م – 2003م، بالإضافة إلى 2 مليون نسمة جراء ” الحرب على الإرهاب“).
وخلص التقرير بأن ” الرقم الإجمالي لعدد القتلى قد يصل إلى 6 – 8 مليون نسمة عندما نأخذ بالحساب التقديرات العليا لأعداد القتلى في أفغانستان“.
قد تكون هذه الأرقام مرتفعة جدا، ولكن لن نتمكن من معرفة ذلك أبدا على وجه اليقين. فسياسة القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية ترفض تسجيل عدد القتلى المدنيين في العمليات العسكرية. فهما يعتبرانها مصدر إزعاج لا يمثل أهمية.
وبسبب النقص الكبير للبيانات في العراق، وانعدامها التام تقريبا في أفغانستان، وعدم اكتراث الحكومات الغربية بمقتل المدنيين، فإنه من المستحيل تحديد الحجم الحقيقي لخسائر الأرواح. ولكن شيء واحد مؤكد هو أن الأرقام هائلة، وهي أكبر بكثير مما يراد لنا أن نصدقه من قبل ما يسمى ب “المصادر الرسمية“.
إنه ليس من الغريب أن نرى انضمام العديد إلى الجماعات المسلحة في هذه المناطق. فالكثير قد فقد، ليس فقط أحبائهم بل، عائلاتهم بأكملها ومنازلهم ومجتمعاتهم وتجارتهم وبلدانهم أيضا وبالتالي لم يبق لديهم شيء ليخسروه.
المصدر الأساسي باللغة الإنجليزية
نص الدراسة