انبثقت فكرة الأمن العربي من نظام (الأمن الجماعي) المعمول به بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمستوحى من ميثاقها، والذي يقوم على أساس أن أمن كل دولة وسلامتها الإقليمية من الأمور التي تشترك في مسؤوليتها كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وقد كانت معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية بتاريخ 13/4/1950 تعبيرًا عن الإيمان بفكرة الأمن العربي في الجملة، بل إن فكرة الأمن العربي كانت حاضرة في روح ميثاق جامعة الدول العربية بتاريخ 22/3/1945، والذي سبق تأسيس الأمم المتحدة بشهور؛ علمًا بأن الأمن العربي ضرورة حيوية في الوعي والشعور الوطني والقومي العربي قبل وبعد أي ميثاق أو معاهدة أو نظام .
ولا شك في أن فكرة الأمن العربي التي تطورت في أدبيات السياسة إلى نظرية الأمن العربي، ترتبط من حيث السلوك السياسي الكلي أو الجزئي ارتباطًا طرديًا وثيقًا بالخط البياني للعمل العربي المشترك ومدى فاعلية ميثاق جامعة الدول العربية في قرارات وممارسات الأنظمة العربية.
إن من الخطأ اختزال الأمن العربي بالجانب العسكري والأمني، لأن الأمن العربي لا يتحقق إلا عبر شبكة تتفاعل فيها كل الجوانب بما فيها الجانب الثقافي والديني فضلاً عن الجانب السياسي، ولا يصح بل لا يمكن الفصل بين الجوانب المتنوعة التي إن لم تتضافر مع بعضها البعض، فإن الأمن العربي يتحول إلى أمل صعب المنال .
وعلى سبيل المثال، إن التغريب والغزو الثقافي الذي يحاول استلاب الهوية وضرب منظومة القيم في مجتمعاتنا العربية، يهدد الأمن العربي بالصميم، كما أن الاختراق الشيعي لمجتمعاتنا العربية وهي تنتمي إلى منهج أهل السنة والجماعة منذ إسلامها، وتغول الأقلية الشيعية خارج إطار المواطنة بشكل مد شيعي ينطلق من مخطط طائفي وآيديولوجية طائفية وأهداف طائفية، يمس الأمن العربي بالصميم أيضًا لا سيما حين يكون مرتبطًا بأجندة خارجية.
إن صياغة استراتيجية الأمن العربي تتفاوت بتفاوت أوضاع العالم والمعادلات القائمة إقليميًا ودوليًا، ومن ثم أعتقد أننا بحاجة إلى منظومة أمن عربي جديدة تأخذ بنظر الاعتبار معطيات القرن الحادي والعشرين والمعادلات القائمة والتحولات الدولية والعربية.
إن منظومة الأمن العربي التي لا تزال متأثرة بأوضاع القرن المنصرم ومعادلاته، والمتضررة من تداعيات الوضع العربي منذ غزو الكويت مرورًا بكل المجريات التي أضعفت الجامعة العربية والعمل العربي المشترك، لم تعد بمستوى التحديات الخطيرة التي نعيشها، بل تسببت بفتح المجال للنظام الإيرانيالطائفي العنصري بتنفيذ استراتيجيته العدوانية، وبتمكين الكيان الصهيوني اللقيط من الاستقواء والإمعان في التطاول والعدوان، وبهامشية العالم العربي في الحسابات الدولية وسياسات الدول الكبرى والذي كان جليًا في الغزو الأمريكي الغاشم للعراق، والعدوان الروسي على الشعب السوري.
ومن هنا تأتي ضرورة الدعوة إلى صياغة وبناء منظومة أمن عربي جديدة ومتجددة، تتشابك مع الدول الإسلامية السنية لتكون منظومة أمن عربي – إسلامي، وينبغي في هذا الشأن بث الحيوية في الجامعة العربية لتتمكن من تجسيد دورها في إبراز العالم العربي ككتلة قوية وفاعلة على الساحة الدولية.
(مرصد اليوم)