قضى الحوثيون على أي وجود للصحافة المناوئة أو المتمردة في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتهم، وأصبحت جميع الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام بلون واحد وصوت واحد، وخاضعة لإملاءات الحوثيين، الذين قرروا الآن استهداف الصحافة التابعة لحليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وأوقف الحوثيون طباعة الصحيفة الرسمية لحزب المخلوع، في خطوة هي الأولى من نوعها بين الحليفين منذ سيطرتهما على العاصمة اليمنية صنعاء في 2014.
وقال نشطاء في حزب المؤتمر الشعبي العام الثلاثاء إن “الحوثيين الذين يسيطرون على مطابع التوجيه المعنوي في صنعاء أوقفوا في وقت متأخر من مساء الإثنين طباعة صحيفة الميثاق الأسبوعية الناطقة باسم الحزب.
وقال محمد أنعم الصحافي في حزب صالح ورئيس تحرير صحيفة “الميثاق”، في منشور عبر حسابه على فيسبوك، إنه “تم رفض طباعة الصحيفة، التي تمثل لسان المؤتمر الشعبي العام”.
ويعتبر حزب المخلوع صالح الشريك الرئيسي للحوثيين وسخر وسائل الإعلام التابعة له للدعاية للمخلوع ولمليشيا الحوثيين منذ السيطرة على صنعاء في سبتمبر 2014، لكن بوادر خلافات طفت مؤخرا على السطح، وبدأ العديد من الصحافيين بالتحول من تمجيد الحوثيين إلى مهاجمتهم وكشف ممارساتهم ضد وسائل الإعلام والصحافيين.
وحمّل أنعم المسؤولية لـ“وزيري الدفاع والإعلام” في “حكومة” مليشيا الحوثيين، غير المعترف بها دوليا.
وكشف أن “الصحافيين والعاملين في صحيفة الميثاق يتعرضون لأسوأ أساليب الترهيب والملاحقة بدعاوى كيدية في المحاكم، حتى وصل الأمر إلى إيقاف طباعة الصحيفة تحت مبررات كاذبة وابتزازية”، لكنه لم يحددها
وشدد على أن “الهدف من منع طباعة الصحيفة، هو تكميم الأفواه ومصادرة حرية الرأي وخنق صوت المؤتمر الشعبي العام”. ودعا “الصحافيين اليمنيين والعرب، وفي مقدمتهم اتحاد الصحافيين العرب والاتحاد الدولي للصحافيين إلى التضامن مع الصحيفة”.
وهاجم ناشطون وإعلاميون محسوبون على المخلوع صالح مليشيا الحوثي واتهموها باستغلال الوضع القائم والسعي نحو تجريف الحزب الحليف معها.
وقال سكرتير التحرير الفني في الصحيفة عبدالمجيد البحيري إن ميليشيات الحوثي لم تستطع إسكات صحيفة “الميثاق” لسان حال المؤتمر الشعبي العام، عبر جر هيئة تحريرها إلى المحاكم وتلفيق قضايا ضدها من العدم، وأضاف البحيري، اليوم تلجأ إلى منع طباعتها ودون أي سبب أو مسوغ قانوني، وتحاول إيقافها وإلحاقها بركب الصحف الحكومية والحزبية والأهلية التي توقفت عن الصدور.
ويرى متابعون أن الحوثيين يستخدمون وسائل الإعلام والصحافة لتصفية حساباتهم مع الخصوم وحتى الحلفاء في حال وجود أي خلاف أو تضارب مصالح، رغم أن هؤلاء الحلفاء كانوا قد ساندوهم في الحملة لإغلاق جميع الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية المناوئة لهم، ما أدى إلى انتقال بث معظمها من خارج البلاد، فيما اختطف العشرات من الصحافيين وتم إيداعهم السجون.
ويواجه الصحافيون المستقلون مخاطر ظلت تتصاعد باستمرار وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد وثقت لجنة حماية الصحافيين الطريقة التي تتم بها مهاجمة الصحافيين وتهديدهم من قبل مهاجمين مجهولين، إضافة إلى توثيق عمليات اعتقال للصحافيين وترهيبهم من قبل أفراد من الواضح أنهم مرتبطون بالحوثيين.
وقالت اللجنة في تقرير لها صدر قبل أيام إن سيادة القانون يقررها الطرف الذي يستولي على زمام السلطة، فيما تفتقر السلطات في صنعاء إلى البنية التحتية أو الإرادة السياسية (أو كليهما) لإجراء تحقيقات بطريقة نزيهة.
واستشهدت اللجنة بالصحافي الاستقصائي اليمني محمد العبسي الذي لقي حتفه في ظروف غامضة بعد أن تلقى تهديدات بسبب ممارسته لعمله، وعندما ظهرت نتائج التشريح أثارت تساؤلات أكثر مما قدمت إجابات. كما صدر حكم بالإعدام على الكاتب الصحافي يحيى الجبيحي بتهمة التجسس، ولم تكن العملية القضائية التي أصدرت حكم الإعدام على الجبيحي تتسم بالشفافية، حيث أُجريت في محاكمة مغلقة يحجزها الحوثيون عادة لمقاتلي تنظيم القاعدة.
وقال أحد الصحافيين الذي اشترط عدم ذكر اسمه “لقد بلغت أجواء الترهيب حدا بات معه حمل معدات من قبيل آلة التصوير في صنعاء عملا محفوفا بالمخاطر”.
وأضاف الصحافي أنه بينما كان يسير برفقة زميل له مؤخرا في صنعاء اقتربت منهما قوة تابعة للحوثيين عند رؤية عناصرها للكاميرات بحوزتهما، قائلين لهما إنهم “سيكسّرون رأسيهما” إن كانا صحافييّن. وتابع أن زملاءه في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يعملون خلسة، خاصة إذا ما تطلب الأمر حمل معدات تصوير فوتوغرافي أو فيديوي يمكن ملاحظتها، وأن الفريق الإعلامي عند إعداده تقريرا مصورا مؤخرا، قام بتصوير جميع المشاهد باستخدام هواتف محمولة ثم غادر بعدها المكان بسرعة.
وأكد أن كل صحافي يعمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يجب عليه الحصول على رخصة للعمل، حتى لو كان يغطي أخبارا يومية من قبيل حفلات الزفاف. ويعرّض كل من يعمل بلا رخصة نفسه لخطر الاعتقال على يد ميليشيات من ضمنها ميليشيات مرتبطة بالحوثيين لكنها ليست منتمية إليهم رسميا.
وقال الصحافي إن “العمل الصحافي المستقل أصبح غير آمن في المناطق اليمنية، خاصة المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، وهم الطرف الأكثر خطورة بسبب عدم مبالاتهم بأي ضغط دولي يُمارس عليهم نتيجة للانتهاكات التي يرتكبونها بحق الصحافيين والحرية العامة”.
(العرب)