لاشك أن منطقة فارس التاريخية في الهضبة الإيرانية تعج بالعديد من التحولات الكبيرة التي طرأت على خريطة المنطقة من تمدد وانكماش، حيث أسس الفرس العديد من الدول والإمبراطوريات على مر التاريخ مثل الأخمينيين والدولة الساسانية في حقبة ما قبل الإسلام، إضافة إلى سلالات حكمت في حقبة ما بعد الإسلام مثل السامانيين وغيرهم.
وهذا ما وسم قومية الفرس بالطموحات الواسعة التي لاتحدها حدود طالما تروي ظمأ أحلامهم التي تواجَه دائماً بالصد من الجميع، مما يضعهم في خانة العدو وخاصة في الفترة الأخيرة التي حاولت فيها إيران وماتزال تمضي في التغلغل في العديد من الدول، سواء في آسيا أو أفريقيا وغيرها وبعداء مُبالَغ فيه لايمكن تفسيره إلا بحالة من الغرور والاستغلال وهدم الآخر والطموح الأرعن.
في ظل هذا الظرف التاريخي الآني وما تعانيه دول العراق وسوريا واليمن من التدخل الإيراني، وفي خضم التدخلات الإيرانية في شؤون دول الخليج العربي وخصوصاً في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، صدر حديثاً كتاب (إيران.. حلم الإمبراطورية على صهوة الطائفية) للكاتب السوداني عبدالقادر يوسف الجعفري المتابع عن كثب لشؤون دول آسيا الإسلامية.
وينقسم الكتاب إلى سبعة فصول، تناول في الفصل الأول جغرافية واقتصاد إيران، ونبذة عن الشيعة والسنة في إيران، وسياسة نشر التَّشَيُّع في أفريقيا. وتحدث في الفصل الثاني عن نظام السلطة في إيران والمتمثلة في عدة مستويات مثل نظام المرشد الأعلى (الولي الفقيه)، ومفهوم ولاية الفقيه، ومجلس صيانة الدستور، ومُجَمَّع تشخيص مصلحة النظام، والحرس الثوري، ومجلس الشورى، موضحاً دور كل منها وعلاقته بالآخر.
واستعرض الكاتب في الفصل الثالث الأذرع الشيعية الممتدة خارج الأراضي الإيرانية ودورها في تأجيج الفوضى والحروب في منطقة الشام والخليج العربي، مثل حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي باليمن، وما توسم بالحشد الشعبي بالعراق، ولواء أبوالفضل العباس، ولواء الفاطميين.
وتناول الكاتب في الفصل الرابع دور الزعامات والأذرع الموالية لإيران مثل، مقتدى الصدر وعلي السيستاني ومحمد باقر الحكيم وآية الله الصرخي. وفي الفصل الخامس استعرض التدخلات الإيرانية في المنطقة ومثَّل بنماذج مثل: إيران والسعودية، إيران والعراق، إيران والبحرين، وإيران ودول جوارها الشرقي والشمالي.
وتناول في الفصل السادس مواضيع مختلفة بعنوان (بيت الزجاج الإيراني)، ولكنها تصب في مادة الكتاب، عن بلوشستان والأحواز، وإقليم أذربيجان ومنظمة مجاهدي خلق، والتدخلات عبر تصريحات الزعماء.
وخصص الجعفري الفصل الأخير في الكتاب لبعض المقالات التي نشرها في الصحافة المحلية، والتي توضح مسار التدخلات في العديد من الدول، وكذلك لعبة النووي الإيراني، منها: عاصفة الحزم وتغيير الموازين، وإيران 36 عاماً من نشر الفوضى، وسوريا بين مطرقة بشار وسندان الغرب، وإيران بين النووي والطائفي، والكروت العربية في وجه الأطماع الإيرانية.
وتطرق الكتاب إلى أطماع إيران في البحرين من خلال سرد تاريخي لهذه العلاقات والمراحل التي مرت بها، والتهديدات والتدخلات المتزايدة التي ظهرت على السطح وكبرت عندما أعلن الإنجليز نيَّتهم الرحيل عن المنطقة في عام 1968، رغم أن إيران اعترفت ضمنياً بسيادة البحرين باستقبالها لسمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء البحرين في عام 1975. ولكن كما وضَّح الكاتب أن فقه التقية واحد من الممارسات التي تجيد الدولة الإيرانية اللعب عليها في سبيل إنجاز مشروعها الطائفي وحلم الإمبراطورية.
واستعرض الكتاب التدخلات الإيرانية في منطقة الخليج العربي بدعوى دعم المقاومة حيناً، ونصرة المستضعفين أحياناً، متطرقاً إلى الدور الذي لعبته (عاصفة الحزم) بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة في تغيير الموازين على الأرض.
ورصد الكاتب الجعفري في دراسته كيف يواجه السنة العسف في سبيل أداء العبادات حيث تسعى الحكومة للسيطرة على مساجد ومدارس أهل السنة وهدمها، فيما تقوم المحاكم الإيرانية بالحكم بالإعدام على أهل السنة بتهم مفبركة. وظل أهل السنة في إيران يعانون من منعهم من الحرية المذهبية والتمييز وعدم المساواة في تولي المناصب الحكومية والتوظيف الإداري، في الوقت الذي تجد فيه باقي الأقليات الدينية حرية العبادة وأداء الشعائر.
ويعتبر الكتاب جهداً توثيقياً لأطماع إيران في العديد من دول العالم الإسلامي، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان، والبحرين، والسعودية، واليمن، عبر تفكيك بنية السلطة الداخلية علاوة على الأذرع الخارجية التي تعمل بتناغم مع رأس نظام ولاية الفقيه الذي يحاول التمدد والانتشار بطرق ملتوية لنشر التشيع والتسرب عبر الأذرع التي كوَّنها لخلق المزيد من بؤر التوتر الخفية، حتى تجد نفسها على مَنَعة وقوة ذات يوم، وبذلك تخلق منظومات مثل حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن كأمثلة قائمة وقاتمة على التدخلات الإيرانية في شؤون الآخرين.
وتتسم إيران بنظام إسفنجي له القدرة على الامتصاص والانكماش والتمدد في الوقت الذي يفضله حسب مصلحته من خلال التقية التي يتستر بها التشييع، والطموح السياسي والاقتصادي الذي يعبر به المسافات أياً كان نوعها، وهذا ما وضَّحه الكاتب من خلال دراسته الكاشفة عن عمق النوايا الفارسية التي تكتنف مشروعه المهزوز، والمنطوي على شر وتصدير مزاعم الثورة الإسلامية.
ولعل التحدي الأكبر والعتبة التي لايمكن تجاوزها من أجل تحقيق طموحها الفاشل، تواجه إيران حسب الجعفري، الامتدادت الإثنية والعرقية والدينية المنتشرة على امتداد حدودها الجغرافية مع الدول، سواء بينها وبين أفغانستان وباكستان وغيرها، إضافة للمكون السني الكبير في دولة الأحواز العربية التي تحتلها إيران، وكذلك في بعض المناطق الأخرى. و شبه ذلك التحدي ببيت الزجاج الذي يمكن كسره في أية لحظة كما هو متوقع حسب المعطيات السياسية والدينية التي تحيط بهذا الملف، آجلاً أو عاجلاً.
وإيران حسب الجعفري في إصدارته تعيش واقعاً أليماً من جراء تدخلاتها العبثية والتي كبدتها خسائر فادحة لاتعوض في اقتصادها، وذلك عبر دعمها المستمر للمنظمات الإرهابية المنتشرة بشكل وبائي مما ساهم في تمزيق الكيان العراقي والسوري واليمني.
كما لعب الملف النووي الإيراني دوراً مقدَّراً في زيادة الطموح لتحقيق حلم الإمبراطورية رغم محاولات لَجْمِهِ من قبل القوى العالمية. وازدواجية الملف تلعب بالطبع دوراً مهماً في خدمة المشروع الطائفي، إذ توظِّفه القوى الغربية في دعم نفوذها، تارة بالتهديد، وأخرى بالتماهي معه من خلال الاتفاقيات التي تمت. وعلى كل حال، عرف العدوان ظاهرياً، والصديقان داخلياً: إيران والولايات المتحدة الأميركية اللعب على الحبال إلى حد الرقص والضحك على الضحايا في تبادلٍ للمصالح يندر له مثيل.
ويبقى الكتاب دراسة مهمة تلقي الضوء على الأطماع الإيرانية في المنطقة ونشرها للفتن والاضطرابات الطائفية والفوضى التي وصلت لغاية احتلال بعض المناطق، كدولة تهتم بالدفاع عن طائفة الشيعة أينما وجدت، متغاضية عن مفهوم الدولة الوطنية، ومتناسية في الوقت ذاته الطائفة السنية التي من الممكن أن يوظفها المتضررون من مشروعها التعسفي الفاسد.
كما أنها تمثل مدخلاً للمضي في المزيد من الدراسات التفصيلية عن أحلام إيران الدولة الثيوقراطية التي لاتنظر إلى الواقع بعين فاحصة، إذ تحركها الإطماع والسعي لنفوذ مشبع بروح الطائفية والقومية الفارسية وولاية الفقيه لَطالما تخدع العالم الإسلامي في الادعاء بالدفاع عنه في وجه المشروع الصهيوني والإمبريالية الغريبة.
وسيبقى الحلم مستمراً في النمو داخل أحشاء الكيان الإيراني منذ عهد الدولة الصفوية مروراً بعهد الشاه محمد رضا بهلوي وحتى عهد حكومة المرشد الأعلى الإيراني الحالية، ما لم يجابَه بالمثل وبذات السلاح، كما أشار الكاتب عبدالقادر الجعفري، صاحب كتاب (إيران.. حلم الإمبراطورية على صهوة الطائفية)، الذي وثَّق مسيرة الأطماع الإيرانية.