الخميس, 21 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون"

آراء وأقوال - أسامة شحادة | Sat, Jan 7, 2017 12:31 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

هذه هي الآية الثامنة من سورة الصف، وهي تحكى لنا قصة العداء القديم والمتجدد لنور الله عز وجل من قبل الكافرين بالله، ونور الله عز وجل تنوعت عبارات المفسرين في بيانه، ونقل الإمام القرطبي في تفسيره خمسة أقوال، هي: القرآن يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول، وأنه الإسلام يريدون دفعه بالكلام، وأنه محمد صلى الله عليه وسلم يريدون هلاكه بالأراجيف، وأنه حجج الله ودلائله يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم، وأنه مثل مضروب، أي من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلا ممتنعا فكذلك من أراد إبطال الحق. وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوما، فقال كعب بن الأشرف: يا معشر اليهود، أبشروا! فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتم أمره؛ فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية واتصل الوحي بعدها. أ.ه ويستخلص من تنوع عبارات المفسرين وأهل العلم أن نور الله عز وجل يشمل الدين والإسلام كله، وهذا العداء لنور الله عز وجل الذي بدأ بإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورفض رسالته والطعن في شخصيته صلى الله عليه وسلم والوحي والقرآن الذي نزل عليه ورفض الانصياع لشريعته. فتارة يطلقون في حقه الاتهامات الشخصية كالجنون "وقالوا يا أَيها الذي نُزل عليه الذكر إنك لمجنون" (الحجر: 6)، وتارة يصمونه بالسحر والكذب "وعجبوا أن جاءهُم منذر منهم وقال الكَافرون هذَا ساحِر كَذاب" (سورة ص: 4). وتارة ينشرون إشاعات مغرضة حول مصدر رسالته ونبوّته "إنْ هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون" (الفرقان: 4)، "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرَة وأصيلا" (الفرقان: 5)، و"إنما يعلّمه بشر" (النحل: 103). وتارة يحاولون التشويش على مضمون عقيدة التوحيد التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فأثاروا الشبهات حول قضية الإيمان والبعث بعد الموت "أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون* أوآباؤنا الأولون" (الصافات: 16-17)، "هل ندلّكم على رجل ينبّئكم إذا مُزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد" (سبأ: 7). ولما فشلت هذه الجهود الباطلة استعان كفار قريش بالخبرات الأجنبية (المتعلمين) فسألوا زعيمين من اليهود جاءا لمكة وهما حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم، فأخبرونا عنا وعن محمد، فقالوا: ما أنتم وما محمد ... أنتم خير وأهدى سبيلا، وذلك ليعزز سادة قريش موقفهم أمام أتباعهم، في صورة قديمة لما يحدث اليوم من استضافة الخبراء والمستشارين في الندوات والمؤتمرات وعلى الشاشات وفي الوظائف الخاصة! فأنزل الله تعالى قوله: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا" (النساء: 51). وتواصل العدوان اليهودي في التشكيك بالرسالة المحمدية ونور الله عز وجل في المدينة المنورة أيضاً، وقد سجل القرآن ذلك، فقال تعالى: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمِنوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" (آل عمران: 72). وفي المدينة أيضا، وبعد تكون الدولة النبوية، ظهر صنف جديد من أعداء الإسلام ونور الله عز وجل وهم المنافقون، ولخطورة هذا الصنف أنزل الله سورة كاملة فيهم، سُميت سورة "المنافقون" كانت فاتحتها قوله تعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"، وكان مركز عداوة المنافقين لنور الله عز وجل هو التخذيل والتشكيك والاستهزاء ولذلك قال الله فيهم: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون" (البقرة: 14). ولكن هذه الاتهامات والإشاعات والتشويشات والمكائد سقطت وذهبت وانتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمّت رسالته ربوع الأرض فأضاءت بها الدنيا وسعدت بها البشرية.  وبرغم ما لقيه الصحابة رضي الله عنهم من عذاب وتنكيل وقتل وحصار وتهجير حتى عبروا البحر لاجئين للحبشة، فإنهم سرعان ما انتصروا وسادوا وفتحوا مكة والجزيرة والعراق والشام ومصر وأفريقيا وآسيا حتى وصلوا الصين شرقا والمغرب الأقصى غرباً. وما أشبه الليلة بالبارحة، فاليوم تتجدد الاتهامات والإشاعات والتشويشات والمكائد بحق الإسلام والمسلمين، كما أن العذاب والتنكيل والقتل والحصار والتهجير يصب على رؤوس المستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. سجل د. خالد النملة عددا من اللطائف في قوله تعالى: "يريدون ليطفئوا" منها: البدء بالفعل المضارع: "يريدون" الذي يدل على الحدوث والتجدّد في الحاضر والمستقبل، ولم يأتِ التعبير بالفعل الماضي (أرادوا) الذي يدل في الأصل على انقضاء حدوث الفعل في الزمن الماضي. فهم يريدون بصورة متجدّدة ومتكرّرة إطفاء نور الله منذ ظهور ذلك النور إلى زمننا الحاضر، وستتجدّد معهم تلك الإرادة وتستمر ما بقي هذا النور الممتد على مدى الزمن المتتابع، وما بقيت فيهم قوة على النفخ. إنهم عبر التاريخ لم يقفوا عند حد انحرافهم الشخصي عن دين الحق، واتّباعهم شهواتهم، إنما هم كذلك يعلنون باستمرار الحرب على دين الحق، ويريدون إطفاء نور الله في الأرض. في سورة الصف قال الله تعالى "يريدون ليطفئوا"، وفي آية التوبة قال تعالى: "يريدون أن يطفئوا"، فالفعل المضارع "يطفئوا" في الآيتين منصوب بـ (أنْ) الظاهرة في الأولى، والمضمرة في الثانية، وتقديرها: يريدون لأنْ يطفئوا، وعلى هذا يكون التقدير في آية التوبة: يريدون إطفاءَ نور الله، وفي آية الصف: يريدون لإطفاءِ نور الله، وهذه لام التعليل. وفي هذا الاختلاف بين الآيتين إشارة إلى أنّهم يغايرون في إظهار غاياتهم وأهدافهم؛ ففي آية التوبة هم يريدون إطفاء نور الله صراحة وبصورة ظاهرة ومباشرة، أما آية الصف، وتقديرها: (يريدون لإطفاء نور الله)؛ فالشيء المراد فيها غير مذكور، أي أنّهم يريدون أن يصلوا إلى الإطفاء من خلال طرق غير مباشرة، ولذلك تجدهم يَظهرون بعباءات مختلفة، ويدعمون البرامج والمشروعات، ويرفعون شعارات إصلاحية في ظاهرها، لكنّها تريد في حقيقتها إطفاء نور الله، وما من شك في أنّ خطورة هؤلاء في حال الغايات المخفية أشدُّ من خطورتهم في حال التصريح بغاياتهم. أ.ه باختصار وتصرف يسير. ومن هنا فإن محاولة أعداء الإسلام إطفاء نور الله عز وجل هي محاولات مستمرة ومتكررة عبر الزمن، وما نعيشه اليوم من هجوم سافر على الإسلام بذاته والزعم بأنه دين وحشي وإرهابي وغير قابل للرقي والتحضر والديمقراطية والحرية والحداثة من قبل تيارات سياسية كغلاة المحافظين والعنصريين في الغرب من أصحاب الرؤية الثقافية، وما نشاهده ونسمعه من رجع صداهم في بيوتنا وشوارعنا عبر الفضائيات والصحف الناطقة بالعربية أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي من هجاء وطعن للدين صريح أو مضمر، لهو من محاولات إطفاء نور الله بأفواههم! ومن أعجب صور محاولة إطفاء نور الله عز وجل توافق الغلاة الدواعش مع غلاة العلمانية والمدنية من استباحة أعراض العلماء والدعاة والهجوم عليهم بغرض تحطيمهم وإقصائهم من حماية المجتمع وتبليغ نور الله عز وجل، الدواعش يخوّنون ويكفّرون العلماء والدعاة باسم التفريط بالإسلام وإباحة المحرمات وتغييب حكم الإسلام عن الأرض، وعتاولة العلمانية يخوّنون ويشوّهون العلماء بحجة تشددهم وتعنتهم وفرضهم حكم الدين جبراً على الناس!! وكلا الطرفين الدواعش والعلمانيين يقومون باتهام العلماء والإسلام بنفس التهم القديمة: مجنون، ساحر، كاذب، يخترعون دينًا من أنفسهم! ويتفوق غلاة العلمانيين على الدواعش بالمطالبة بإسقاط وإقصاء الهيئات الإسلامية الرسمية كدائرة الإفتاء بالأردن وهيئة كبار العلماء بالسعودية ومشيخة الأزهر، بالطعن فيهم واتهامهم بكل الشرور وضرورة إقصائهم عن الإعلام، وهذا ظاهر في منشورات وتصريحات شيبانهم وشبانهم في دول متعددة!   وأيضاً يمارس الدواعش والعلمانيون نفس الأساليب ضد العلماء الذين هم "ورثة الأنبياء": بالاستعانة بالخبرات الأجنبية لتبرير مزاعمهم ضد العلماء ودورهم في توعية الأمة وتوجيهها، ومحاولة اختراق صف المسلمين ثم الانكشاف عنه لتشكيك البسطاء فيهم.      ومن صور المحاولات الفاشلة لإطفاء نور الله عز وجل، ما يُتناقل في مواقع التواصل الاجتماعي من رسائل سلبية تطعن في العرب والمسلمين ووصفهم بأنهم فاشلون وعاجزون ومهزومون، وهي رسائل مشبوهة المصدر لا يستبعد أن تكون جزءا من الحرب النفسية على العرب والمسلمين، وهي مخالفة للواقع. فالعرب والمسلمون اليوم لديهم من الأذكياء والمبدعين الشيء الكثير ويشهد لهذا البرامج الإعلامية الجادة كبرنامج سباق العلوم واللقاءات الإعلامية القليلة مع الشباب العربي المخترع، والجوائز العلمية العالمية التي يحصل عليها العرب والمسلمون، وأيضاً يشهد لذلك الحرص على توطين العقول العربية والإسلامية الذكية في دول الغرب، والذي يسمى "سرقة العقول"، ويشهد لذلك إبداعات المجاهدين الأبطال في ساحات الوغى كمحمد الزواري التونسي رحمه الله.    إن هذه المحاولات المتكررة والمستمرة هي محاولات خائبة وفاشلة، "والله متمّ نوره ولو كره الكافرون"، وهي محاولات يقومون بها "بأفواههم" وتشمل أقوالا باطلة وكذبات مفضوحة ومؤامرات ومكائد لا تنفع، رغم أنها تملأ فضاء الإعلام وقاعات الفنادق بالخطابات والنقاشات وصفحات الجرائد بالمقالات والتحليلات، فهي في الحقيقة كمحاولة إطفاء الشمس بنفخة! ولذلك فبرغم كل النظريات والفرضيات الألسنية والتأويلية والما بعد حداثية، فلم يتوقف مد الإسلام وسريان نوره في العالم، فالمسلمون يقبلون على تعلم الدين بعيدا عن كل هذه المناهج الدخيلة والمحرفة للدين، وأيضاً يتزايد إقبال شعوب الأرض على الدخول في الإسلام برغم كل محاولات الأعداء إطفاء نور الله بأفواههم. كما أن العدوان البربري على المسلمين في أقطار الأرض لم يزد المسلمين إلا التمسك بالإسلام أكثر، وأصبح شعارهم (ما لنا غيرك يا الله)، كما أن هذه الجرائم كشفت الأعداء الحاقدين، وصدق الإمام الشافعي حين قال: جزى الله الشدائد كل خيرٍ         وإن كانت تغصصني بريقي وما شكري لها إلا لأني             عرفت بها عدوي من صديقي فهذه الشدائد كشفت أعداء الداخل والخارج، ممن كانوا يرفعون شعارات الوحدة الإسلامية والمقاومة والممانعة أو يرفعون شعارات الجهاد وتحكيم الشريعة، أو شعارات الحرية والديمقراطية والتعددية، أو شعارات العولمة والشرعية الدولية. وكشفت هذه الشدائد عن مظاهر القوة الكامنة في الأمة الإسلامية، فظهرت وحدتها وتكاتفها في الدعاء والبذل والعطاء والاهتمام والمتابعة، وظهرت صلابة شبابها حين تشرق قلوبهم بنور الله، وقد تجلى ذلك بانكسار جيوش العدوان رغم ضخامتها عن اقتحام حلب وأخواتها إلا بالتدمير التام لها، وظهرت في النماذج الفريدة في الفداء والتضحية التي قدمها الكثير من الأبطال، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، بالصمود على الدين والتمسك بالحرية والكرامة ولو قتلوا من المجرمين، فالله متمّ نوره والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت