مقدمة
نشرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية تقريراً تفصيلياً حول مدى استفادة الحرس الثوري الإيراني من الاتفاق النووي الأخير الذي عقدته إيران مع الدول الغربية. وألمح التقرير إلى زيادة الاهتمام الأمريكي بالحرس الثوري الإيراني بعد زيادة معدل تدخلات مقاتلي الفيلق واشتباكهم مع جنود أمريكيين، كان آخرها حادثة مضايقة زوارق إيرانية لسفن بحرية أمريكية في المياه الدولية قرب مضيق هرمز، وهي الحادثة التي وقعت في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الماضي.
ويزداد الاهتمام بقوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني على إثر مشاركاتها الأخيرة الفاعلة في حلب، حيث ساهمت –رفقة حلفائها من الميليشيات الطائفية- في حصار ثاني أكبر مدينة سورية، علاوة على ذلك يمتلك الحرس الثوري الإيراني علاقة قوية بميليشيا الحشد الشعبي العراقية، وهي التي تنشط كثيراً في العراق في الفترة الأخيرة.
ويعد التقرير رصداً لحقيقة تواجد الحرس الثوري الإيراني وتأثيره في هيكلية الدولة الإيرانية الرسمية بالإضافة إلى سيطرته على قطاعات معينة من الاقتصاد. فيذكر التقرير أن الحرس الثوري يسيطر على ما يزيد من 50% من وزارة التجارة والصناعة عدا عن استحواذه على جل أسهم شركة الاتصالات الإيرانية، هذا عدا عن سيطرته على مفاصل الأمن الداخلي وإسهامه في التدخلات الخارجية الإيرانية وتحكمه في كثير من المشاريع الاستثمارية التابعة للشركات العملاقة في إيران.
يعود إنشاء الحرس الثوري الإيراني إلى العام 1979، حيث هدف مؤسسوه إلى تعزيز مكتسبات الثورة الإيرانية ومحاربة أعدائها. وخلال السنوات الماضية، شهدت مسيرة الحرس الثوري تطوراً كبيراً إذ ألحق بالجيش التقليدي وتم توجيهه للإسهام في النشاطات الخارجية الإيرانية.
يعمل الحرس الثوري ككيان مستقل محافظاً على قوة اقتصادية كبيرة، ويسعى دوماً لتعيين أعضائه في مواقع السلطة مستغلاً نفوذه الاقتصادي المتنامي والإيرادات التي يحصل عليها من الأنشطة الاقتصادية في منظومة متكاملة تدمج بين النفوذ السياسي والسلطة الاقتصادية وتضعهما في خدمة بعضهما البعض.
وبشكل عام، تخدم ثروة الحرس الثوري الإيراني ثلاثة أهداف مهمة له، أولاً: يعمل على توليد إيرادات لتمويل الأنشطة العسكرية للحرس الثوري – بما في ذلك برامج الصواريخ النووية البالستية في إيران ورعاية الإرهاب في الخارج. ثانياً، يقدم الحرس الثوري للنظام الإيراني شبكة من الشركات والمؤسسات والبنوك والمكاتب والسندات التي تمكنه من إنشاء مشاريع مشتركة يمكن من خلالها تنفيذ الحصول على المشتريات المتقدمة من الأسلحة والتكنولوجيا الحساسة. ثالثاً، تساهم الثروة هذه في توليد الثراء الشخصي الذي يعزز من النفوذ السياسي. وهكذا، أصبح الحرس الثوري ذا نفوذ كبير في إيران دفع من خلاله الشركات العاملة لطلب مساعدته من أجل الحصول على التقنيات الممنوعة –سابقاً- والمواد الخام بالإضافة إلى تمويل المشتريات من خلال وسطاء الأسواق الخارجية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن منظمة الشفافية الدولية تضع إيران في المرتبة 130 من أصل 168، ويرتبط هذا التصنيف كثيراً بمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي يمر معظمها عبر الحرس الثوري الإيراني. وهكذا، فإن مكاسب إيران من الصفقة النووية – وتحديداً الاقتصادية منها- ستمر حتماً عبر الحرس الثوري الإيراني وهو ما يتطلب من الجهات الراعية للمبادرة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع إثراء أخطر عناصر النظام الإيراني.
في فهم الاتفاق النووي – لمحة سريعة
في يوليو 2015، توصلت مجموعة 5+1 إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي تم بموجبه رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران. لاحقاً، اعتمد مجلس الأمن الاتفاق عبر إصداره قرار رقم 2231 والذي تم بموجبه حل جميع القرارات السابقة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
ووفق الاتفاق، فقد تم تحديد يوم 16 يناير 2016 على أنه اليوم الذي يتم فيه بدء تطبيق الاتفاق النووي حيث تحقق فيه إيران المعايير الأولية المطلوبة منها. لاحقاً وعلى فترات تتراوح بين خمس سنوات و15 سنة، سيتم رفع العقوبات والقيود المفروضة على إيران في مقابل أن تقضي إيران على جميع أنشطتها النووية.
يستخدم هذا التقرير مصطلحات زمنية يجدر الإشارة لها هنا:
يوم التبني (18 أكتوبر 2015): يعود هذا التاريخ إلى اليوم الذي بدأت فيه إيران بتنفيذ التزاماتها النووية. في المقابل، أصدرت مجموعة 5+1 تعليماتها ببدء تعليق العقوبات.
يوم التنفيذ (16 يناير 2016): بعد أن تأكدت الوكالة الدولية للطاقة النووية من إكمال إيران التزاماتها النووية، قامت كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بإعلان تعليق عقوبات معينة.
يوم الانتقال (18 أكتوبر 2023): بعد ثمانية سنوات من يوم التبني، أو عندما تصل الوكالة إلى الاستنتاج بأن أنشطة إيران النووية –السرية والمعلنة- تم توقيفها تماماً، بالإضافة إلى أن جميع الأنشطة النووية الحالية تأتي ضمن الإطار الطبيعي المسموح، حينها تعلن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة رفع العقوبات عن إيران.
تكتل خاتم الأنبياء: تكتل للشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني، يعد من أكبر الجهات المسيطرة في الاقتصاد الإيراني في مجالات الإنشاء والطاقة وغيرها.
لمحة تاريخية عن دور الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني
بناءً على طلب من المقبور الخميني، تم تأسيس فيلق الحرس الثوري الإيراني عام 1979 باعتباره الميليشيا المكلفة بتعزيز قبضة الرؤية الدينية في إيران. وخلال الحرب بين العراق وإيران التي امتدت بين أعوام 1980 و1988 والذي تحول خلالها الحرس الثوري إلى ميليشيا عقائدية موازية للجيش الإيراني، وخلال هذه الفترة انتقلت إيران إلى سياسة تصدير الثورة إلى الخارج وأصبح الحرس الثوري أداة رئيسية في تنفيذ هذه السياسة.
ومنذ العام 1989 عندما نجح آية الله علي خامنئي في خلافة الخميني بعد وفاته، قام باحتضان الحرس الثوري وتوسعة نفوذه لدعم ونشر أيديولوجية إيران حول العام، وجاء التوسع هذا بعد إسهامات الحرس الثوري الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية وزيادة نفوذه في الدوائر الحكومية الإيرانية على إثرها.
بعد نهاية الحرب، دعا الرئيس الإيراني هاشم رفسنجاني الحرس الثوري للعب دور أكبر في إعادة إعمار البلاد، فإيران خرجت منهكة من حرب طويلة تخللتها فترات من تراجع أسعار النفط، عدا عن التكلفة الكبيرة للحرب والدمار الذي حل بالمدن الإيرانية. ولهذا ركز رفسنجاني على إعطاء الانتعاش الاقتصادي صدارة اهتماماته خلال حكمه.
وتنقل التقارير أن الرئيس الإيراني حينها طلب من الحكومة أن لا تعتمد على الميزانية التي يوافق عليها البرلمان الإيراني، وبدلاً من ذلك دعا الحكومة إلى تمويل نفسها عبر الشركات المملوكة من الدولة. وبالمثل، تشعب الحرس الثوري داخل الاقتصاد لضمان مصادر تمويل العمليات العسكرية والخارجية بشكل مستقل عن الميزانية المعتمدة من البرلمان. واليوم، يمثل هذا الانخراط المباشر في الاقتصاد الإيراني تكاملاً عالياً يتيح للحرس الثوري الإيراني توفير مصادر دخل عالية بعيدة عن البرلمان الإيراني.
عندما بدأ رفسنجاني فترة ولايته، كان إسهام الحرس الثوري الإيراني في الاقتصاد محدوداً بعض الشيء، ولكن بحلول العام 1997 – وقت ترك منصبه- أصبح الحرس الثوري أحد أهم اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد الإيراني. وعلى مدى العقد التالي من رئاسة رفسنجاني، انخرط الحرس الثوري في الصناعات الغذائية والصناعات التحويلية والاتصالات السلكية واللاسلكية وفي الآونة الأخيرة اخترقت قطاع الطاقة.
والآن، بات الحرس الثوري مشاركاً في جميع مراحل سلسلة إمدادات النفط، بل إنه بات مساهماً في 13 شركة بارزة في مجال الخدمات اللوجستية وقطاعات الطاقة والنقل البحري وخدمات الموانئ الواقعة ضمن اختصاصها. وتدريجياً، سيطر الحرس الثوري على مطار طهران الجديد عام 2004، لكن قوات الحرس الثوري اضطرت حينها إلى إغلاق المدرج وحظر الطيران مدعية أن الشركة المسيرة للمطار “كونسورتيوم ترك” كانت شركة صهيونية.
أثبت الحرس الثوري سلطة عالية إثر تدخله في حادثة المطار هذه، وصار من الآن فصاعداً قادراً على رفض أي مشروع ضخم في البلاد وفق معاييره الخاصة. وفي مايو 2005 أصدر الخميني قراراً بخصخصة 25% من القطاعات المملوكة للدولة خلال السنوات الخمسة اللاحقة. وكان من ضمن هذه القطاعات صناعة النفط والغاز والمناجم والتجارة الخارجية بالإضافة إلى قطاع البنوك والخدمات البريدية والشحن والطيران والسكك الحديدية. وبدلاً من أن يستفيد القطاع الخاص من هذه التحولات، ذهبت جل الفوائد إلى الحرس الثوري، وبالتالي انتقلت ملكية هذه الشركات إلى منظمة حكومية عوضاً عن تحويلها نحو الخصخصة الحقيقية وهو ما أدى إلى زيادة تغلغل الحرس الثوري في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الإيراني.
وفي فبراير 2014، صدر مرسوم خاص بسياسات اقتصاد المقاومة، والذي ضم 24 توجيهاً مختلفاً تركز على تحويل الاقتصاد الإيراني القائم على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وركزت المذكرة على قطاع تكنولوجيا المعلومات في إيران وزيادة صادرات الطاقة.
وعلى الرغم من أن اقتصاد المقاومة لا يرادف الاكتفاء الذاتي، إلا أنه يعكس القلق حول الانفتاح على الاستثمار الأجنبي والتجارة خاصة مع الغرب – بالمقارنة مع روسيا والصين، حيث اعتبرت المذكرة أن الانفتاح على الغرب يترك إيران عرضة للضغوط الغربية.
ويركز اقتصاد المقاومة على عزل الاقتصاد الإيراني عن العقوبات والضغوطات الأخرى، في الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية الثورية. وهكذا، فإن إيران حتى وهي ترحب بإقامة علاقات تجارية استراتيجية و دعوة رؤوس الأموال الأجنبية والاستثمارات التكنولوجية لتعزيز قدرات التصدير الإيرانية، فإنها تخضع كل هذه التطورات في نهاية المطاف لمقياس الأمن القومي الإيراني وأهداف السياسة الخارجية، وهنا يبرز دور الحرس الثوري الإيراني في عمله كضامن أساسي –وفاحص- لتحقيق هذه الأهداف.
وهنا أشار التقرير إلى حالة شركة صدرا المتخصصة ببناء وإصلاح السفن والتي مرت بسلسلة من التحولات في القيمة السوقية وصولاً إلى أن تمكن الحرس الثوري من الاستيلاء عليها كاملاً في عام 2009، وتشير التقارير الواردة إلى حالة من التلاعب والحرمان بحق هذه الشركة وهو ما جعل مجلس إدارتها مضطراً لبيعها إلى الحرس الثوري الذي قام بإحياء الشركة عبر علاقاته مع الدولة الإيرانية وصولاً إلى تخصيص عقوبات اقتصادية لهذه الشركة في عام 2012 على اعتبار انها كيان مملوك للحرس الثوري الإيراني.
تفشي سيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني
يعتقد الكثير من الخبراء أن الحرس الثوري الإيراني يسيطر على ما يتراوح ما بين 20% و40% من الاقتصاد الإيراني بالإضافة إلى 22% من الدخل السنوي الإيراني. ويسيطر الحرس الثوري الإيراني على الكثير من القطاعات المالية والتجارية الإيرانية والمصالح الاقتصادية الضخمة في الإنتاج الدفاعي والإنشاءات والصناعات النفطية، وهو ما يتيح للحرس الثوري السيطرة على مليارات الدولارات في مجال الأعمال التجارية للشركات وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية.
وخلال التقرير، برز تحديد 229 شركة على الأقل يمتلك الحرس الثوري فيها نفوذاً كبيراً إما عن طريق أسهم أو حقوق ملكية أو عبر مناصب في المجالس الإدارية الخاصة بها – هذه الشركات لم تخضع لأي عقوبات من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، لم تفرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات إلا على 25 فرداً من الحرس الثوري و25 مؤسسة أكاديمية فقط من التي يسيطر عليها الحرس الثوري. أما الاتحاد الأوروبي فقد أدرج 25 كياناً مقرباً من الحرس الثوري – على لائحة عقوباته- بالإضافة إلى 29 شخصية مرتبطة ببرنامج الصواريخ البالستية و17 مسؤولاً من الحرس الثوري متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان.
وأورد التقرير هنا مثالاً عن حالة بورصة طهران المالية، حيث أشار إلى تلاشي تفوق الحكومة بعد أن خضعت البورصة لقوانين الخصخصة، ولم يكن مستغرباً أن يحل الحرس الثوري والمراجع الدينية محل الحكومة في السيطرة على البورصة، ويحتل صدارة المشترين الرئيسيين. وينشط الحرس الثوري في سوق الأوراق المالية في مجال الصناعات الكبيرة مثل التعدين والبتروكيماويات والاتصالات السلكية واللاسلكية وصناعة السيارات. وتشمل المحفظة الاستثمارية للحرس الثوري أيضاً أسهم 12 شركة مدرجة في البورصة، هذا عدا عن حصص ملكية كبيرة في 13 شركة مساهمة عامة. وتبلغ قيمة هذه الشركات ما يصل إلى 17 مليار دولار، وكثير من قادة الحرس الثوري الواردة أسماؤهم في قوائم العقوبات يحظون بمقاعد في المجالس الإدارية لهذه الشركات.
استهدفت عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية شركات إيرانية كالخطوط الجوية الإيرانية بتهمة توفيرها للدعم اللوجستي والمالي للحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى شركة تعرف “بأفق الصابرين” والتي توصف بأنها الكيان الحربي الإلكتروني التابع للحرس الثوري. هذه الشركة تحديداً تعرضت لعقوبات من قبل الولايات المتحدة بتهم مثل “تقييد الوصول إلى المطبوعات أو حظر بث وسائل الإعلام”.
ومع اتساع سيطرة الحرس الثوري الإيراني على الشركات العاملة في إيران، فإنه وبلا شك سيكون الطرف الأكثر استفادة من “الحزمة التحفيزية” للاقتصاد الإيراني، والتي تنص على عدم معاقبة أي شركة أو مؤسسة لم تفرض عليها عقوبات خاصة من قبل. وهذا سيؤدي بشكل أو بآخر إلى استفادة الحرس الثوري الذي يبسط سيطرته على مفاصل كثيرة في الاقتصاد الإيراني ويسيطر على العديد من الشركات العاملة هناك، وهو ما يتطلب – وفق التقرير- زيادة تحقيق وانتباه من قبل الدول العظمى لمنع تسرب الفوائد للحرس الثوري وما يتبعه من شركات ومنشآت اقتصادية.
ويذكر أنه في يوم التنفيذ،16 يناير 2016، تم رفع عقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التي فرضت على قطاعات مثل التكنولوجيا وصناعة السيارات والبتروكيماويات والشحن والمعادن الثمينة، وهي القطاعات التي تتبع بشكل شبه كامل للحرس الثوري الإيراني ويسيطر عليها تقريباً. هذا عدا عن إزالة العقوبات عن العديد من الشركات والكيانات الاقتصادية التي عوقبت بسبب البرنامج النووي او برنامج الصواريخ البالستية او دعم نظام بشار الأسد عبر الحرس الثوري.
ولعل ما يعيب الاتفاق النووي أنه لم يقدم ما يضمن ألا تعود هذه الكيانات التي تعرضت للعقوبات إلى الأفعال التي أدت بها سابقاً نحو العقوبة. هذا بالإضافة إلى أن رفع الحظر عن وصول التكنولوجيا الحديثة إلى إيران يشكل تحدياً في منع امتلاك الحرس الثوري لهذه التكنولوجيا وهو ما سيساهم في دعم قدرات طهران العسكرية وبالتأكيد حلفائها أو من تدعمهم.
تحليل تفصيلي لقطاعات الاقتصاد الإيراني
مع بدء تطبيق الاتفاق النووي مع إيران تم رفع العقوبات عن قطاعات استراتيجية من الاقتصاد الايراني. ووفق دراسة المعهد هنا فإن الحرس الثوري يملك الحصة الساحقة من هذه القطاعات، هذا عدا عن أن القطاعات التي تم رفع العقوبات عنها تصل إلى ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي الإيراني. وبشكل أو بآخر فإن تطور هذه القطاعات سيساهم في تطوير القدرات العسكرية الإيرانية وخاصة تطوير منظومة الصواريخ البالستية الإيرانية. ومن خلال الجدول المرفق يظهر نصيب كل قطاع في مجمل الناتج المحلي الإيراني وفق احصائيات البنك المركزي الإيراني بين أعوام 2006 و2012، ومن خلال هذه الأرقام يمكننا ملاحظة مدى الفائدة التي ستعم على الاقتصاد الإيراني في إطار خطوات رفع العقوبات الدولية.
الجدول أدناه يوضح نسبة إسهام كل قطاع في الناتج المحلي الإجمالي الإيراني:
قطاع النفط والغاز
تملك الشركات المتصلة بالحرس الثوري عقوداً هامة في جميع مفاصل قطاع الطاقة، وبكل تأكيد ستحظى هذه الشركات بامتيازات وتمويل أجنبي بمجرد عودة ضخ الأموال الأجنبية لهذا القطاع. فعلى سبيل المثال، تملك شركة النفط الوطنية حقل نفط “ياران” في الجنوب الإيراني. ووفق شركة تطوير هندسة النفط الإيرانية من المتوقع أن يبدأ الحقل بإنتاج النفط مع نهاية العام 2016 بطاقة تصل إلى 50 ألف برميل نفط يومياً. ووفقاً لوكالة أنباء فارس فإن الشركة الوطنية الإيرانية للحفر هي المسؤولة عن تجهيز الحقل – ترتبط هذه الشركة بعلاقة قوية مع نفط كار وشركة خاتم الأنبياء. وتصنف “خاتم الأنبياء” على أنها الواجهة الأضخم التي يعمل الحرس الثوري من خلالها، وما يزال اسمها على قوائم العقوبات حتى اللحظة. وهنا يشير التقرير إلى أهمية تأكد الشركات الأجنبية من عدم ارتباط شركات “الواجهة” الإيرانية بشركات أخرى تخضع لعقوبات مختلفة او مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وهو ما يعرض سمعة الشركات الغربية للخطر.
قطاع البتروكيماويات
يعد قطاع البتروكيماويات صاحب الحصة الأكبر في الدخل الإيراني. ولأن معظم شركات هذا القطاع تملك أسهماً في البورصة الإيرانية وخضعت للتداول العام، فإن الحرس الثوري يملك أسهماً وحصصاً كبيرة فيها. ووفق التقرير فإن الحرس الثوري يملك حصصاً في الشركات التالية (إن لم يملكها بشكل كامل):
كرمنشاه للصناعات البتروكيميائية (القيمة السوقية 280 مليون دولار).
شركة بتروكيماويات برديس (القيمة السوقية 1.4 مليار دولار).
شركة النفط والغاز الفارسية (القيمة السوقية 2.5 مليار دولار).
شركة شيراز للبتروكيماويات (القيمة السوقية 343 مليون دولار).
ولا يخفى على أي متابع مدى الترابط الحساس بين الصناعات الكيميائية والبتروكيميائية وصناعة المواد التفجيرية، عدا عن دخولها في تركيب المواد اللازمة للصواريخ البالستية. وهكذا، يمكن استخدام مجال صناعة البتروكيماويات كغطاء لصناعة وقود الصواريخ البالستية. يذكر أنه في عام 2010، أشار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى أن معدات العمليات الكيميائية والمواد المطلوبة لصناع البتروكيماويات تملك الكثير من القواسم المشتركة مع تلك المطلوبة لبعض أنشطة دورة الوقود النووي الحساسة.
ومع إعلان نوفمبر 2013 المتعلق بالاتفاق المؤقت حينها، فقد تم تعليق العقوبات على هذا القطاع، وارتفعت الصادرات بنسبة 32% لتصل إلى 3.17 مليار دولار. وشملت قائمة الشركات المعفى عنها حينها قرابة14 شركة، والآن مع رفع العقوبات عن كامل القطاع يتوقع أن تدخل في هذا الإطار شركات بتروكيماوية تابعة للحرس الثوري الإيراني.
قطاع المعادن والتعدين
يساهم قطاع المعادن والتعدين “باستثناء موارد الإنشاءات والمرافق” بما يتراوح بين 10% و 15% من الناتج المحلي الإيراني. هذا عدا عن إسهام القطاع بشكل أساسي في منظومة الصواريخ البالستية الإيرانية. ووفقاً للمنظمة المساعدة الفنية الاقتصادية والاستثمارية فإن إيران تملك أكبر احتياطي من الزنك في العالم وثاني أكبر احتياطي من النحاس أيضاً، وتساهم هذه العناصر في صناعة مخفض رؤية الصواريخ الذي يعمل على منع كشفها أو اعتراضها.
وتعد شركة إيران لتنمية مناجم الزنك المالك الرئيسي وأكبر منتج للزنك في إيران، وتصل قيمتها السوقية إلى 112 مليون دولار وتسيطر على جزء مهم من الأنشطة الاستخراجية في إيران، ولا يخفى على أحد أن الحرس الثوري الإيراني يملك حصصاً كبيرة في هذه الشركة.
أما أكبر شركة منتجة للألمنيوم في إيران فيسيطر الحرس الثوري على 20% من أسهمها، وكانت شركة ” اقتصاد مهر” قد تعرضت لعقوبات أمريكية في يونيو 2011 على اعتبار أنها شركة تابعة لبنك “مهر”- وهو البنك الذي يتورط بتقديم ونشر مساعدات مالية ضخمة للحرس الثوري. يذكر أن شركة “اقتصاد مهر” تعمل تحت أكثر من اسم بشكل كامل أو تشاركي خاصة في مجالات الحديد الصلب والزنك وغيرها.
وأورد التقرير مثالاً على ما قام به تكتل “خاتم الأنبياء” واجهة الحرس الثوري الاقتصادية، حيث عمل على التصدي لحملات الرئيس الإيراني روحاني للحصول على تمويل من الشركات الأجنبية بقيمة 200 مليار دولار لإنعاش القطاع النفطي، وأصر حينها – ديسمبر 2015- عبدالله على عدم حاجة قطاع النفط لتمويل المصادر الأجنبية في محاولة لاحتكار السوق لشركاته والحد من تغول الشركات الأجنبية، هذا بالإضافة إلى ضمان تعامل أي شركة أجنبية مع الشركات المقربة من الحرس الثوري – في مجال النفط- وهو ما يعني حتمية التعاون التكنولوجي بين الشركات الإيرانية – المرتبطة بالحرس الثوري- والشركات الأجنبية المختلفة – قد يحمل الأمر عواقب قانونية على الأطر الأجنبية في حال ما خالفت إيران الاتفاق.
قطاع المحركات والسيارات
وكما هو الحال في باقي القطاعات يملك الحرس الثوري سيطرة كبيرة على قطاع السيارات عبر امتلاكه لشركات السيارات المدرجة في سوق طهران للأوراق المالية، ومؤخراً باع الحرس الثوري حصصه في شركة “بهمن”- ثالث أكبر شركة في إيران- في يونيو 2016. وجاء ذلك بعد أن تم تهديد الشركة بعدم امكانياتها توقيع عقود مع شركات أجنبية في حال ما استمر الحرس الثوري بملكية أسهمها.
ومع ذلك أشار التقرير إلى ضرورة توخي الشركات الأجنبية الحذر حال تعاملها مع الشركة، خاصة وأن الحرس الثوري يلجأ كثيراً إلى استخدام شركات وهمية تغطي نشاطاته الاقتصادية الحقيقية.
وكان الحظر قد شمل هذا القطاع بعد اتهامات للحرس الثوري باستخدام مبيعات هذه الشركات وما تستورده في سبيل تطوير برنامج الصواريخ البالستية والصناعات النووية وتشمل هذه الصناعات الليزر والألياف الضوئية واللحام الصناعي وأنظمة الإرسال وآلات تشكيل ولف الألياف المستخدمة لإنتاج أوعية الضغط وبطاريات الشحن.
قطاع الشحن
بشكل واضح يدير الحرس الثوري قطاع الشحن في إيران. حيث يسيطر على معظم الموانئ التجارية الإيرانية بالإضافة إلى أكبر شركات الشحن وشركات الطيران المستخدمة لنقل أفراد الجيش والمعدات والأفراد. وهكذا، يدير الحرس الثوري أنشطة اقتصادية عديدة من خلال المطارات والموانئ بما في ذلك المطار الدولي وشركات الطيران وغيرها.
ويعد ميناء “تايد ووتر ميدل إيست” أكبر موانئ إيران، ووفق وزارة الخزانة الأمريكية فإن هذا الميناء يوفر دخلاً كبيراً يصب في جيوب الحرس الثوري. وساهمت شركات الشحن الإيرانية في لعب دور حاسم في تقديم شحنات الأسلحة الإيرانية لكل من حماس وحزب الله، وبعضها ما زال محجوزاً حتى اللحظة في المياه الدولية.
ورغم دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، إلا أن العديد من شركات الشحن الإيرانية ما زالت تحت العقوبات الأوروبية أو الأمريكية، ولكن رفع العقوبات المرتقب عن هذه الشركات سيساهم بشكل كبير في إثراء الحرس الثوري مجدداً وتمكينه من استعادة نشاطاته الخارجية بفعالية أكبر.
قطاع الطيران
سبق أن قامت الولايات المتحدة سابقاً بوضع بعض الشركات الإيرانية في مجال الطيران على قائمة العقوبات بسبب الدعم الذي تقدمه – أو علاقتها- مع الحرس الثوري الإيراني، فعلى سبيل المثال تم معاقبة شركة “أبان” للطيران في مايو 2013 بحجة تقديم دعم غير مشروع للحرس الثوري الإيراني ونقل أسلحة للمنظمات المرتبطة به – نقلت أسلحة لسوريا ابتداءً من العام 2006. هذا بالإضافة إلى إسهام هذه الشركات في نقل أسلحة لمناطق العراق المشتعلة.
واستفادت كثيراً شركات الطيران من التباين في العقوبات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فشركة مثل “ياس للطيران” تخضع للعقوبات الأمريكية لكنها لا تخضع لعقوبات أوروبية، وتورطت الشركة بنقل أسلحة إلى سوريا. ووفق المتاح من بيانات الرحلات الجوية، فقد شهدت الفترة الممتدة ما بين 13 سبتمبر 2015 و14 سبتمبر 2016 ما يزيد على 194 رحلة جوية إلى سوريا على الأقل انطلاقاً من مطار ماهان، هبطت معظمها في دمشق. يذكر أن شركة “ماهان” أدرج اسمها في قوائم العقوبات الأمريكية لكنها لم تخضع لأي عقوبة أوروبية وهو ما يعني استمرار قدرتها على العمل مع 12 وجهة أوروبية مختلفة.
ووفق مقتضيات يوم التنفيذ، فقد تم السماح ببيع قطع غيار وخدمات لقطاع الطيران الإيراني وهو ما يعني إمكانية قيام هذه الشركات بتحديث أساطيلها القديمة وتطويرها، وفعلياً، أعلنت الخطوط الجوية الإيرانية عن اتفاق مبدئي مع شركة ايرباص لشراء 118 طائرة بالإضافة إلى اتفاق مبدئي آخر مع بوينغ لشراء 80 طائرة أخرى، هذا بالإضافة إلى أعداد أخرى من الاتفاقات مع شركات مختلفة.
قطاع الإنشاءات
يعد تكتل “خاتم الأنبياء” والتابع للحرس الثوري الإيراني أكبر شركة بناء في إيران وقد تكون الأضخم في إيران. تملك من الموظفين ما يصل إلى 135 ألف موظف ومتعاقدة مع أكثر من 5000 شركة فرعية. وتقدم خدمات كثيرة في مجالات البناء والهندسة والدفاع والطاقة والمجال النووي وغيره. تقدر قيمة عقودها حالياً بـ50 مليار دولار وهو ما يوازي 12% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني. وتسيطر الشركة حالياً على مشاريع بناء الطرق والبناء البحري وأنابيب النفط والغاز وأنظمة المياه. ومن بين مشاريعها يوجد 51 عقداً مع وزارة النفط تقدر قيمتها بأكثر من 17 مليار دولار. هذا عدا عن سد بختاري المقرر أن يكون الأطول في العالم والذي تصل تكلفته إلى ملياري دولار. بالإضافة إلى كل هذا تمتلك الشركة عقود خط أنابيب الغاز الطبيعي الممتد من بوشهر إلى سيستان بلوشستان وتصل قيمته إلى 1.3 مليار دولار.
وفي أعقاب انسحاب الشركات الأجنبية بعد فرض العقوبات الدولية، سيطر التكتل على عمليات تطوير حقل غاز فارس الجنوبي. هذا عدا عن مشاريع السكك الحديدية وتوسيع الموانئ وتحسين الطرق السريعة والقطارات السريعة.
وتمتاز معظم مشاريع التكتل بكونها تجارية، لكنها تملك أبعاداً وتطبيقات عسكرية مختلفة. ففي عام 2008، قال نائب مدير التكتل “عبد الرضا عبدزاده” أن حوالي 80% من عمل الشركة كانت مرتبطاً بالجوانب العسكرية. فعلى سبيل المثال، برنامج تطوير الصواريخ البالستية يتطلب بناء مرافق الاختبار والإنتاج فوق الأرض، ومناطق التخزين تحت الأرض ومنصات الإطلاق أيضاً. وفي أكتوبر 2015 كشف الحرس الثوري عن موقعي تخزين تحت الأرض للصواريخ البالستية.
قد يكون صحيحاً أن إيران لن تستخدم الأموال المجمدة التي سيفرج عنها ضمن الاتفاق في دعم الإرهابيين بشكل مباشر، إلا أنها بكل تأكيد تستخدمها في تمويل مشاريع مختلفة ستعود بالفائدة على الحرس الثوري والذي بدوره سيقدم الدعم والتمويل للإرهاب.
القطاع البنكي والمالي
على مدار العقد الماضي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ستة بنوك إيرانية بسبب علاقتها مع الحرس الثوري الإيراني وهي بنوك: الأنصار، مهر، ملي، العريان، كارجوشي وبنك المستقبل. حيث تم إنشاء البنكين الأولين من قبل الحرس الثوري الإيراني لتوفير الخدمات لموظفيه والقوات شبه العسكرية وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية. في حين تم إجراء تحويلات بنكية عبرها لتغطي تحويلات الحرس الثوري.
وفي يوم التنفيذ، تم شطب العقوبات عن بنكين من هذه البنوك. وبقيت بعض البنوك الأخرى ضمن لائحة العقوبات، وينتظر أن يتم رفع العقوبات عنها خلال الفترة المقبلة سواء العقوبات الأوروبية او الأمريكية. ويؤكد التقرير على ضرورة التمييز بين البنوك المرتبطة بالحرس الثوري والأخرى غير المرتبطة به والتأكد من عدم قيامها بأي عمولات مشبوهة لصالح الحرس الثوري، بالإضافة إلى المعاملات المالية الأخرى التي تحتوي قدراً معيناً من التضليل.
وتكمن الخطورة أيضاً في احتمال قدرة هذه الشركات على استثمار الأموال في الخارج ضمن غطاءات معينة وهو ما يعقد مسألة تعقبها أو مراجعتها مجدداً خاصة وأن الحرس الثوري يوفر شبكة معقدة من الكيانات المالية المختلفة المتورطة بأنشطته كغسل الأموال وغيرها.
قطاع الاتصالات
يسيطر الحرس الثوري على أكبر شركة للاتصالات في إيران “شركة الاتصالات الإيرانية TCI”. وبشكل عام، فإن المشغلين الثلاثة للاتصالات في إيران يرتبطون بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرس الثوري وفقاً لتقرير “المونيتور” في أغسطس 2013.
وكانت العقوبات الأمريكية قد جاءت في إطار معاقبة الشركات المرتبطة بالحرس الثوري، بحيث شملت العقوبات الشركات التي تعمل أو تساند أو توفر التكنولوجيا التي تعطل أو تساعد أو تمكن من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحكومة الإيرانية.
وبشكل واضح، فإن دعم قطاع الاتصالات سيؤدي إلى زيادة قدرة الرقابة التي تملكها الدولة الإيرانية – والحرس الثوري- لمتابعة المعارضين وتعزيز ملاحقتهم وانتهاك حقوقهم بشكل مستمر.
الحرس الثوري وعلاقته بأنشطة إيران المشبوهة
يتمركز الحرس الثوري بشكل شديد وراء أنشطة إيران الداعمة للإرهاب الدولي. وفي عام 2011 وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها “هيلاري كلينتون” بأن الحرس الثوري يعمل بمثابة “المنفذ” المحلي للنظام الإيراني ولا تزال تلعب دوراً مهماً في دور الانتشار من خلال تنظيم استيراد وتوريد مواد محظورة من و إلى إيران ومشاركتها في دعم الإرهاب في مختلف أرجاء المنطقة وهو ما يتضمن على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
هذا السبب وغيره، كان عاملاً مهماً في وضع الحرس الثوري تحت سلسلة من العقوبات، حيث بدأت إيران في فرض عقوبات على الحرس الثوري عام 2007 لدوره في برامج إيران النووية وانتشار الصواريخ البالستية. بالإضافة إلى دور الحرس الثوري وفيلق القدس – قوته الخارجية- في دعم المجموعات الإرهابية.
وبعد ذلك بعامين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الحرس الثوري ومتطوعي قوة “الباسيج” من أجل الانتهاكات الشديدة لحقوق الإنسان ودورها المركزي في سحق الحركة المؤيدة للديمقراطية بعد الانتخابات الإيرانية المزورة عام 2009.
وفي عام 2012 أصدرت واشنطن أمراً تنفيذياً يجيز للأفراد والكيانات المشاركة في ذلك ضمن فئة “انتهاكات حقوق الإنسان عن طريق تكنولوجيا المعلومات” وتمت معاقبة الحرس الثوري تحت هذه السلطة لمراقبة المعارضين وفرض الرقابة على حرية التعبير.
وأخيراً، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قوة القدس وقائدها الجنرال قاسم سليماني عام 2011 بحجة دعم أجهزة الاستخبارات السورية ومساعدة نظام الأسد لسحق المعارضة الداخلية. وبعد ذلك بعامين، حذا الاتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة.
وفعلياً لم يتغير سلوك الحرس الثوري بعد الاتفاق النووي، وما زالت اختراقات الحرس الثوري وما زالت انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة في سوريا وغيرها.
الحرس الثوري وبرنامج الصواريخ البالستية الإيرانية
تعود بداية البرنامج إلى عهد الشاه، لكنه توسع بشكل كبير في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979. وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية قام الحرس الثوري ومنظمة الصناعات الجوية الإيرانية – التابعة لوزارة الدفاع٠ بتوسعة البرنامج ليشمل الصواريخ طويلة المدى. وفي أواخر التسعينات بدأ العمل على صاروخ بالستي عابر للقارات.
واليوم باتت إيران تملك أكبر مخزون من الصواريخ البالستية في الشرق الأوسط وفقاً لتقرير الحكومة الأمريكية الصادر في فبراير 2016 والمتعلق تقييم التهديد في جميع أنحاء العالم. وأشار التقرير أيضاً إلى سعي إيران إلى استخدام الصواريخ البالستية في حمل الرؤوس النووية.
ومنذ الإعلان عن الاتفاق النووي في يوليو 2015، قامت إيران بتنظيم عدد من التجارب البالستية وهو ما يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2231. وجدير بالذكر هنا أن إيران أجرت منذ العام 2010 أكثر من 140 تجربة إطلاق للصواريخ البالستية. ووفق المتابعين فإن تقنية الصواريخ البالستية تتطلب الكثير من الخبرة وعلوم الحاسوب والروبوتات. كما تتطلب أيضاً الحصول على المواد الخام والمصنعة ورأس مال ضخم.
وهكذا، فإنه من المتوقع مع رفع العقوبات عن الشركات المرتبطة بالحرس الثوري – و الإيرانية بشكل عام – فسيستفيد الحرس الثوري من التقنيات ومصادر الدخل الجديدة المتوفرة في تمويل تطويره برنامج الصواريخ البالستية وغيره من الصناعات المتعلقة به.
الحرس الثوري، قوة القدس والإرهاب في المنطقة
صنفت وزارة الخارجية الأمريكية إيران كدولة راعية للإرهاب منذ يناير 1984، وجاء ذلك بعد أن قدمت الحكومة الإيرانية فيما بعد الثورة عام 1979 دعماً وتمويلاً للعشرات من الإرهابيين الذين قاتلوا ضد مصالح حلفاء الولايات المتحدة. ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية فإن الحرس الثوري الإيراني ارتبط بشكل مباشر بالمشاركة والوقوف خلف أعنف الهجمات الإرهابية خلال العقدين الماضيين.
وفي تقييم التهديد حول العالم والذي نشر في فبراير 2016، أكد التقرير على استمرار إيران في رعاية الإرهاب وأنها ما تزال تمارس نفوذها في أزمات الشرق الأوسط مستخدمة فيلق القدس وشريكها حزب الله اللبناني والجماعات بالوكالة المنتشرة في المنطقة، هذا بالإضافة إلى علاقة إيران القوية مع الحوثيين في اليمن، حيث سبق وأن قدمت لهم معونات ضخمة.
ووفقاً للحكومة الأمريكية فإن “فيلق القدس” هو المسؤول عن تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج وهو “ذراع إيران الرئيسي لدعم الإرهاب والجماعات المسلحة” ويوفر الدعم المادي واللوجستي والتدريب والدعم المالي للمسلحين والعناصر الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وتتهم الحكومة الأمريكية فيلق القدس بتوفير “الأسلحة والتدريب والتمويل والتوجيه” للجماعات التي تستهدف الجنود الأمريكيين. وعلى الرغم من عدم امتلاك الحكومة الأمريكية سجلات تثبت أعداد القتلى الأمريكيين، إلا أن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية يؤكدون أن هذه الأعداد لا تقل عن 500 جندي أمريكي قتلوا في العراق وأفغانستان على يد ميليشيات مدعومة من إيران.
وتتهم أمريكا أيضاً فيلق القدس بالوقوف وراء التخطيط لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة عام 2011. كما تتهمها أيضاً بالتآمر لتفجير مطعم جورج تاون والسفارة الإسرائيلية في واشنطن وغيرها الكثير.
وعليه وضعت وزارة الخزانة الأمريكية فيلق القدس ضمن القوى الإرهابية، لكن الواقع يشير إلى أن دعم إيران للإرهاب يمتد إلى ما هو أبعد من فيلق القدس – يد الحرس الثوري الخارجية. وكما هو معلوم فإن الحرس الثوري يملك مقعداً في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وهو أعلى هيئة صنع قرار في إيران. وبالتالي فهو يساهم في صياغة سياسات البلاد المتعلقة بالقضايا الأمنية الداخلية والخارجية على مستوى حرج من القرارات بما في ذلك البرنامج النووي والصراعات في سوريا والعراق.
وفي شهادته أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ في سبتمبر 2015، قال وكيل وزارة الخزانة الأمريكية بالإنابة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية – آدم زوبين: “الحرس الثوري هو المنظمة الأم وتملك العديد من الشركات التابعة لها، وتشارك تقريباً في كل أفعال إيران السيئة، سواء الصواريخ البالستية أو دعم الإرهاب وتساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي وانتهاك حقوق الإنسان وبرز بشكل واضح تورط إيران والحرس الثوري في الحرب الأهلية السورية ودعم نظام الأسد منذ عام 2011.
جيش إيران الإلكتروني
تسعى إيران بشدة لبناء قدراتها في عالم الإنترنت والاتصالات. ووفق شهادة مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي في 26 فبراير 2016 فإن إيران تحتل المركز الثالث خلف كل من روسيا والصين في التحذيرات الإلكترونية الضارة. ووفق الخبراء فإن إيران استثمرت منذ العام 2010 برامج وموارد متعددة لتطوير خبرات الانترنت وأخذ الحرس الثوري زمام المبادرة في هذا المجال.
ويدير الحرس الثوري مجموعة من أمهر المخترقين في العالم الذين تمكنوا من اختراق العديد من مواقع المعارضة وقاموا بتتبعها بشكل مستمر بل تعدى الأمر إلى تمكنهم من اختراق حسابات أمريكية رسمية. ويعتقد أن الحرس الثوري كان وراء الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له شركة أرامكو السعودية عام 2012.
وهكذا فإن الحرس الثوري يملك فرصة كبيرة لتطوير قدراته في مجال الحرب الإلكترونية مع توقيع الاتفاق النووي خاصة وأن الكثير من المعدات والأموال ستصبح متاحة أكثر من السابق – عدا عن الخبرات.
توصيات
ختم التقرير بتوصيات للإدارة الأمريكية الحالية والقادمة فيما يتعلق بطبيعة التعامل مع الحرس الثوري في ظل هذه الحقائق
معاقبة الحرس الثوري بسبب تورطه بالإرهاب. طالب التقرير الجهات المعنية بوضع قائمة بالشركات او الكيانات التي ترتبط بالحرس الثوري والتي من شأنها أن تتسبب بتهديد للمواطن الأمريكي وفرض عقوبات عليها.
تصنيف الكيانات والأفراد المرتبطين بالحرس الثوري وفق قوانين منع الانتشار النووي وحقوق الإنسان.
تصنيف الشركات التي يمتلك الحرس الثوري فيها حقوق ملكية نفعية.
إنشاء قائمة لمراقبة الحرس الثوري
التأكيد على استمرار العقوبات بحق الحرس الثوري والاتجاه نحو تعزيزها.
الضغط على الحرس الثوري ومواجهته في سوريا.
استهداف الفساد وعمليات الاحتيال التي يقوم بها الحرس الثوري.
أما التوصيات للكونغرس فكانت:
المطالبة بحصول على تقارير تفصيلية محدثة عن تغلغل الحرس الثوري بالاقتصاد الإيراني.
المطالبة بالحصول على تقارير تفصيلية متعلقة بالمعاملات والمشاريع المشتركة بين الحرس الثوري والشركات القائمة.
الإعلان عن تبني الولايات المتحدة نظرة موحدة لجميع الأجسام التابعة للحرس الثوري الإيراني – بحيث يظهر أمامها كجزء واحد مسؤول عن جميع أفعال فروعه.
الإعلان عن تبني الولايات المتحدة لسياسة اعتبار أعضاء الحرس الثوري جزءً منه مدى الحياة.
المطالبة بالحصول على تقارير إضافية وتفصيلية عن نشاطات واستثمارات الحرس الثوري في آسيا وأوروبا.
مطالبة ممثلي الشركات الأمريكية برفض الدخول في محادثات اقتصادية مع الجهات المرتبطة بالحرس الثوري.
المطالبة بالحصول على تقارير تفصيلية عن دعم إيران لنظام الأسد وأنشطة الحرس الثوري في سوريا.
إدراج أسماء القادة الإيرانيين المتورطين بالفساد والأعمال المعادية لأمريكا على لائحة العقوبات.
توسيع قاعدة العقوبات المتعلقة بالاعتداء على حقوق الإنسان.