مع استمرار الاحتجاجات الشعبية في إيران ضد نظام الملالي، ودخولها شهرها الرابع بلا توقف، يبدو أن مرشد النظام علي خامنئي بات في "المربع الأخير"، وأن نهاية حكم الملالي صارت قاب قوسين، أو أدنى.
ولم يتوقف خامنئي، منذ اندلاع الاحتجاجات في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، عن الإدلاء بتصريحات أقل ما يمكن أن توصف به أنها "هيستيرية"، في ردة فعل تؤكد وصوله ونظامه إلى مرحلة اليأس، وتؤكد يقين الملالي أنفسهم بأن أيامهم في السلطة باتت معدودة.
خرج المرشد على الناس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليهدد المتظاهرين الذين واصلوا الاحتجاج بلا هوادة، مطالبًا القضاء بمعاقبتهم. وقال خامنئي، في خطاب له أمام حشد من أهالي محافظة أصفهان وسط إيران خلال استقبالهم في مكتبه بالعاصمة طهران، في حديثه عن الاحتجاجات: "حجم هذا الشر سوف يتجمع بلا شك وقريبًا ستنتهي".
وفي معرض حديثه الهيستيري، قال خامنئي: "إن مثيري الشغب وكل من يقف خلفهم، أحقر من أن يتمكنوا من إلحاق الضرر بالنظام، وسوف نقضي على شرارة الفتنة التي أشعلوها بدون أي شك".
من الترهيب إلى الترغيب
منذ بداية انتفاضة الشعب الإيراني ضد النظام، دأب علي خامنئي على تهديد المتظاهرين بمزيد من القمع، وتحدث عن قرب انتهاء الاحتجاجات، رغم ذلك، فإن الإيرانيين يواصلون الاحتجاجات للشهر الرابع على التوالي، وخلال هذا الوقت توسعت الانتفاضة الشعبية بشكل غير مسبوق.
وعاد خامنئي في خطاباته بشكل موجز إلى الاحتجاجات، مذكرًا جمهوره من أعضاء "الباسيج" بأن المتظاهرين الذين يقاتلونهم في الشوارع ليسوا سوى عملاء لـ "الغطرسة العالمية"، وحث المرشد جمهوره على فهم الكيفية التي يحاول بموجبها العدو "السيطرة على عقول" الإيرانيين لكي "يُسلّموا البلاد بكل سرور".
وادعى المرشد، أمام مناصريه، بأن "تقديم أخبار كاذبة على القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح إحدى الاستراتيجيات الرئيسية للعدو، الذي ينبغي "سحق" عملائه في الداخل الإيراني.
وعندما تبيّن له أن خطابات التهديد والوعيد لم تعد تُجدي نفعًا أمام الغضب الشعبي المتنامي، لجأ المرشد إلى أسلوب آخر في محاولة لاحتواء الاحتجاجات بأي وسيلة، ودعا إلى "إعادة بناء النظام الثقافي في البلاد".
وقال خامنئي، خلال اجتماعه مع مجلس ثقافي تابع للدولة في مطلع ديسمبر/كانون الأول: "من الضروري إحداث ثورة في البنية الثقافية للبلاد. وعلى المجلس الأعلى مراعاة ضعف الثقافة في مجالات مختلفة في البلاد".
وبعد ذلك، اتخذ المرشد موقفًا تصالحيًا تجاه المتظاهرين، الذين سبق أن وصفهم علنًا قبل نحو شهر بـ "الحقراء"، عندما قال إن "الحكومة ليس لديها نزاع مع الشباب في الشوارع".
وقال خامنئي بنبرة تصالحية مع المحتجين، في كلمة ألقاها أمام مجموعة من الطلاب في طهران: "هؤلاء أطفالنا وليس لدينا أي خلاف معهم". وأضاف "الأحداث الأخيرة كانت حربًا مختلطة، وليست مجرد أعمال شغب في الشوارع".
وجاءت هذه النبرة التصالحية بعد تصريحات متناقضة سابقة قال المرشد خلالها: "إن أولئك الذين يرتكبون الجرائم، من هم ومن أين يحصلون على التوجيه؟ بالطبع، هؤلاء بالتأكيد ليسوا أطفالنا وشبابنا"!
غير أن تسريبات تم الكشف عنها مؤخرًا، بعد هذا الخطاب الذي أدلى به المرشد، أكدت أن خامنئي متأكد تمامًا من بديهية يعلمها كل مسؤولي النظام، وهي أن الاحتجاجات لن تتوقف إلا بسقوط النظام.
وفي نشرة سرية أعدتها وكالة أنباء "فارس" الإيرانية الرسمية للقائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، نُقل عن المرشد قوله إن "الاحتجاجات لن تنتهي قريبًا".
وأكد المرشد، في هذه النشرة السرية، أن النظام قد تخلّف عن الركب في الحرب الإعلامية، كما أكد على ضرورة القيام بشيء لجعل المواطنين يعتقدون أن الاحتجاجات "من صنع العملاء الأجانب"!
وجاءت النشرة السرية في 123 صفحة، ونُقلت فيها اقتباسات من خامنئي "تدل على قلقه من عدم فاعلية نظام القمع"، حيث قال صهر خامنئي غلام علي حداد عادل، والد زوجة مجتبى خامنئي، للمرشد إن حشدًا كبيرًا فقط يمكنه إنهاء الاحتجاجات، وبرأيه فإن "الباسيج قد ضعف وغير قادر على ذلك".
وجاء في نشرة "فارس" أن خامنئي اشتكى لحداد عادل، خلال لقائه، من التزام الأصوليين، والعديد من أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس خبراء القيادة وممثلي الحكومة، الصمت حيال الاحتجاجات، وأنهم "لم ينشروا حتى تغريدة واحدة"!
هذه هي العقلية التي يفكر بها رأس النظام، أن يلقي بالمسؤولية الغضب الشعبي على "العملاء الأجانب"، ما يعني أنه يغض الطرف عن الممارسات التي أدت إلى هذا الغضب، وأنه على يقين تام من أن لا سبيل إلى تلافي العواقب الوخيمة للانتفاضة الشعبية، التي تُعد أطول انتفاضة في تاريخ إيران على الإطلاق.
النظام "قاتل الأطفال"
لم يقتصر الغضب الشعبي من المرشد ونظامه القمعي على المحتجين الإيرانيين، بل وصل إلى أسرة خامنئي نفسها، حيث تم القبض مؤخرًا على فريدة مرادخاني طهراني، ابنة شقيقة المرشد، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، عندما توجهت إلى مكتب المدعي العام تلبية لاستدعائها من قبل مكتب المدعي العام للثورة في طهران، بعدما نشرت مقطع فيديو، وصفت فيه النظام الذي يقوده خالها بـ "النظام الدموي قاتل الأطفال"، دعت المجتمع الدولي إلى قطع العلاقات مع النظام الإيراني الذي يقوده خالها خامنئي.
وحكمت "محكمة رجال الدين الخاصة" على فريدة طهراني، بالسجن 15 عامًا. وبعد تقدمها باستئناف على الحكم، تم تخفيفه إلى السجن لمدة 3 سنوات.
وعلى إثر ذلك، بعثت بدري حسيني خامنئي، شقيقة المرشد الإيراني، مؤخرًا، برسالة مفتوحة كتبتها باللغتيّن الفارسية والإنجليزية، نشرها نجلها محمد مراد خاني طهراني، عبر حسابه على تويتر، تبرأت فيها من خامنئي، ومن "خلافته الاستبدادية".
وحملت الرسالة دلالة فريدة على أن خامنئي بات حقًا في "المربع الأخير"، فقد قالت شقيقته في رسالتها: "إن العديد من الأمهات أصبحن ثكالى خلال العقود الأربعة الماضية، لذا أرى أنه من المناسب أن أقف إلى جانبهن عبر إعلان البراءة من شقيقي، وأعرب عن تعاطفي مع جميع الأمهات الحزينات إثر جرائم نظام الجمهورية "الإسلامية" من عهد الخميني، إلى العصر الحالي للخلافة الاستبدادية لعلي خامنئي".
وأضافت بدري حسيني خامنئي في الرسالة: "مثل كل أمهات الإيرانيات، اللواتي يعشن الحداد، أشعر بالحزن أيضًا لابتعاد ابنتي عني، فعندما يعتقلون ابنتي بالعنف، من الواضح أنهم يمارسون العنف آلاف المرات على أبناء وبنات الآخرين المضطهدين".
وأكدت أن "نظام جمهورية الخميني الإسلامية وعلي خامنئي، لم يجلب إلا الألم والمعاناة والقمع لإيران والإيرانيين. أتمنى انتصار الشعب وإسقاط نظام الاستبداد الحاكم في إيران".
غير أن خامنئي لم يستمع إلى صوت العقل، ولا إلى أصوات التحذير الصادرة من أفراد أسرته، بل هاجم من نصحه بأنه يجب "سماع صوت الشعب"، قائلًا: "دوّي صوت الشعب الضخم في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني (خلال المظاهرات الموالية للحكومة) أو أثناء تشييع الشهيد قاسم سليماني، كان هذا الحشد الضخم صوت الشعب الإيراني الحقيقي"!
* رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية