الجمعة, 12 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

المربط الصفوي| مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية (8)

آراء وأقوال - د. أكرم حجازي | Sat, Aug 13, 2016 1:03 AM
الزيارات: 993
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

الفصل الثالث

البعث الفارسي (1)

    قد يعجب المرء حين يلاحظ أن ما تؤمن به إيران اليوم، وما تعده من خطط، وتطبقه على الأرض، هو ذاته ما كانت تفعله الإمبراطوريات الفارسية من قبل. فهي تأخذ من كل الأديان الوضعية والكتب السماوية المحرفة، وتنسج التحالفات الغادرة والحقيقية، وتتحدث مع الجميع بلغة بولس وماني، أعظم رموز التحريف للكتب السماوية، والأشد مكرا ونفاقا وخداعا وكذبا. وتهيئ نفسها استراتيجيا عبر السعي لامتلاك ما استطاعت من أدوات القوة، وتخطط علانية لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية وليس « الصفوية» فحسب، بل وتعلن ذلك أمام العالم أجمع، من حلفاء وأصدقاء وأعداء، كما سنرى ونسمع ونقرأ.

     أما أعجب ما في الأمر، أنه ورغم كل هذا الوضوح، نجد أن هناك من يصدقها، غير متعظ بماضٍ، ولا آبه بحاضر، ولا مستشرف بمستقبل، إلا بمصالحه التي باتت بكفة، وكل الدين والحضارة والتاريخ في كفة أخرى، أحط منزلة. وكأن « الاستحمار»، الذي تحدث عنه شريعتي، غدا صفة تنطبق على بعض السنة، بنفس القدر الذي تنطبق فيه على « الرافضة الصفوية»!!! وكأنه لا يكفي الأمة ما تعانيه من الجبْر، وتسلط « اليهودية» و« النصرانية» و« النصيرية» عليها، إلا إذا خرج أحفاد ابن العلقمي من صلبها، وليس من صلب الأعداء فحسب.

ورقة التاريخ، دول وجماعات الرفض

على امتداد التاريخ الإسلامي، لم يتوقف الفرس المجوس عن الانتقام من الإسلام وتخريبه من الداخل، وقتل العامة ( المسلمين = النواصب = أهل السنة) والعرب وهدم الكعبة. بل والعمل، بلا كلل أو ملل، على إحياء الإمبراطورية الفارسية. هذا الهدف للإمامية لم يكن خفيا لا في المصنفات العقدية للشيعية الروافض، ولا في المصنفات التاريخية، ولا في الأطروحات السياسية ولا في الثقافة والإعلام، ولا في لغة العامة منهم.

بعد تآمرهم على إسقاط الدولة الأموية (41هـ – 132هـ / 662م – 750م)، وهي في أوج قوتها، وبجهود الانقلاب الذي قاده أبو مسلم الخراساني* على نصر بن يسار، آخر ولاة خراسان من بني أمية، تسلم العباسيون الحكم ( 750 – 1517م). ولأن العباسيين ورثوا الفتنة، فقد حكموا بمنطق الخصومة للأمويين، الأمر الذي مكن الروافض وموالي الفرس وكل الخصوم، بقيادة أبو العباس السفاح، من تصفية الحسابات مع (1) بقايا الأمويين وقتلهم، وفي مرحلة لاحقة مع (2) العباسيين أنفسهم، وأخيرا مع (3) الإسلام. لذا ففي عهدهم الطويل تعرضت الدولة الإسلامية لاختراقات غير مسبوقة على يد الروافض.

ففي بدايات الدولة الأموية كانت الضرورة تقتضي وأد الفتنة، والعمل على بناء الدولة، والانطلاق نحو فتوحات واسعة تستهدف نشر الإسلام. لذا فقد تعامل الأمويون بحذر مع الموالي من الأعاجم فيما يتعلق بمراكز السلطة والقرار، دون أن يأبهوا لردود الفعل. لكن في العهد العباسي، حيث بلغ الاحتقان مداه، انحاز هؤلاء إلى العباسيين، بدعوى أنهم هاشميون، من آل البيت. أما وصولهم لمراكز السلطة والقرار، فيرجع إلى المصاهرات مع العرب، وبالتالي تأثُّر العباسيين بالثقافة الفارسية في السياسة والحكم. لكن؛ وكما كانت الإمبراطورية الفارسية، في زمن الإخمينيين والساسانيين، أضحت الدولة العباسية، مع طول الأمد، عبارة عن مراكز أو إمارات أو دول شبه مستقلة، حتى وإنْ بقيت تحت ولايتهم اسما. وكما يقول د. طه الدليمي فقد ظهرت في عهد العباسيين ظاهرة « الخليفة العربي والوزير الفارسي«. فالسلطة الإدارية والاستشارية، على الأقل، باتت بيد الأعاجم من الفرس. وهو اختراق مجوسي مهد الطرق لولادة الإمارات والدول المستقلة، في أنحاء العالم الإسلامي، ومكن الشعوبيين وتيارات الزنادقة والإلحاد والإباحية من الاستيطان في رحم الدولة العباسية، ونجحوا في تفتيتها ثم تفكيكها خلال الغزو التتري بخيانة دبرها وزير الخليفة المستعصم، ابن العلقمي، ونصير الدين الطوسي. ومن أبرز الدول والحركات التي ظهرت في عهدهم، مهدت لظهور الدولة « الصفوية» (1501م – 1736م)، يمكن ذكر:

أولا: الدولة الطاهرية ( 205هـ – 259هـ / 782 – 820)

أيا كانت التوصيفات التاريخية بحق الدولة الطاهرية فستبقى تمثل أول اختراق تاريخي في جسم الدولة الإسلامية. فقد خرجت فعليا من تحت سلطان الخلافة وإنْ بقيت تدين لها صوريا. وهو ما كان مستحيلا تحقيقه خلال العهد الأموي الذي استمر 91 عاما. لكنه تحقق في العهد العباسي، ومثَّل سابقة تاريخية، ستشجع آخرين على انتهاج ذات السبيل في الخروج على الخلافة، وتأسيس دول مدمرة، ومعادية للإسلام والمسلمين. بل وستسمح هذه السابقة بظهور عشرات الدول والفرق المنشقة والمحاربة للدين.

ثانيا: الدولة الصفاريه (254هـ -290هـ / 868م – 903م)  

مؤسسها هو يعقوب بن الليث الصفار، وقد أقام دولته في إقليم سجستان أو سستان، وهي منطقة كانت تقع شرقي إيران، ما بين خراسان جنوبا وبلوشستان شمالا. وتقع اليوم بين إيران وأفغانستان. والصفار هو الذي أطاح، سلميا، بالدولة الطاهرية. وكسابقتها مثلت نموذجا ثانيا للاستقلال عن الخلافة، مع بقائها تحت سلطانها.

ثالثا: الخُرَّمية ( 201هـ – 223هـ / 816م – 838م)

أول حركة مسلحة، مثلت خروجا صريحا على الخلافة. أسسها بابَك الخُرَّمي الذي ينسبه بعض المؤرخين إلى سلالة أبي مسلم الخراساني. وأن حركته جاءت انتقاما من العباسيين لقتلهم الخراساني. والثابت أن الحركة لم تكن إلا سليلة الديانة « المزدكية» الفارسية، التي اتخذت من الإباحية دينا لها. وقد ظهرت « الخُرَّمية« خلال فترة الصراع بين الأخوين الأمين والمأمون. واتخذت من جبال البَذَّ قاعدة لها، ثم توسعت في المناطق المجاورة ولاسيما منطقة الجبال بين همذان وأصفهان، وصولا إلى طَبَرِستان وجُرجان وبلاد الديلم. وقد حاول المأمون التصدي « للخُرَّمية« في أكثر من مناسبة إلا أنه فشل. ومات وهو يوصي بوجوب القضاء عليها مهما كلف الثمن. وبعث الخليفة المعتصم بالله (227 – 218هـ / 833 – 841م) حيدر بن كاوس المُلقب بـ « الأفْشِين«، والذي أطاح بـ « الخُرَّمية«، وأسر مؤسسها. ومن الطرائف أن « الأفْشِين« تحالف، بعد ذلك، مع المازيار مُحمّد بن قارن في طبرستان، للإطاحة بالحكم العباسي والانفصال بخراسان عنه. وكلاهما كانا مجوسيين على دين « المزدكية»، ويسعيان لاستعادة الإمبراطورية الفارسية وعقائدها، رغم أن بن كاوس كان من أقرب المقربين للخليفة!

رابعا: القرامطة ( 260 هـ – أواخر القرن الرابع الهجري / 870م – 1077م)

حركة باطنية مسلحة، شديدة العنف، وبالغة الدموية والوحشية. نبتت من رحم الطائفة الإسماعيلية الشيعية. ونادت بالإباحية ومشاعية المال والنساء وثنوية الآلهة، مسترشدة بعقائد المجوس. بل أنها لم تترك زندقة أو كفرا او إلحادا إلا وآمنت به ودعت إليه. أما أبرز دعاتها فهو حمدان بن الأشعث المُلقَّب بـ « قُرمط«، لقصر قامته. بدأت سنة 260هـ في جنوب فارس سرا على يد عبد الله بن ميمون القداح. ثم عبر مساعد له في العراق يدعى الفرج بن عثمان القاشاني المعروف بلقب « ذكرويه«، وخليفته أحمد بن القاسم. وفي سنة 278هـ، جاهر قرمط بدعوته في الكوفة. ولم تمض بضع سنين حتى نجحت الحركة بتأسيس أول دولة لها في البحرين بقيادة الحسن بن بهرام الشهير بأبي سعيد الجنابي سنة 286هـ / 899م. وخلفه ابنه سليمان الشهير بأبي الطاهر القرمطي. وهو المؤسس الفعلي لدولة القرامطة التي امتدت نحو الجزيرة العربية. وهو الذي هاجم مكة سنة 319هـ، وأوقع مجزرته المروعة بالحجاج في قلب الحرم، وانتزع الحجر الأسود، وأغرق بئر زمزم بالجثث. وتابع أخيه الحسن مسيرته، فاستولى على دمشق سنة 360هـ، لكنه فشل في صراعه مع العبيديين في مصر. وانتهت دولتهم على يد الأصفر التغلبي.

خامسا: الدولة العبيدية (296هـ –  464هـ / 909م – 1171م)

تأسست أولى بواكيرها في مدينة المهدية التونسية (909-973م)، ثم المنصورية في مصر (973 – 948م)، ثم القاهرة ( 973 – 1171م). ونسبت نفسها إلى السيدة فاطمة الزهراء. وتبعا لذلك أسميت بالدولة الفاطمية. وأول حكامها هو عبيدالله المهدي وآخرهم العاضد لدين الله. وخلال فترة حياتها امتد حكمها من تونس إلى الحجاز ومصر والشام، وفي بعض الفترات وصل حكمها إلى الجزائر والمغرب وجزيرة صقلية. وشكلت أكبر خروج عن الخلافة العباسية. ودامت قرابة 200 سنة إلى أن قضى عليها السلطان صلاح الدين الأيوبي.

وبحسب المؤرخين فهي دولة إسماعيلية، أسسها سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح ابن

ديصان* الدنوي الأهوادي. ولأن منهج الطائفة الإسماعيلية باطني فقد (1) أخفى المؤسس وذريته حقيقة نسبهم على العامة لكونه مجوسي الأصل[76]، واضطر أن (2) يتسمى باسم عبيد الله، ويلقب نفسه بالمهدي. وبالتالي فما من صلة قرابة بالسيدة فاطمة ولا بآل البيت، و (3) انتهج نهجا سلميا، في البداية، لاستمالة الناس لدولته ودعوته. والسلمية هنا تعني الاكتفاء بالدعوة وعدم إجبار الناس على اعتناق دينهم إلى حين.

لكن ما أن اشتد حكمهم وقويت دولتهم حتى بدؤوا بإظهار عقائدهم وطقوسهم وإلحادهم وتحريفاتهم للدين من إيمانهم بالحلول والاستنساخ وعلم الغيب وادعائهم النبوة والربوبية والألوهية، إلى تعميمهم للقضاء الإسماعيلي على الإدارة، وحمْل المسلمين على المشاركة في إقامة الشعائر الشيعية، وإضافة جملة « حي على خير العمل» إلى الأذان. وفي سنة 365هـ أمر العزيز ابن المعز لدين الله بنقش سب الصحابة على جدران المساجد وفي الأسواق والشوارع والدروب، وكتابة عبارة « محمد وعلي خير البشر» على المرافق العامة، بل أن الخليفة العبيدي الحاكم بأمره (أي بأمر الله) ابن المعز بن عبيد الله القداح كان أول من أمر الناس بالسجود له، فإذا ذكر الخطيب اسمه على المنبر وجب قيام الناس، وإذا وقفوا خروا سجداً له؛ حتى ليسجد بسجودهم من في السوق من الرعاع.

في المقابل أحسنوا أيما إحسان للنصارى واليهود في مقابل التضييق على السنة، وعينوا منهم الوزراء وكبار رجال الدولة. وكانوا كلما تعرضوا لضائقة سياسية أو عسكرية استنجدوا بالصليبيين واليهود. بل أن النصارى في عهدهم سيطروا على « سواحل الشام بأكمله، حتى أخذوا القدس ونابلس، وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية، وجميع ما والى ذلك إلى بلاد إياس وسيس واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين»[77].

هذه هي الدولة التي سبق وتجرأ الرئيس الليبي معمر القذافي على الدعوة إلى إحيائها، في خطاب له سنة 2011، قال فيه: « إنَّ الدَّوْلَةَ الفَاطِمِيَّةَ الجَدِيْدَة هِيَ تَارِيْخُنَا، هِيَ مُلْكُنَا، هِيَ إِرْثُنَا. نَحْنُ صَنَعْنَا الدَّوْلَةَ الفَاطِمِيَّةَ الأُوْلَى وَسَنَصْنَعُ الدَّوْلَةَ الفَاطِمِيَّةَ الثَّانِيَةَ، هَذِهِ دَوْلَتُنَا وَلَيْسَ مِن حَقِّ أحَدٍ أَن يَحْتَجَّ عَلَيْنَا وَمَن يَحْتَجُّ عَلَيْنَا هُوَ يَنْبَح، هِيَ دَوْلَتُنَا أُقِيْمَت فَوْقَ هَذِهِ الأَرْض، أَقَامَهَا أَجْدَادُنَا، وَلَوْلَا الفَاطِمِيُّونَ مَا كَانَتِ القَاهِرَة، فَالقَاهِرَةُ فَاطِمِيَّةٌ مَائَة فِي المَائَة، وَالأَزْهَرُ هُوَ مَسْجِدُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاء وَهُوَ قَلْعَةٌ مِن قِلَاعِ الفَاطِمِيَّةِ، رَاجِعُوْا كُلَّ ثَقَافَتِكُم وَأَعْيَادِكُم وَمَوَاسِمِكُم فِيْ شَمَالِ أَفْرِيْقِيَا، كُلَّهَا شِيْعِيَّة، وَأوَّلُ دَوْلّةٍ شِيْعِيَّةٍ فِي التَّارِيْخِ فِي أَفْرِيْقِيَا هِيَ الدَّوْلَةَ الفَاطِمِيَّةَ، وَلَن نَعْتَرِفَ بَعْدَ اليَوْمِ بِإِمَامَةِ أيِّ حَاكِمٍ يُرِيْدُ أن يَعْمَلَ دَوْلَةً دِيْنِيَّةٍ مَا لَم يَكُن مِن آلِ البَيْتِ الذِيْنَ لَهُم الحقُّ الإِلَهِيُّ فِي الحُكْمِ». وردت عليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربيَّة السُعوديَّة فتوى جاء فيها أنَّهُ: « بعد الاطلاع على أقوال العُلماء والمؤرخين تبيَّن أنَّ الدولة الفاطميَّة كان لها من الضرر والإضرار بالمُسلمين ما يكفي في دفع كُل ما يرفع لواءها ويدعو بدعواتها، وأنَّها دولةٌ ضالَّة لا يجوز الدعوة إليها، لأنَّ هذه الدعوة غش وخيانة للإسلام وأهله».

سادسا: الدولة البويهية (322هـ – 454هـ / 933م – 1066م)

هي الدولة التي أدخلت نظام الوزارة على الخلافة. وجردت الخليفة بمقتضاه من صلاحياته. ومع أن مؤسسها زيدي؛ إلا أنها كانت أول من أدخل طقوس الشيعة إلى الحاضرة الإسلامية. وفي السياق يقول ابن الجوزي بـأنه: « جرت في العاشر من محرم عام (963م المصادف 352هـ ) احتفالات رسمية وفريدة في يوم عاشوراء حيث أغلقت الأسواق وسارت النادبات في شوارع بغداد وقد سودن وجوههن وحللن شعورهن ومزقن ثيابهن وهن يلطمن وجوههن ويرددن مرثية حزينة». وفي عهدها أيضا نشطت تيارات الإلحاد والزندقة والتحريف. وانتهى حكم البويهيين على يد السلاجقة الأتراك الذين دخلوا بغداد سنة 447هـ.

أما قصة نشوئها فترجع إلى مرداويج بن زيار، مؤسس الدولة الزيارية في جرجان وطبرستان بفارس. ففي سنة 320هـ/932م تلقى مؤسس الدولة البويهية، علي بن باويه، تكريما من ابن زيار، منحه بموجبه ناحية تسمى الكرج. ومنها انطلق علي بن بويه، وأخواه، نحو السيطرة على أصفهان أولا، في فارس التي سقطت بيده سنة 322هـ. وبعد سنة قتل مرداويج، واتجه البويهيون الديالمة نحو منطقة  كرمان سنة 324، ثم خوزستان، ليسيطروا على منطقة الأحواز سنة 326. وفي سنة 334هـ دخل أحمد البويهي بغداد، باتفاق مع الخليفة العباسي المستكفي بالله. وبرزت ظاهرة خلع الألقاب على القادة والوزراء. فما أن بايع أحمد البويهي الخليفة حتى تلقى منه لقب « معز الدولة»، فيما حصل أخاه الأكبر على لقب « عماد الدولة» والثاني فاز بلقب « ركن الدولة».

طوال عهدها الذي لم يتجاوز أربعة عقود؛ ظلت الدولة البويهية تحكم من وراء حجاب. وحذرة من فرض التشيع على العامة، أو منازعة الخليفة منصبه. لكنها، في نفس الوقت، جردته من صلاحياته، حتى بات مجرد اسم، لا شأن له في الدولة ورعايتها، إلا المنصب الذي يحتله، بالإضافة إلى منصب القضاء الذي رفض العباسيون التخلي عنه.

سابعا: الحشاشون ( 1090م – 1256م)

هي طائفة إسماعيلية نزارية، انشقت عن الدولة العبيدية، على خلفية موت المستنصر، سنة 487هـ/1094م، وتعيين أحمد الملقب بـ « المستعلي» إماما للطائفة، بدلا من نزار الذي أوصى به الأب قبل موته. كان حسن الصباح، مؤسس فرقة الحشاشين، قد غادر القاهرة بسبب خلافه مع الدولة العبيدية، ونزل في أصفهان سنة 1084م، داعيا إلى اعتناق الإسماعيلية. ورفض خلافة أحمد. وتبعه في ذلك إسماعيليو فارس. أما نزار فقد سجن في الإسكندرية ومات في سجنه. وفر ابنه الهادي إلى حيث يعيش الصباح. لكن ما كان يقلق الصباح هو البحث عن قاعدة قوية ينطلق منها. وبعد بحث وجد في قلعة ضالته. وهي أخدود بعرض ثلاثة أميال، وطول يبلغ 30 ميلا، وارتفاع عن سطح البحر يصل على 6000 متر، مما يجعلها تلامس الغمام، حتى وصفها البعض بـ « مأوى الجن»، لما يشبه استحالة الوصول إليها من أية قوة عسكرية. ولما دخلها الصباح لم يغادرها طيلة 35 عاما حتى مات.

وفي العموم اتخذ الحشاشون من القلاع الحصينة على قمم الجبال مأوى لهم. ثم تمددوا باتجاه بلاد الشام. وهناك وصل العراقي المولد سنان بن سلمان بن محمد، المعروف برشيد الدين، والملقب بـ « شيخ الجبل»* على قمة السلطة. وفي عهده ازدهرت الطائفة، وقويت شوكتها، وأعادت بناء قلعتي الرصافة والخوابي، واستولت على قلعة العليقة.

امتازت الطائفة بالسرية الشديدة والطاعة العمياء، واتخذت من الاغتيال منهج عمل. ولم يكن لها صديق ولا حليف. لذا فقد عادت الجميع، ابتداء من العباسيين والعبيديين والخوارزميين والزنكييين والأيوبيين والسلاجقة وانتهاء بالصليبيين. وضربت في كل اتجاه، وفرضت الأتاوات على كل دولة أو قوة وصلت إليها. واشتهر عناصرها، لدى الأوروبيين، باسم « الفدائيين». وهؤلاء تمتعوا بجرأة يحسدوا عليها. فلم يكونوا يأبهون لموت ولا لخوف، بل أشاعوا الرعب علانية بين الناس. وثمة أبحاث تؤكد أنها دانت بـ « المزدكية»، فأحلت كل المحرمات، وارتكبت من الفواحش ما الله به عليم، وولجت الإلحاد من أوسع أبوابه. واستمرت دولتهم قريبا من ثلاثة قرون، نفذت الطائفة خلالها سلسلة طويلة من الاغتيالات طالت الوزير السلجوقي نظام الملك، والخليفتين العباسيين المسترشد والراشد، وكونراد ملك بيت المقدس. لكنهك فشلوا مرتين في اغتيال صلاح الدين الأيوبي. وعجزت القوى والدول السائدة في عصرهم عن تصفيتهم، إلى أن قضى عليها المغول بقيادة هولاكو، الذي اقتحم قلاعها في فارس وارتكب فيها مذبحة كبيرة سنة 1256، ثم أطبق عليها في الشام الظاهر بيبرس سنة 1273.

ثامنا: الدولة « الصفوية» (1501م – 1736م)

تمثل نشأة الدولة « الصفوية» علامة فارقة في تاريخ الإسلام ببلاد فارس. فكل الدول السابقة والحركات الهدامة التي انطلقت منها أو اتخذت منها مستقرا أو نشطت في رحابها لم تستطع النيل من المسلمين في فارس. وبقيت حركات الزندقة والإلحاد والإباحية منتشرة في إطار الطبقات المثقفة والعليا، ولم تنل من رسوخ الإسلام في فارس. فقط، لما تأسست الدولة « الصفوية»، واعتمدت الاثنى عشريا مذهبا رسميا للدولة، انقلبت الأمور رأسا على عقب. فـ: « الدولة الصفوية هي التطبيق العملي الأول في التاريخ للأفكار الشيعية والتي كتبت في القرن الرابع للهجرة واستمرت ستة قرون حتى ظهرت الدولة الصفوية, ورغم ظهور دولا شيعية مثل الفاطمية في المغرب ومصر وقبلها البويهية سيطرت على بغداد وأبقت الحكام العباسيين شكلا, وجاءت عدة دول شيعية صغيرة, لكن كل هذه الدول لم تمارس القتل بالملايين والتشريد وحمل الناس على التشيع قسراً, وإدخال أفكار جديدة, وإحياء أفكارأ متطرفة, وإيجاد أحقاداً طائفية منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا»[78]. وفي ظلها عاش المسلمون أشد المحن قسوة في تاريخهم منذ البعثة النبوية. لأنهم هذه المرة استُهدفوا، في دينهم وعقائدهم وإيمانهم، عامةً وليس خاصةً. فتشيع منهم من تشيع، وقتل من قتل، ونفي من نفي، وفر من فر. ورغم زوال الدولة « الصفوية»، وتسلم « القاجاريين» الحكم (1779 – 1925م)، إلا أن فارس، بخلاف مصر، ظلت صفوية إلى يومنا هذا.

بدأت القصة مع إسماعيل شاه ( 1487- 1524م) الذي تعود أصوله إلى أب أذري وأم أرمينية. وهو بن حيدر بن صفي الدين الأردبيلي، (1252 – 1334م). وقد ولد من أب ذو أصول تركية أذرية وأم أرمنية. أما جده فهو سني على مذهب الشافعية. لكنه كان شديد التصوف على الطريقة البكتاشية، ومن التصوف اتجه حفيده خواجة علي ابن صدر الدين إلى التشيع، حتى صار للتشيع موطئ قدم في العائلة وصل إلى حد التخلي عن السنة، والغلو في التشيع. وللعائلة صلات مصاهرة مع آخر ملوك القسطنطينية. واستطاعت، خلال الفترة 1450 – 1488م، إنشاء تنظيم سياسي مسلح، تَكوَّن من وحدات خاصة من القزلباش. أما إسماعيل الصفوي فقد بدت عقائده أشبه ما تكون بخليط عقائد ماني وبولس. وبحسب علي الوردي، فإن ظهور الدولة « الصفوية» جاء: « في الوقت الذي كانت فيه قوة الدولة العثمانية تتعاظم على أثر فتح القسطنطينية، كانت منطقة أذربيجان الإيرانية تتمخض عن حركة صوفية قدر لها فيما بعد أن تكون جسما خطيرا على الدولة العثمانية، هي الحركة الصفوية». ويتابع الوردي القول: « وما يجدر ذكره أن الطريقة الصفوية لم تكن في بداية أمرها تختلف كثيرا عن الطريقة البكتاشية من حيث كونها مزيجا من التصوف والتشيع الاثنى عشري، وكان أتباعها يعرفون باسم القزلباش، أي ذوي الرؤوس الحمر، وذلك لأنهم يضعون على رؤوسهم قلنسوات حمراء فيها اثنتا عشر طية إشارة إلى الأئمة الاثنى عشر»[79]. وابتداءً من سنة 1494 تولى إسماعيل الصفوي زعامة التنظيم، ثم استولى على مناطق غيلان، متوسعا باتجاه فارس حتى سنة 1507، ثم دخول بغداد سنة 1508م.

سبعة وثلاثون عاما عاشها إسماعيل، « تحدث فيها عن نفسه» قائلا: « إن ولايتي الصوفية قد صدرت من ختم النبوة، وكمال الولاية»، فيما وصف مصطفى الشيبي حركته بأنها كانت: « شيعية الإطار، صوفية المذهب». وخلالها استقدم عشرات العلماء الشيعة من جبل عامل في لبنان، ومنحهم أعلى الصلاحيات والامتيازات، لفرض « الإمامية الاثنى عشرية» على المسلمين في بلاد فارس بحد السيف، حتى قيل، من شدة غلوائه وجنونه وحقده، أنه قتل أمه، إما لأنها رفضت التشيع لكونها حنفية المذهب، أو في رواية أخرى لأنها رفضت زواج المتعة، واعتبرته فعلا مشينا، وثالثة تقول بأنها فضحت سره. والثابت عنه، أنه اشتهر، بلسان ابنه طهماسب الأول[80]، بكونه ماجن وسكير وقاتل. ومع أن المؤرخين، بملاحظة الباحث الإيراني إسماعيل نوري، لم يجيبوا على سبب تحول العائلة إلى « الاثنى عشرية» واستبدال لقب « الشيخ» بـ « السيد*»، وفرض التشيع على أهل السنة، إلا أن أطرف الروايات تحدثت عن حقد شديد لديه على السنة منذ الإطاحة بالدولة العبيدية في مصر[81].

كانت المرحلة الثانية التي قادها عباس شاه الأول، ( 1587- 1629م)، والثاني (1642 – 1666م)، هي الأقوى في تاريخ الدولة « الصفوية»، والأشد خطورة على المسلمين. وإلى جانبه لعب محمد باقر المجلسي، (1616 – 1698)، أهم مشايخ « الصفوية» في وقته، دور العرّاب في نشر التشيع وتفريس شتى مناحي الحياة، حيث نشطت الثقافة والأدب الفارسي والشعر، وأعيد إحياء ما يسمى بـ « ملحمة الشاهنامة» الشعرية، التي تم نسبتها للفردوسي، الذي كان يكتب الشعر لقاء المال في عصره (935-1020م)، وبلغت الحركة الشعوبية أقصى مدياتها. وبلغ حقده على المسلمين في رسالة بعث بها إلى المبعوث الإسباني، أنتوني دي جوفا، وهو يحضه على محاربة العثمانيين، يقول فيها: « كم أتمنى أن أرى في أقصر وقت ممكن جميع مساجد الأتراك وقد تحولت إلى كنائس! وكل أملي أن أرى سقوط الخلافة العثمانية وخرابها»[82]!

لا شك أن « الدولة البويهية» قد وضعت حجر الأساس في تشيع بلاد فارس، لكنها لم تُحْدث ذلك التأثير الذي يكفي لحمل الغالبية الساحقة من المسلمين عن شافعيتهم أو حنفيتهم إلى دين « الإمامية». فالبويهيون كانوا زيدية غالية، أكثر منهم اثنى عشرية. ولو كان لهم أن ينجحوا لكان من الأولى القول بنجاح الدولة العبيدية في تشييع أهل مصر أو الشام أو شمال أفريقيا. فقد كانت فرصهم أوفر حظا من فرص البويهيين. فضلا عن أن التشييع في فارس جرى بحد السيف الذي خلف أزيد من مليون قتيل ومئات العلماء، وتسبب بتدمير المدن وإبادة قرى بكاملها. ومع ذلك فلم تنقطع الثورات السنية على الدولة « الصفوية» حتى تسببت في الإطاحة بها. لكن! فيما كان الشيعة أقلية صغيرة بفارس، على ساحل الخليج المقابل لمناطق الجزيرة العربية، إلا أن غالبية الفرس، بالذات، قبلوا التشيع مع نهاية الدولة « الصفوية» سنة 1722، فيما رفضته، حتى الآن، القوميات الأخرى المحاذية للدول السنية، وعدد غير قليل من السنة.

وكالعادة يأبى التاريخ إلا أن يحتفظ للرافضة ومجوس الفرس بسجلات الشرف. فمع الدولة « الصفوية» كانت الخيانة والغدر بحد ذاتهما واقعا، تمهره التحالفات والاتفاقات والمعاهدات والخطط الإستراتيجية مع الصليبيين، وفتح الأبواب على مصاريعها، لاستيطان الصليبيين في فارس وحثهم على التبشير بـ « النصرانية»، وطعن الفتوحات العثمانية بالظهر، وهي على أبواب فيينا، حاضرة أوروبا المسيحية آنذاك، والتخطيط لاجتياح الجزيرة العربية، وسعي محموم لمهاجمة مكة، وتدمير الحرم وهدم الكعبة، ونبش قبر الرسول r، وسرقة جثمانه الشريف ومساومة المسلمين به على بيت المقدس[83]، وتسليمها للصليبيين … وهو ما تثبته مراسلات عباس الأول مع بابا الفاتيكان[84] والقادة الصليبيين لاسيما مع ملك البرتغال مانويل الثاني، وقادته العسكريين.

بعض ما جاء في رسالة الحاكم البرتغالي في الهند، « البوكيرك»، إلى الشاه إسماعيل الأول، نشرها د. زكريا بيومي سليمان، وجاء فيها: « إني أ ُقدر لك احترامك للنصرانيين في بلادك وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة، لاستخدامها ضد قلاع الترك (الدولة العثمانية) في الهند. وإذا أردت أن تنقضَّ على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر، أمام جدة أو في عدن أو في البحرين. أو القطيف أو البصرة. وسيجدني الشاه بجانـبه دوما ًعلى امـتداد الساحل الفـارسـي، وسـأنفـذ له كل ما يريد»[85]. بل أن الجيوش البرتغالية وصلت برّ جدة فيما اخترقت الجيوش « الصفوية» نجد في الجزيرة العربية باتجاه مكة ثم المدينة بحسب ما يقول د. عبدالله النفيسي[86]. أما نهاية إسماعيل ومخططه هذا فكانت بعودة الملك البرتغالي إلى بلاده بسبب اضطرابات داخلية، ثم على يد الأتراك في معركة صحراء « جالديران»، شمال تبريز، سنة 920هــ، التي فقد فيها نحو 28 ألف جندي، بحيث لم يبق له سوى ألفي جندي، وإصابته بجروح أفقدته حياته لاحقا.

أما عباس شاه، الأشد فظاعة ودموية من إسماعيل الأول، فقد وجه رسالة إلى ملك إسبانيا، فيليب الثاني، اقترح فيها عليه: « تشكيل حلف فاعل على مدى طويل بين دولتيهما ضد الباب العالي. فلو أرسل له فيليب الثاني، ما يحتاجه من القطع المدفعية والمهندسين، الذين يستطيعون صنعها في إيران، ودخل الحرب إلى جانبه ضد العثمانيين، فان الشاه يلتزم ببناء كنيسة في كل مدينة عثمانية يحتلها، ويسمح للقساوسة بالعمل بحرية أينما كانوا، وسوف يدعو الناس في مملكته إلى دخول المسيحية، ولكن من دون إجبارهم على ذلك». ورغم الاتفاق مع ملك إسبانيا على مهاجمة الإمبراطورية العثمانية إلا أن الجيش الإسباني لم يحقق شيئاً في هذا المجال. وفي آخر مقابلة للشاه مع السفير الإسباني قال له بأن: « الملوك المسيحيين لم يحققوا وعودهم. أنا أخضعت وحدي ثلاثمائة وستة وستين قلعة من الدولة العثمانية. وهم لم يأخذوا منها حتى بيتاً واحداً، ولا مخزناً واحداً، ولا حتى زريبة للماعز. ولو أنهم ساهموا في الخطة التي رسمتها لكنت احتليت القدس وسلّمتها لهم. من الآن فصاعداً سأعمل وحدي»[87].

ومن الطريف حقا أن « حركة الردة»، التي اكتسحت الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول r، تم إخمادها بسرعة فائقة، رغم أنها مثلت أكبر تهديد للإسلام، بينما واصلت الحركة الشعوبية تقدمها بما يكفي ويزيد، لِئَن يطرح د. عبدالله محمد الغريب سلسلة من الأسئلة الاستنكارية الوجيهة، بحق « الحركة الشعوبية» وتشكلاتها التاريخية، قائلا:   

« هل من المصادفات أن يرجع البويهيون والقرامطة والعبيديون الى أصول فارسية؟! هل من المصادفات أن تتشابه عقائدهم، وأن تكون هي نفسها عقائد مزدك وماني وزردشت؟! وهل من المصادفات أن يظهروا في أزمنة متقاربة: العبيديون 296، والبويهيون 334، والقرامطة 278، وهل من الصدف أيضا أن يتقاسموا العالم الاسلامي: البويهيون في العراق، والقرامطة في شبه الجزيرة، والعبيديون في مصر والشام؟! وهل من المصادفات أن يلج هؤلاء جميعا من باب التشيع؟! وهل من المصادفات أن يكون المسلمون السنة العدو اللدود لهؤلاء الضالين، وأن يتعاونوا مع كل عدو للاسلام والمسلمين؟! ولسائل أن يسأل: لماذا مزجت الدرزية والنصيرية والبهائية والاسماعيلية مع تاريخ ايران؟! الجواب: فعلا ليس في ايران دروز أو نصيرون، أما البهائيون والصفويون فمتواجدون في ايران، ولكن الذين أسسوا المذهبين الدرزي والنصيري فهم فرس مجوس». وبما يكفي أيضا لِئَن يذهب إلى حد القول بأن: « جوهر الحركات الباطنية المجوسية واحد على مدار التاريخ». إذ، وبحسب الشيخ، فإن:《 حركة « مزدا وزردشت والمانوية والمزدكية» لا تختلف في أصولها العامة عن « الكيسانية، والرواندية، والبرمكية، والزنادقة»، وهذه لا تختلف عن « البويهيين، والعبيديين، والقرامطة»، وهؤلاء لا يختلفون عن « الصفويين، والدروز، والنصيريين، والحشاشين، والبهائيين»》[88].

بالتأكيد لم يكن ذلك من المصادفات. فهكذا جرت الأمور! إذ لم يكن الحديث يجري عن خيانة هنا أو هناك، في هذا الزمن أو ذاك، بل عن حرب معلنة ومفتوحة وشاملة على الإسلام والمسلمين، انطلقت شراراتها الأولى مع الفتنة، وإلى يومنا هذا لم ولن تتوقف بزوال الدولة « الصفوية»، التي ينسب إليها الدين الجديد رسميا، أو بلغة علي شريعتي صاحبة « التشيع الصفوي» مقابل « التشيع العلوي».

تاسعا: مملكة إيران ( 1925 – 1979م)

تأسست على يد رضا بهلوي سنة 1925، على أنقاض «الدولة القاجارية» التي كان آخر ملوكها أحمد مرزا القاجاري. وظلت قائمة حتى أطاحت بها ثورة الخميني في 12/2/1979. وقد تميز بنزعة استبدادية متوحشة، وتغريبية فجة، على شاكلة صديقه التركي مصطفى كمال أتاتورك. أما عنصريته فأبت أن تحتفظ بالاسم التاريخي للبلاد، فغير اسم « فارس» إلى  « إيران»، ليس بعدا عن فارس وتاريخها بل بوصفها إحدى الشعوب الآرية المتفوقة، وأن الاسم مشتق من كلمة آري. وهو ما يكشف عن عمق عنصريته وعلمانيته وتوجهه نحو العرق الأبيض، وتوافقه مع الأطروحة العرقية النازية. وبسبب علاقاته وتعاطفه مع الزعيم النازي، أودلف هتلر، خلال الحرب العالمية الثانية، اجتاحت القوات البريطانية والسوفياتية إيران سنة 1941. وفرّ الشاه منها، وخلت البلاد من حاكم حتى أعادت القوات الغازية ابنه محمد إلى الحكم ونصبته ملكا على البلاد.

أما ابنه محمد فاقترب من الغرب حتى انتهت إيران أشبه ما تكون بمقاطعة أمريكية، بواقع 900 معاهدة عسكرية وأمنية واقتصادية، و 45 ألف مستشار وخبير ومتخصص أمريكي يتقاضون نحو أربعة مليارات$ في السنة، و 400 ألف جندي واقعون تحت السيطرة الأمريكية التامة، وعلاقات عسكرية وأمنية قوية مع «إسرائيل». وسط طموح إمبراطوري بالتوسع إقليميا، ورغبة في الهيمنة والنفوذ، بما يكفي ليثير الفزع في الخليج والعراق، حتى أنه اشتهر بلقب « شرطي أمريكا في الخليج»[89].

وفي أكتوبر/ تشرين أول سنة 1971 في برسبوليس، وعلى امتداد ثلاثة أيام، احتفل بمرور 2500 عام على إقامة الإمبراطورية الفارسية، بحضور 90 ملك ورئيس ورئيس حكومة من العالم. وفي سنة 1976 استبدل التقويم الهجري بالتقويم الفارسي، ليغدو التقويم، بين ليلة وضحاها، من سنة 1395هــ إلى سنة  2535 ملكية. ولا يزال التقويم الذي تعرض لغضب واحتجاجات شعبية، زمن العلمانية والتغريب، ساري المفعول في جمهورية الخميني المسماة إسلامية.

وفي إحدى خطاباته القومية التي تمجد فارس، وتهتدي بأكاسرتها، لاسيما مؤسس الإمبراطورية الفارسية، وتؤسس لوراثة التاريخ الإمبراطوري، في صورة إيران الجديدة وهويتها العلمانية، قال: « ها أنت يا كورش الكبير .. ويا ملك الملوك .. نم آمنا هادئا قرير العين، فأنا أحرس هذا الشعب، وهذه البلاد»[90].

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت