على مدونته التابعة لـ"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، نشر الباحث الإيراني أمير توماج صورة، قال إنها في الفلوجة، وبدا فيها جنرالان في "الحرس الثوري الإيراني"، هما "قائد لواء القدس" المجرم قاسم سليماني، و"قائد قوات المشاة" المجرم محمد باكبور. وبمتابعته لوسائل الإعلام الإيرانية، استنتج "توماج" أن زيارة سليماني وباكبور كانت في الثالث والعشرين من مايو، وقال إن الجنرالين عادا إلى طهران في السابع والعشرين من الشهر نفسه للمشاركة في جلسات اطلاع أعضاء البرلمان الإيراني على آخر تطورات الحرب العراقية الإيرانية الأميركية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وبمطالعة البيانات التي تصدرها "القيادة الوسطى" في الجيش الأميركي، يظهر أن المقاتلات الأميركية نفذت، مثلا، 12 غارة يوم 24 مايو الماضي على الفلوجة ومناطق عراقية أخرى، وأن الغارات الأميركية لم تنقطع أثناء وجود الجنرالين الإيرانيين على الخطوط الأمامية للجبهة، مع ما يتطلب ذلك من تنسيق عسكري بين طهران وواشنطن، على الأقل عن طريق الوسطاء العراقيين.
وكانت صحيفة "وال ستريت جورنال" اليمينية قد أكّدت، من حيث لا تدري، الود والتعاون الأميركي الإيراني. ففي مقالة مطولة خصصتها لتسليط الضوء على شخصية النائب السابق في البرلمان العراقي المجرم جمال الجراح، المعروف بأبي مهدي المهندس القائد الفعلي لميليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية، اختارت الصحيفة عنوانا للمقالة بوصف المهندس على أنه "الرجل الذي يتسبب لأميركا بشعور بالقلق في العراق".
المحرر كاتب العنوان في الصحيفة الأميركية يبدو أنه لم يقرأ المقالة المذكورة، فهو لو قرأها، لوجد أن المراسلة نور ملص (وهي سورية تقيم في بغداد)، قدمت تفاصيل مثيرة حول الخدمات التي يقدمها المهندس للأميركيين. مثلا، كتبت "ملص" أنه عندما حاول الأميركيون نشر سرب مقاتلات اف 16 في قاعدة "بلد" حتى يتدرب عليها العراقيون ويستخدمونها كقوتهم الجوية، رفض مقاتلون شيعة إخلاء القاعدة، فتدخل أبو مهدي، وأخلاها وسلمها للجيش العراقي والمستشارين الأميركيين.
وفي حادثة أخرى، زود الأميركيون عبر الأمم المتحدة مدينة "تكريت" بأربعة مولدات كهرباء بعد تحريرها من داعش، فسرقتها ميليشيات شيعية، فتدخل المهندس وأعادها إلى الأمم المتحدة بعدما اشتكى الأميركيون.
حتى المسؤولين الأميركيين السابقين والحاليين ممن تحدثت إليهم "ملص"، قدموا صورة تظهر تغييرا في موقف أميركا من المهندس، الذي يحمل الجنسيتين الإيرانية والعراقية، والذي يدين بالولاء لـ"ولي الأمة" مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.
فالسفير السابق في العراق زلماي خليل زاد قال إن أميركا كانت تلاحق المهندس بهدف اعتقاله، ما أجبره على الهروب إلى بيته في إيران. لكنَ المسؤولين الأميركيين الحاليين قالوا للصحيفة إنهم ينظرون إليه على أنه إرهابي، ولكنهم في الوقت نفسه اعتبروا أنهم لا يخشون على أمن خمسة آلاف مستشار عسكري أميركي المنتشرين في قواعد الجيش العراقي لتدريب العراقيين وتقديم النصح لهم في الحرب على داعش.
ويعاني الجيش العراقي، من جانبه، من استمرار استشراء الفساد بين ضباطه وداخل مؤسساته، كما يعاني من تكرار انهياره في كل مرة يعهد إليه الانخراط في معركة، وهو ما دفع إدارة الرئيس باراك أوباما إلى الإيحاء في تقرير نشرته وكالة رويترز بعنوان "أميركا تفشل في حملة إعادة إحياء الجيش العراقي".
طبعا، قد يبدو تقرير "رويترز"، الذي صنفته الوكالة "حصريا"، وكأنه عمل صحافي، ولكن من يعرفون واشنطن يعلمون أن الإدارة أوحت بكتابته ضمن حملة تسليط الضوء على تعذر قيام جيش وطني عراقي قادر على تحرير البلاد من كل الميليشيات والحفاظ على الأمن وعلى سيادة الدولة.
والتخلي الأميركي عن الجيش العراقي هو المؤشر الأبرز على تبني واشنطن للرؤية الإيرانية القائلة بأن الجيوش الوطنية لا تقاتل، وأن من يقاتل هي الميليشيات العقائدية، المعروفة بـ"المقاومة"، على طراز التي يقودها المهندس في العراق أو التي كان يقودها الراحل مصطفى بدرالدين في سوريا.
سليماني وباكبور في الفلوجة تحت غطاء جوي أميركي، و5000 مستشار أمريكي في قواعد عراقية بحماية إيرانية. هذه هي الصورة الجديدة للشرق الأوسط: على الأرض ميليشيات موالية لإيران، وفي السماء غطاء جوي أميركي. أما الضحية، فهي حكومات المنطقة ومؤسساتها.
المصدر|العصر