يُحكى أن أحد الغواصين في تلك البلاد التي كان أبناؤها يحترفون الغوص لصيد اللؤلؤ، ويتكبّدون المخاطر لجلبه من قيعان البحر للاتّجار به.. قد غاص صاحبه يومًا، فما كادت قدماه تلامسان القاع، حتى صعد مذعورًا.
قال إنه شاهد جِنِّيَّة جالسة وعليها عباءة سوداء، جعل يصفها بدقة، فما كان من أحد زملائه إلا أن غاص ليتأكد من صحة الخبر، فصعد مذعورًا بدوره ليؤكد وجود الجنّيّة ذات العباءة السوداء.
نزل ثالث ورابع كلهم شاهدها، فأراد الغوّاص الخامس الذي سرَد القّصة أن يتأكد بنفسه، فغاص في ذات المكان، ليجدها جالسة بعباءتها السوداء، إلا أنه قد وجد في نفسه الشجاعة لكي يلوي عنقها ففعل، فسال الدم من يده.
فعرف صاحبنا أن الجنية ما هي إلا صخرة سوداء عَلَقت بها عباءة من تلك الثياب التي تسقط من السفن.
*هي حكاية من التراث الشعبي الكويتي، نقلها عن أحد الغواصين، المؤرخ الكويتي الأول عبد العزيز الرشيد، تُجسّد فترة زمنية كان أهل ذلك البلد (الذين نحبّهم) يكافحون في مضمار الحياة، ويواجهون الطبيعة الشاقّة.
وإياكَ أردتُّ بهذه القصة أخي الكويتي، فلعلكَ نظرتَ إلى بلدك الصغير وتاريخك قصير الأمد، ثم حوّلت بصرك إلى أعدائك أصحاب العباءات السود، فأخذتكَ رعدة الوهم المُسلّط على نفسك، وظننتَ أنه لا قِبَل لك بهم فآثرتَ السلامة.
يا ابن غواص اللؤلؤ لك ماضٍ تستلهمُ منه البأس والهمّة لخوض صراعات الحياة، غير أني أراكَ عازفًا عن تفقّد ماضيك.
ومن قبل أطلقها أميرك الشيخ أحمد بن جابر الصباح، فقال: “إنه من العار علينا أن يسألنا أجنبي عن تاريخ بلدنا وعن أخبار من أسّسها من آبائنا الأقدمين، فيكون جوابنا السكوت”.
أرعِ سمعك لعجوز قد احدودب ظهرها، أو لشيخ سقط حاجباه على عينيه، لحكايات الأولين في بلادك، سيخبرك بما رأى أو ما قد سمع من أسلافه.
سيُحدثك عن الجيل الأول من آل الصباح الذين هبطوا إلى تلك الأرض، وأصلهم من نجد، حيث عاش صباح الأول جدكم الأكبر.
سيخبرك عن أصل تسمية “الكويت”، هي تصغير لكلمة “كوت”، وتطلق على البيت المربع المبني كالحصن أو القلعة ترسو عنده السفن للتزوّد باحتياجات السفر، وهكذا كانت بلدكَ القابعة على ضفاف الخليج العربي، والتي تنسب إلى حصن صغير بناه محمد بن عريعر زعيم بني خالد ووهبه لآل الصباح، وقيل إنهم من بنوه بعدما وهبهم ابن عريعر الأرض، وقيل في مصدر آخر التسمية غير ذلك.
سيخبرك أن أرضك لم يحكمها أجنبيّ على كثرة أعدائها، وأن أسلافك شيّدوا البيوت الحجرية على تلك الأرض المُقفرة.
سيخبرك عن كفاح الأسلاف في الترحال للتجارة وجلب الشعير والقمح والتمور والخضروات من البصرة، وعن التجارة في الهند وإفريقيا وغيرهما من البقاع النائية.
سيخبرك عن بيع اللؤلؤ الذي كان تجارة أساسية في بلادك، يذهبون به إلى سوق بغداد قبل أن تعرف بلادك شكل الذهب الأسود (البترول).
سيُحدثك عن القوارع التي ألمّت بهم قديمًا، سيخبرك بأمر الرجبية، وهي ذلك المطر الغزير الذي هدم البيوت في شهر رجب عام 1289 هجرية..
عن الهيلق وهو ذلك الجوع الذي عانى منه أهل الكويت ما بين عامي 1285 و-1288 هجرية، حتى ألجأهم لأكل دماء الحيوانات المذبوحة.
وعن الطبعة وهي حوادث غرق السفن التي فجعت البلاد عام 1288ه.
وعن الطاعون الذي ضرب الكويت فقضى على جَمْعٍ من أهلها عام 1247ه.
سيخبرك عن وجوه المتعبين للبحث عن مقومات الحياة.
*عذرا إخوتي من أهل الكويت فلا أزايد عليكم في المعرفة بماضيكم، لكنها الحقيقة أن كثيرًا من هذا الجيل لا يبحث عن ماضيه، كل الدول حتى الحديثة منها ذات الأمد القصير تبحث عن ذلك الماضي وتفتخر به، أمامكم أمريكا تتحدث عن نشأتها وتاريخها الملوث بالدماء، فأنتم أولى بذلك منهم.. وألف شتّان..
وإنما سُقتُ هذه المقدمة تحفيزًا لأخي الكويتي لاستنهاض همّته واستثارة عزمه، فالخطر يحيق به والمؤامرات تُحاك بالليل والنهار.. والأعداء كُثُر، لكنني أرى أشدهم خطرًا على أرض الكويت أحفاد ابن العلقمي وورثة حقد إسماعيل الصفوي.
* وعن الأطماع الإيرانية في الكويت (وهي جزء من بلادي).. أتحدث.
* أُذكّركم بالحلم الفارسي في الخليج قاطبة، ذلك الذي عبّر عنه رئيس وزراء إيران “حلنجي ميرزا” في مذكرته، التي رد فيها على وزير الخارجية البريطاني، الذي نفى أحقية إيران في الخليج، قال فيها: “إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب إلى مسقط، بجميع جزائره وموانئه، بدون استثناء، ينتهي إلى فارس”.
اقرأ ماذا يقول الإيراني كيهان برزكار مدير مركز الأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط، يقول:
“لمنطقة الخليج أهميتها القصوى في التنمية والأمن ومصالح إيران القومية، وينبغي أن تكون على رأس نشاطات سياسة إيران الخارجية.
فالخليج هو الطريق الأساس لارتباط إيران بالعالم الحر، ولتصدير الطاقة، واستيراد البضائع، وحفظ أمن الطاقة، ونقطة الاتصال بآسيا الجنوبية والشرقية.
ومن ناحية أخرى، فإن حضور إيران الفعّال في القضايا السياسية والأمنية للخليج الفارسي، والعراق، والعالم العربي يزيد من قدرة إيران في القضايا الإقليمية، وفي علاقتها مع القوى الكبرى”.
* تلك هي أطماعهم في بلادكم يا أهل الخليج.. يا أهلي في الكويت.
لقد استثار قلمي للكتابة في هذا الشأن، خبرٌ قرأته منذ يومين، مفاده أن المُلحقية الثقافية للسفارة الإيرانية بالكويت أقامت دورة لتعليم اللغة الفارسية لعدد من الشُبّان العرب في الكويت، وأشارت إلى تزايد الإقبال عليها.
بل وصرّحت المستشارة الثقافية بأن المتفوقين من دولة الكويت ستُنظّم لهم رحلات مجانية إلى إيران..
ما هذه الغفلة يا بني قومي؟
تصدير الثقافة الإيرانية إنما هو أداة من أدوات القوّة الايرانية الناعمة، التي تزحف بها نحو عقول أبنائنا وبناتنا، لصياغة عقلية ونفسية جديدة تتماهى مع مبادئ الثورة الخمينية المشئومة، فكيف يتغافل أهلنا في الكويت عن تلك الأفعى الخبيثة؟
إيران تريد بذلك- كما قال الدكتور المُفكّر عبد الله النفيسي- كسْر عزلتها عن بلادنا، والتي ضُربت عليها بسبب اللغة والمذهب، فلُغتها الفارسية، ومذهبها الإمامية الاثنى عشرية، وهو ما يختلف معنا (أهل اللغة العربية والمذهب السني).
واقرأوا تلك السطور على الغافلين والمتغافلين عن الخطر الإيراني الرافضي في الكويت:
* حزب الدعوة العراقي الذي انتقلت عناصره إلى الكويت بعد أن كان مطاردًا من حزب البعث، جعل ينظم صفوف الطائفة الشيعية، سواء في الجمعيات أو الأندية أو بين الطلبة، حتى تشربوا بنزعة العنف، ومارسوه ضد البلد الذي ينعمون في خيره.
* عام 1983 استهدف الرافضة أذناب إيران بالتفجير، مطار الكويت ومحطة الكهرباء الرئيسية، ومجمعًا نفطيًا وآخر سكنيًا، فسقط 69 شخصًا ما بين قتيل وجريح.
* وفي نفس العام اختطفوا طائرة كويتية على متنها 500 راكب إلى مطار مشهد الإيراني.
عام 1989، أصدر المسؤول الإيراني أكبر محتشمي، أمرًا إلى حزب الله باختطاف طائرة كويتية قادمة من تايلاند، فقاد “عماد مغنية” العملية، واختطف الطائرة إلى مشهد، ثم إلى قبرص، وانتهت الرحلة في الجزائر، بعد أن أطلقوا النار على رأس اثنين من الكويتيين وألقوهما من الطائرة.
* تورط حزب الدعوة العراقي وحزب الله اللبناني بعمليات تفجير استهدفت أماكن عامة في الكويت، خلال عامي 1985 و1986.
* وذكِّروا بني قومي أن الطيران الإيراني قام بضرب مركز جوازات العبدلي على الحدود الكويتية العراقية.
* واسألوا حكام الكويت لماذا رُفعت الأعلام الأمريكية على ناقلات البترول الكويتية؟
سيخبرونكم أنها كانت لحماية الناقلات من التهديدات التي أطلقتها إيران في وسائل الإعلام، وصرّحت من خلالها بأنها سوف تضرب ناقلات البترول الكويتية.
* من لا يعرف الرافضي عباس المهري صهر الخميني، ذلك الفارسي الذي حصل على الجنسية الكويتية بدون وجه حق، هو ذلك الرجل الذي استخرج بطاقة للخميني عندما حاول دخول الكويت بعد مغادرته العراق.
هو ذلك الفارسي الذي ترأس وفدًا شعبيًا توجه لطهران بطائرة خاصة، لتهنئة الخميني بعد نجاح ثورته السوداء.
* اعتُقِل أحمد عباس المهري نجل الرافضي المذكور عام 1979م، على خلفية استغلاله مساجد الشيعة في التأليب على النظام وادّعاء مظلومية الشيعة.
وكان أول من استجاب له ودعمه هم الشيوعيون والقوميون والعلمانيون، والذين كانوا يشنون الهجوم على أهل السنة، وما زالوا (سكاكين مسمومة) في خواصر بلادنا العربية قاطبة..
* وإنما قدمتُ بهذه المقالة لأُخرى أسلّط فيها الضوء على النفوذ الإيراني في الكويت، وإلا فالملفّ ما زالت به أوراق لم نقلبها بعد..
وإن سألتم عن مصادرنا فالواقع والتصريحات الايرانية الوقحة مصدرنا الأول ثم ما حذّر به علماء وشرفاء أُمّتنا عبر كُتب حملت اسماءهم الحقيقة والمستعارة وسنذكرها بعد إتمام الملفات كاملة مع التعريف بكل كاتب ومُفكّر وعالمٍ من بلادي قوبلت غيرته بالتهميش بل وكانت مكافأة بعضهم الظلم والتشكيك والاعتقال وسحب الجنسية والإقصاء ..
سأحدثكم عن مظاهر النفوذ الفارسي المجوسي في الكويت.
عن توغل الشخصيات الرافضية الموالية لإيران في المؤسسات الحكومية الكويتية.
سأحدثكم دون مواربة عن موقف الحكومة من النفوذ الإيراني..
وعن الأنشطة الاستخباراتية الإيرانية داخل الكويت.
ولكن قبل ذلك وبعده، ما يعنيني هو أخي (الإنسان) الكويتي، الذي أطمع في أن يرى ذاته، ويستنهض عزمه ويستلهم من ماضيه القريب عزما أريبا يواجه به ذلك الخطر المجوسي الغاشم، فهو من نُعوّل عليه بعد المولى سبحانه، وليتني أُشعل لابن غوّاص اللؤلؤ قنديل همّته بتلك الكلمات.
أنت نشءٌ وكلامي شُعَلٌ علّ شدوي مُضرِمٌ فيكَ حريقًا
ليس في قلبيَ إلا أن أرى قطرةً فيك غدَتْ بحرًا عميقًا