في أحد الأحياء الشعبية المكتظة داخل منطقة التاجي العراقية، الواقعة داخل المثلث السني، ترجل 50 مسلحًا يرتدون الزي العسكري، واقتادوا عددا من المدنيين إلى جهة غير معلومة، لم يمض سوى ساعات حتى اكتشف الأهالي جثث المدنيين معصوبة العينين، ومصابة بعدد من الطلقات النارية.
مسلسل تكررت أحداثه على مدى العقد الماضي، وخاصة بعد حالة الاحتقان الطائفي بين السنة والشيعة التي نشأت في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003.
في عام 2006 ظهر مصطلح فرق الموت للمرة الأولى على الساحة العراقية، بعد عشرات من عمليات الإعدام التي تمت خارج نطاق القانون لمواطنين عراقيين سنة في مناطق مختلفة، وبعد أكثر من 11 عامًا عادت فرق الموت لتظهر من جديد، وتحت قيادة إيرانية.
خلال الأسابيع الماضية ترك العشرات من مقاتلي الحشد الشعبي العراقي، الذي تشكل بتوجيه من المرجعية الدينية الشيعية في العراق، كتائبهم التي كانوا ينضون تحت لوائها، وانطلقوا صوب فرق الموت الجديدة، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة القدس العربي عن مسئول عراقي رفيع المستوى.
وأضافت الصحيفة أن «أصل فكرة تشكيل فرق الموت الجديدة جاءت بالاتفاق بين نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، وقيادات في الحشد الشعبي، كاقتراح قدمه المالكي إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي وافق عليه مباشرة خلال اللقاء الذي جمعهما في طهران قبل حوالي أربعة أشهر».
وتؤكد القدس العربي أن: «أولى فرق الموت تم نشرها لتمارس مهامها في كل من الفلوجة والرمادي وهيت في الأنبار، وحزام بغداد وسامراء، إضافة إلى المناطق المحررة في الموصل، كما سيتم نشر مجموعة جديدة من فرق الموت في كركوك خلال الأيام المقبلة وفي قضاء طوزخورماتو أيضا».
وبينت الصحيفة أن هذه الفرق ستنفذ عمليات تصفية واغتيالات لضباط من الجيش السابق شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية، وقيادات العرب السُنّة التي ترفض النفوذ الإيراني وتعترض على السلوك الطائفي للحشد الشعبي، مؤكدة أن فرق الموت تسلمت قوائم بأسماء من ستتم تصفيتهم حسب وجودها في كل منطقة من مناطق انتشارها الحالية.
مدنيو الموصل بين مطرقة تنظيم الدولة وسندان فرق الموت
تأكيدات صحيفة القدس العربي، حول نشر فرق الموت في المناطق المحررة من الموصل، تعيدنا إلى العاشر من شهر أبريل الماضي، حين بثت فضائية الجزيرة القطرية فيديو لعدد من الجنود العراقيين أثناء قيامهم بتصفية مدنيين عراقيين في الموصل، بالرغم من أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال في تصريح سابق له مع بدء معركة الموصل إن القوات العراقية تهدف إلى الحفاظ على المدنيين.
ادعاءات رئيس الوزراء العراقي ذهبت أدراج الرياح بعد تسجيل منظمتي هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية لمئات الانتهاكات ضد مدنيي العراق.
وبالرغم من نص عدد من الاتفاقيات الدولية، ومن بينها اتفاقية جنيف لحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة، على تجريم الاعتداء على المدنيين في أوقات النزاعات، فإن فرق الموت الطائفية في العراق لجأت إلى استهداف المدنيين العراقيين، مستفيدة من الغطاء الذي وفرته وزارة الداخلية العراقية لها، وهو ما أكدته بعثة الأمم المتحدة للعراق.
وأكدت بعثة الأمم المتحدة في العراق، في تقريرها الصادر نهاية شهر أغسطس من العام 2006، أن بعض فرق الموت والمليشيات الطائفية مرتبطة بقطاعات من الشرطة وقوات الأمن العراقية.
وذكر تقرير أممي آخر للبعثة أن القوات متعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق ألقت القبض على 22 من قوات الشرطة الخاصة يستقلون شاحنة ومعهم رجل كانوا سيعدمونه.
رجال صدام في مرمى النيران، وتوجيهات إيرانية
لم يقتصر عمل فرق الموت في العراق على استهداف المدنيين، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى اغتيال عدد من رجالات نظام صدام في مناسبات مختلفة، من بينهم اللواء صالح محمد صالح أحد المسئولين السابقين في جيش صدام في مدينة البصرة، كما تلقى مكتب حقوق الإنسان التابع للبعثة في وقت سابق عددًا من التقارير حول اغتيال أعضاء في سلاح الجو العراقي، وأعضاء سابقين في حزب البعث.
وفي هذا السياق تشير صحيفة القدس العربي إلى أن فرق الموت الجديدة ستنفذ «عمليات تصفية واغتيالات لضباط من الجيش السابق شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية، وقيادات العرب السُنّة التي ترفض النفوذ الإيراني وتعترض على السلوك الطائفي للحشد الشعبي.
وأوضحت الصحيفة أن «فرق الموت تسلمت قوائم بأسماء من ستتم تصفيتهم حسب وجودها في كل منطقة من مناطق انتشارها الحالية».
وستركز فرق الموت، وفقا للمسئول العراقي الذي تحدث لـ«القدس العربي»، في مرحلة لاحقة على «تصفية أساتذة الجامعات وأئمة المساجد السُنّية وضباط حاليين في الجيش والشرطة والأمن الوطني من العرب السُنّة، إضافة إلى شيوخ العشائر والنشطاء في مجالي الإعلام والسياسة الذين يروجون لإقليم سنّي أو تشكيل حرس وطني خاص بالسُنّة».
مع اندلاع المواجهات الطائفية في العراق بعد سقوط نظام صدام اتهم عدد من التقارير الصحفية نظام الملالي في إيران بدعم فرق الموت والمليشيات الطائفية الأخرى.
كما اتهم جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وفيلق بدر الذي يقوده الوزير العراقي السابق المقرب من إيران هادي العامري، بالانخراط في تصفية مدنيين سنة.
ومع اندلاع معارك استعادة المدن العراقية من قبضة تنظيم الدولة ظهر قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مناسبات عديدة داخل العراق، وبخاصة على الجبهات المشتعلة مع تنظيم الدولة في ديالى والفلوجة ونينوى.
ونشرت حركة النجباء العراقية الشيعية، عبر صفحتها الرسمية «الإعلام الحربي»، صورا لسليماني برفقة هادي العامري أثناء التخطيط لاسترداد الفلوجة من تنظيم الدولة الإسلامية.
وتنخرط إيران في دعم المليشيات الشيعية العراقية منذ الإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وحتى الآن، بحسب تقارير صحفية وحقوقية مستقلة.
(إضاءات)