يقول سقراط: "الرجال العظام لا يتشبثون بالمناصب، لأنهم يدركون أن الرسالة أثمن من الكرسي".
وفي زمنٍ تتباين فيه المواقف وتُختبر فيه المروءات، يبقى بعض الرجال عنوانًا للثبات والمسؤولية وإنكار الذات، لا تهزهم العواصف ولا تُغريهم الأضواء. من بين هؤلاء يبرز اسم النائب علاء عابد، الذي شكّل خلال مسيرته البرلمانية الممتدة على مدار دورتين متتاليتين (2015 - 2020 و2020 - 2025) نموذجًا استثنائيًا للنائب الوطني، الواعي بقضايا وطنه، المؤمن برسالة البرلمان ودوره في حماية الدولة المصرية وصون مصالح شعبها.
رجل الدولة والتشريع
منذ أن وطأت قدماه قاعة البرلمان في عام 2015، حمل علاء عابد على عاتقه مسؤولية تشريعية ورقابية جسيمة. لم يكن نائبًا باحثًا عن الظهور أو المجد الشخصي، بل كان صوتًا للوطن، ودرعًا لحماية الدولة من محاولات العبث بأمنها واستقرارها.
ساهم في إعداد ومناقشة عشرات القوانين التي استهدفت دعم الأمن القومي، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتمكين الشباب والمرأة، وإصلاح المنظومة الاقتصادية في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر.
وفي برلمان (2020 - 2025)، واصل المسيرة بخبرة القائد وإخلاص المخلص، فكانت مداخلاته تحت القبة مدرسة في المنهجية السياسية والفكر الوطني، يجمع فيها بين عمق الرؤية وقوة الحجة وبلاغة الكلمة، واضعًا نصب عينيه مصلحة مصر فوق أي اعتبار.
فارس حقوق الإنسان
في مرحلةٍ شهدت هجماتٍ ممنهجة على مصر من منصاتٍ تدّعي الدفاع عن الحقوق وهي أبعد ما تكون عنها، وقف النائب علاء عابد في وجه الريح، ليُفند بالأدلة والحقائق كل الأكاذيب التي حاولت النيل من صورة الدولة المصرية.
بوصفه رئيسًا للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، حوّل اللجنة من إطارٍ شكلي إلى منبرٍ وطنيٍّ فاعلٍ يدافع عن الوطن ويحمي كرامة المواطن.
وقف في مجلس حقوق الإنسان بجنيف كالأسد، شامخًا، متحديًا موجات التضليل، مفندًا الادعاءات المغرضة بحججٍ دامغةٍ وبلغةٍ عقلانيةٍ راقية، مؤكدًا أن مصر لا تُدرّسها لجان دولية في حقوق الإنسان، بل تُدرّس هي للعالم كيف تصون الإنسان في مواجهة الإرهاب والفوضى.
لم يكتفِ بالكلمات، بل نزل إلى الميدان، فزار السجون وأقسام الشرطة ومراكز الإصلاح، ليتأكد بنفسه من تطبيق معايير العدالة والكرامة الإنسانية، وأطلق مبادرات إنسانية غير مسبوقة لدعم الفئات الأكثر احتياجًا، حتى أصبحت لجنة حقوق الإنسان في عهده سندًا وظهرًا لكل مواطن مصري، لا شعارًا على ورق.
إنجازات النقل والمواصلات
وفي محطةٍ أخرى من مسيرته البرلمانية، تولى النائب علاء عابد رئاسة لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، فقادها برؤية استراتيجية تنموية جعلت منها لجنةً فاعلة تربط بين الرؤية التشريعية ومقتضيات التنمية الشاملة للدولة المصرية.
تابع ملفات التطوير والتحديث في منظومة النقل بكل دقة، من السكك الحديدية إلى الطرق والكباري والموانئ، واضعًا نُصب عينيه هدفًا واحدًا، هو أن تصبح مصر مركزًا لوجستيًا متكاملًا يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب.
كان حريصًا على دراسة الاتفاقيات الدولية والمنح والقروض الموجهة لقطاع النقل، بمنطق الدولة الواعية التي تعرف كيف تُوازن بين التنمية والسيادة، فناقش، وراجع، وطلب الإيضاحات، ليضمن أن كل اتفاقٍ يُبرم يصب في مصلحة المواطن ويُسهم في بناء بنية تحتية حديثة تُواكب العصر.
همٌّ قومي وعروبةٌ أصيلة
لم تكن مصر وحدها في وجدان علاء عابد، بل كان قلبه متسعًا للعروبة كلها، يقرأ الأمن القومي المصري من منظور إقليمي شامل، مؤمنًا بأن أمن القاهرة يبدأ من غزة ودمشق وصنعاء وطرابلس والعراق.
وقف دائمًا مدافعًا عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة المركزية، مؤكدًا في أكثر من مناسبة أن "من يتهاون في فلسطين يتهاون في شرف العروبة"، داعيًا إلى دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة ضد الاحتلال، وكان صوته قويًا في مواجهة كل من يحاول النيل من ثوابت الأمة أو اللعب على وتر الفرقة بين شعوبها.
ثقة القيادة وحب الناس
لم يأتِ احترام القيادة السياسية لعلاء عابد من فراغ، بل كان ثمرة أداء متوازن ومسؤول، يضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار، ويجسد في سلوكه وقناعاته ما تعنيه الدولة الحديثة من انضباط والتزام ورؤية.
كما حاز محبة الناس بصدقه وتواصله الدائم مع المواطنين في دائرته وخارجها، لا يغلق بابه أمام أحد، ولا يتأخر عن قضية أو مطلب جماهيري. كان يرى أن النائب الحقيقي ليس من يجلس في مكتبه ينتظر الشكاوى، بل من ينزل إلى الشارع ويعيش هموم الناس ويعمل على حلها.
ولأن العمل الوطني لا يقتصر على القاعات الرسمية ولا تُقاس الوطنية بالمنصب وحده، فقد كان النائب علاء عابد حاضرًا في ميدان المجتمع، صانعًا للصلح، حريصًا على السلم الأهلي، ساعيًا إلى حقن الدماء بين أبناء الوطن الواحد.
منذ عام 2009 وحتى اليوم، جعل من الإصلاح بين الناس رسالة إنسانية لا تقل قداسة عن عمله التشريعي، فعقد جلسات صلح بين العائلات، وتدخل بحكمته وحنكته في النزاعات القبلية والريفية، مقدمًا الأكفان بيده رمزًا للصفح والتسامح وإنهاء الخصومات.
كان يرى أن أقصر الطرق إلى استقرار الدولة هو سلام المجتمع، وأن حقن الدماء لا يحتاج إلى قوانين بقدر ما يحتاج إلى قلبٍ مؤمنٍ ومسؤولٍ شجاع.
بجهوده، أُغلقت صفحات كثيرة من الثأر، وتحولت المآتم إلى مجالس محبة، فاستحق عن جدارة أن يُلقب بـ "رجل السلام الاجتماعي" الذي جمع بين صرامة القانون ورِقة الضمير.
خصوم الوطن
لم يسلم علاء عابد، كغيره من رجالات الوطن المخلصين، من حملات التشويه والافتراء التي دبرها المغرضون. فهاجمه الحاقدون، ونسجوا حوله الأكاذيب، ظنًا منهم أنهم ينالون من قامته أو يُثنونه عن طريقه.
لكن الرجل أدرك مبكرًا ما قاله إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله:
"إذا لم تجد لك عدوًا، فاعلم أنك تسير في طريقٍ خاطئ".
ولأن علاء عابد كان دائمًا في صف الوطن، فقد وجد أعداء الوطن ينهشون فيه مثل الكلاب المسعورة، بينما ظل هو ثابتًا كالجبل الأشم، شامخًا كطودٍ لا تهزه الريح، أسدًا جسورًا يزأر دفاعًا عن مصر وأمنها القومي.
الترجل في قمة العطاء
وفي خطوةٍ نادرةٍ في المشهد السياسي، أعلن علاء عابد ترفعه عن الترشح لدورةٍ جديدة، مفسحًا المجال أمام جيل الشباب ليواصلوا المسيرة. لم يترجل عن التعب أو العجز، بل ترجل وهو في قمة عطائه التشريعي والسياسي والشعبي، في قمة احترام الناس وثقة الدولة، ليؤكد أن القيادة الحقيقية ليست في التمسك بالمناصب، بل في صناعة جيلٍ جديدٍ يحمل الراية من بعده.
لقد أدرك أن الأمم لا تبنى إلا بتجديد دمائها، وأن خدمة الوطن لا ترتبط بمقعد أو موقع، بل بروحٍ مؤمنةٍ وعطاءٍ دائمٍ متجدد. فاختار أن يكون المثال لا القول، وأن يترك في السياسة درسًا بليغًا في الإيثار ونكران الذات.
هكذا تكون الرجال
علاء عابد هو النموذج الذي تحتاجه الأوطان في زمن التحديات؛ رجلٌ جمع بين القوة والحكمة، بين الانتماء والإنجاز، بين القيادة والتواضع.
ولأنه من طينة الرجال الذين لا يبدلهم المنصب، سيبقى حاضرًا في ذاكرة العمل الوطني كواحدٍ من رموز البرلمانية المصرية الحديثة، الذين صاغوا تشريعات الوطن بضميرٍ حي، ووقفوا في وجه العاصفة بصلابةٍ وإيمان.
هكذا تكون الرجال... وهكذا يُصنع التاريخ.
* رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية