الجمعة, 22 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

شريف عبد الحميد يكتب: من الخميني إلى خامنئي.. 43 عامًا من حكم «دولة الإعدامات»

آراء وأقوال - | Sun, Mar 13, 2022 4:02 AM
الزيارات: 3713
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

في مذكراته بعنوان "أيام العزلة"، يقول محمد صادق خلخالي المُلقب بـ "سفاح الثورة الإيرانية": "كنت حاكمًا للشرع، وقمت بمحاكمة وإعدام 500 من المجرمين وعملاء نظام الشاه، بعد أيام قليلة من قيام الثورة، كما أعدمت المئات من المتمردين في كردستان وخوزستان (الأحواز)، وعدد من مهربي المخدرات. وإنني أمام هذا العدد الكبير من المعدومين، أقف غير آسف ولا نادم، وضميري مرتاح"!

وأضاف "خلخالي" أنه بعد أن تلقى الأمر من الخميني، بدأ بمحاكمة المجرمين من "الدرجة الأولى"، وكان أول الأشخاص الذين جرى محاكمتهم تنفيذ حكم الإعدام في حقهم، هم: رئيس جهاز "السافاك" نعمة الله ناصري، وقائد القوات الجوية منوتشهر خسروداد، والحاكم العسكري في أصفهان رضا ناجي، والحاكم العسكري في طهران والقائد العام للشرطة في البلاد مهدي رحيمي. تم تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق هؤلاء الأربعة في مساء يوم 16 فبراير/شباط 1979، على سقف مدرسة "الرفاه"، وهذه كانت أول حالات الإعدام في النظام الجديد.

وبأمر مباشر من الخميني، أصدر "خلخالي" كذلك أحكام إعدام بحق العديد من الأشخاص، الذين حكم عليهم بالموت من قبل محكمة الثورة، بتهمة "الإفساد في الأرض"، وهي تعني "المعارضة" في القاموس السياسي الإيراني بعد الثورة.

وبعد نجاح الثورة، أصدر "خلخالي" عددًا آخر من أحكام الإعدام الغيابية بحق الكثير من مسؤولي النظام السابق ورموز الحكومة "البهلوية"، تحت مسمى "الإفساد في الأرض" أيضًا، كما سعى إلى اغتيال بعضهم في الخارج.

مذبحة الإعدامات الجماعية

ما إن استقر الأمر لنظام الملالي، بقيادة الخميني، حتى شعر المواطن أن النظام الجديد لم يتخلص من الإرث الديكتاتوري لنظام الشاه السابق، بل عمل على تبنيه وتطويره، باعتماد "مقصلة الإعدامات" حتى بلغت إيران المركز الثاني عالميًا، من حيث عدد حالات الإعدام حول العالم.

وبلغت الإعدامات في عامي 1984 و1985 نحو 500 و470 حالة على التوالي، وهذا المعدل استمر في العامين التاليين أيضًا، حيث استخدم نظام الملالي المشانق لإرهاب أي معارضة سياسية لحكم "آيات الله" المزعومين.

وفي عام 1988 ارتكب النظام الإيراني مجزرة بشعة ضد المعارضين السياسيين، حيث تم إعدام الآلاف منهم، خاصة المنتمين إلى منظمة "مجاهدي خلق". وفي هذا الصدد، ذكر حسين علي منتظري، الذي كان نائبًا للخميني قبل أن يغضب عليه ويقيله من منصبه، في مذكراته رقمًا يبلغ نحو 3500 شخص تم إعدامهم بدم بارد.

ولدى الحديث عن "مجزرة الإعدامات الجماعية" عام 1988، فهناك تفاوت كبير في الأرقام التي تتحدث عن هذه المذبحة، حيث تتأرجح هذه الأرقام بين ألف شخص كحد أدنى، و12 ألفًا في الحد الأقصى، بينما تحدثت بعض التقارير عن أن الرقم تجاوز 30 ألف شخص.

وأعلنت "منظمة العفو الدولية" قائمة تتحدث عن قرابة 2500 شخص تم إعدامهم آنذاك في إيران، فيما نشرت منظمات حقوقية أسماء ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص. وعمومًا، يدل هذا التباين في الأرقام على أن حالات الإعدام كانت كثيرة للغاية، مما يصعب رصدها بشكل دقيق.

وكان النظام الإيراني يطرح بعض الأسئلة على السجناء قبل محاكمتهم من بينها: هل أنت على استعداد لإدانة "مجاهدي خلق" عبر مقابلة تلفزيونية؟ هل أنت على استعداد لوضع حبل المشنقة حول رقبة أحد المنافقين؟ هل أنت مستعد لأن تقوم بتطهير الحقول الملغمة من الألغام ليتقدم "جيش الإسلام" في اتجاه العراق؟!

وكانت إجابة سلبية واحدة على أي من هذه الأسئلة، تعني الحكم بإعدام ذلك الشخص، وبالتالي أخفق الآلاف من هؤلاء الناشطين في تجاوز هذا الاختبار العصيب. وكانت الخطوة التالية نقلهم إلى غرف أخرى ليقوموا بكتابة "وصاياهم" الأخيرة قبل تنفيذ أحكام الإعدام فيهم.

وإذا كان النظام الإيراني في عهد خامنئي، يزعم أن هذه الإعدامات لم تكن بدوافع سياسية بحتة، فلماذا تُحاط هذه الإعدامات حتى الآن بهالة من السرية؟ ولماذا لا توجد شفافية عندما تتم المطالبة بالتحقيق في وفاة أو مقتل هذا الناشط أو ذاك داخل المعتقلات والسجون؟ ولماذا لم يُسمح للمراقبين المستقلين بحضور المحاكمات؟ ثم لماذا مُنع المحامين من لقاء موكليهم بحرية والوصول إلى الملفات الخاصة بهم؟

الحقيقة أن النظام نفذ عمليات الإعدام تلك في الخفاء، وبعيدًا عن أعين المنظمات الأهلية والمستقلة. ولعل مقبرة "خاوران" خير شاهد على الإعدامات الجماعية التي شهدتها إيران خلال تلك الحقبة، إضافة إلى شهادات من نجوا بطريقة أو بأخرى من تنفيذ تلك الأحكام.

ولا تزال المئات من عائلات الذين أعدموا خلال تلك الحقبة، يستجدون الحكومة لتحديد أماكن دفن ذويهم على أقل تقدير، دون أي تجاوب يذكر من قبل السلطات الإيرانية.

الجريمة ماتزال مستمرة

الإعدامات في إيران سياسية وغير سياسية، جريمة مستمرة منذ 43 عامًا، أي انتصار الثورة عام 1979، مرورًا بمجزرة المعارضين مع نهاية الحرب "العراقية- الإيرانية"، وصولًا إلى الإعدامات التي أظهرت وجهًا آخر للحكومة السابقة برئاسة حسن روحاني، التي كانت توصف بـ "الإصلاحية والمعتدلة"، مقارنة بسلفه محمود أحمدي نجاد المحسوب على التيار الأصولي المتشدد.

ويبدو أن القاسم المشترك بين موسوي الخميني، أول مرشد للثورة الإيرانية، والمرشد الحالي علي خامنئي، هو العدد الهائل من الإعدامات التي نُفذت في عهدهما. وكان الضحايا في العهديّن، هم المعارضين السياسيين وأهل السنة وأبناء الأقليات القومية والعرقية، فضلًا عن مرتكبي الجرائم الجنائية بأنواعها، الأمر الذي جعل إيران "دولة الإعدامات" بامتياز.  

ويؤكد الخبراء تصاعد معدل تنفيذ عقوبة الإعدام في إيران مؤخرًا، حيث ارتفع هذا المعدل في عام 2021 بنحو 26%. وبينما يقول ناشطون حقوقيون إن 88% من حالات تنفيذ الإعدام غير معلنة رسميًا، لا تزال إيران من بين أعلى الدول تنفيذًا للإعدامات، رغم الضغوط الدولية المستمرة على طهران لإلغاء هذه العقوبة، دون جدوى.

وتم إعدام 299 شخصًا عام 2021. ومثلت الجرائم المتعلقة بالمخدرات نسبة 40% من مجمل عمليات الإعدام في إيران، التي استهدف بعضها مدانين لم يبلغوا السن القانونية، مع العلم أن 88% من عمليات الإعدام في إيران وفق المنظمات الحقوقية الدولية غير معلنة، رسميًا، ما يثير الشكوك بأن تكون أعداد الإعدامات الحقيقية أعلى من المعلن عنه.

وعقوبة الإعدام في إيران، هي أقسى عقوبة يمكن أن تصدر ضد مرتكبي الجرائم التي تعتبرها سلطات نظام الملالي "خطيرة". ووفق جماعات حقوق الإنسان، تحتل إيران من حيث الكثافة السكانية، المرتبة الأولى في العالم لإعدام مواطنيها، في حين أن أكثر من 72% من عمليات الإعدام تُنفذ سرًا.

وقُدر عدد الإعدامات التي نُفّذَت خلال فترة حكم الرئيس السابق حسن روحاني (2013-2021) بنحو 4300 إعدام، بينها 246 حالة إعدام عام 2020 وحده. وسجّلَت بذلك إيران رقمًا قياسيًا على مستوى العالم في الإعدامات مقارنة بعدد سكانها، واحتلّت المرتبة الثانية في العالم بعد الصين.

ويلجأ النظام الإيراني، سواء في عهدي الخميني وخامنئي، إلى تطبيق عقوبة الإعدام، رغم المناشدات الدولية بإلغائها، من أجل التخلص من المعارضين، وسعيًا إلى بسط السيطرة بالقوة والقمع، وتشفيًا في القوميات غير الفارسية، وخاصة العرب في الأحواز، وأهل السُنة، وكأن مسؤولي هذا النظام البربري يتلذذون بمشاهدة أجسام المعدومين، وهي تتأرجح في الهواء.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يصر النظام الإيراني على تنفيذ عقوبة الإعدام للتخلص من معارضيه السياسيين، والرافضين لمعتقداته السياسية الخاطئة؟ ومتى يتوقف عن الإعدامات التي ينفذها على أساس طائفي وعنصري ضد القوميات غير الفارسية، وخاصة الأحواز والبلوش والأكراد وغيرهم، لمجرد مطالبتهم بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية والسياسية المشروعة؟!

* رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت