الخميس, 21 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

رحلة إلى أصفهان

آراء وأقوال - د. مصطفى اللباد | Fri, Mar 17, 2017 4:15 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

تستغرق الرحلة نحو ساعة من العاصمة طهران إلى أصفهان، قبل أن تهبط في مطار أصفهان الدولي الواقع في شمال شرق أصفهان، الذي يربط بين المدينة وبقية المدن الإيرانية. تمتاز أصفهان بلطف المناخ، لأنها تقع بجوار سلسلة جبال زاغروس الضخمة، ويصب نهر زاينده رود (النهر الخالد) إلى الشرق منها. مناخها لطيف وهطول الأمطار فيها قليل. تحوي أصفهان ـــ بالإضافة إلى مزارعها الخضراء ـــ مواقع مهمة للصناعات النفطية، ومصانع النسيج، وتشتهر بسجادها الفاخر الرقيق السماكة والغالي السعر، ويبلغ عدد سكان المحافظة أربعة ملايين شخص، في حين يبلغ عدد سكان عاصمتها نحو مليوني شخص. تناهز مساحة أصفهان نحو مئة ألف كيلو متر مربع، وهي المدينة الثانية من حيث العدد السكاني والأهمية الاقتصادية والسياسية بعد العاصمة طهران، وسكانها مشهورون بين الإيرانيين بالحرص على الأموال وادخارها.

تتجاور في أصفهان، التي اشتهرت بوصفها نصف جهان (نصف العالم بالفارسية)، الديانات السماوية الثلاث (الإسلامية والمسيحية واليهودية)، بالإضافة إلى الزرادشتية، والأخيرة هي ديانة إيران القديمة قبل الإسلام. منذ انتصار الفاتحين العرب على كسرى يزدجرد الثالث، آخر ملوك الساسانيين، حوالي عام 20 هجرية، أي بعد فتح القدس بثلاث سنوات، تقدّمت أصفهان لتحتل مكانها المميز بين المدن الإيرانية المختلفة، حيث يفتخر سكان أصفهان بأن الصحابي الجليل سلمان الفارسي كان من مدينتهم.

أصفهان هي الحاضرة الكبيرة الواقعة في وسط الجغرافيا الإيرانية بين مدينتي طهران وشيراز، ومرد أهمية المدينة أنها الوعاء التاريخي الأقرب إلى الوجدان الفارسي، وهي الحاوية لآثار الدولة الصفوية التي حكمت إيران منذ مطلع القرن السادس عشر وحتى الثلث الأول من القرن الثامن عشر. 
وكانت أصفهان عاصمة الصفويين الأثيرة، باعتبارها ـــ وكما تقول المصادر التاريخية ـــ «لسان الزمان وبهجة المكان». وعلى الرغم من أن مدينة أصفهان العريقة شيدت عام 500 قبل الميلاد، فإن معناها التاريخي المتجدد ودلالاتها السياسية باعتبارها عاصمة الصفويين ما زال حاضراً في الذاكرة الوطنية الإيرانية. ربما لم تترك سلالة حاكمة طابعها وتأثيرها في إيران مثلما فعلت الدولة الصفوية. فمنذ الفتح الإسلامي وحتى قيام تلك الدولة، لم تنهض إيران حاضرة كبيرة في محيطها الجغرافي مثلما نهضت في عصر الصفويين. ومنذ زوال دولة الصفويين لم تعد لأصفهان مكانتها وتميزها؛ حيث فقدت دورها كعاصمة لمصلحة نيسابور أولاً ثم طهران لاحقاً.

يعود السبب في اختيار الصفويين أصفهان عاصمة لملكهم بدلا من مدينة قزوين التي بدأوا بها كعاصمة إلى أن أصفهان تبعد عن الإمبراطورية العثمانية مقارنة بقزوين، وهو اعتبار له أهميته الاستراتيجية الفائقة، لأن ذلك سيجعل عاصمة الصفويين بمنأى عن الغزوات العثمانية. كما أن أصفهان تقع في حضن الجبل، وبحيث يصعب فتحها، مقارنة بمدينة قزوين عاصمتهم الأولى، وأخيراً لأن المدينة تقع على طريق القوافل التجارية إلى الهند. تقول المراجع التاريخية إن منجّمي ذلك الزمان اعتقدوا بكارثة ستحل على مدينة قزوين؛ فأخبروا الشاه عباس الذي قرر نقل العاصمة بعيداً عن قزوين، ولكن الاعتبارات الاستراتيجية والتجارية تبدو عند تقليب النظر في الأمور الأساس لانتقال العاصمة إلى أصفهان. 

ولم يكتف الصفويون بتغيير العاصمة فقط، بل ذهب خيالهم إلى أبعد من ذلك بكثير، حتى وصل إلى رمزية العلم الإيراني وتصميمه المميز؛ فنرى ملوك الأساطير الإيرانية في «الشاهنامه» ــــ ملحمة فردوسي الأشهر ــــ قد صمّموا أعلامهم بالشمس والأسد الذي يمسك بيده سيفاً. وعندما جاء الشاه عباس الكبير الصفوي إلى حكم إيران وانتقلت عاصمة الملك إلى أصفهان، أعاد الاعتبار إلى العلم الإيراني؛ فاختار الشمس والأسد مرة أخرى. ويرتبط هذان الرمزان بمدينة أصفهان حتى اليوم؛ وهو ما تجده منقوشاً بوضوح على الصنائع اليدوية الأصفهانية الجميلة.

ومثلما كان إعلان التشيّع مذهباً رسمياً لإيران، وانتقال إيران من مذهب السنة إلى مذهب الشيعة بقرار من الشاه الصفوي، يستهدف تكريس التناقض مع الإمبراطورية العثمانية، فقد كان اختيار الشاه الصفوي أيضاً الشمس رمزاً للعلم الفارسي بهدف سياسي عميق، وذلك حتى يرسخ التصادم الرمزي مع القمر الذي زين علم الدولة العلية العثمانية.

ما زال التاريخ حاضراً بقوة في أصفهان، وما زال الصراع بين إيران وتركيا حاضراً في التاريخ وفي الواقع، وفي دول الجوار!

المصدر

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت