على مدى 10 سنوات على الأقل موّل رجل الأعمال العراقي خميس الخنجر الساسة والمقاتلين السنة على حد سواء.
والآن يريد أن يستخدم ثروته التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات لإقامة منطقة حكم ذاتي لسنّة العراق.
ويمثّل تحوّل الخنجر من وسيط في عقد الاتفاقات من وراء الكواليس إلى شخص يطمح في أن يكون بطلاً مدافعاً عن حقوق السنة علامةً على الشقاق السياسي المستمر بالعراق.
وتركز الأحزاب والفصائل الشيعية المسلحة هذه الآونة على صراعاتها الداخلية على السلطة أكثر من السعي للتوصل إلى تسوية سياسية مع السنة. وتقول عشائر سنية لمسؤولي الأمن والساسة أنها تحت رحمة تنظيم الدولة الإسلامية السني المتشدد والفصائل الشيعية المسلحة على حد سواء.
بديل للسنة
ويقول الخنجر المقيم في دبي أنه يقدم بديلاً: ألا وهو اتحادٌ يدير فيه كل من السنة والشيعة والأكراد مناطقهم في البلاد دون تقسيمها رسمياً. ويرى الخنجر وشركاء في تحالفه أنه إذا أنشئت منطقة سنية اتحادية فإنها ستجتذب استثمارات بالمليارات من دول الخليج العربية وتركيا.
وفي الأسبوع الماضي أعلن الخنجر المنتمي لمدينة الفلوجة السنية في كلمة بثها التلفزيون أنه سيشكل فريقاً للتحقيق في "الانتهاكات المنهجية التي تقوم بها" الفصائل الشيعية ومن بينها "إعدامات خارج إطار القانون" و"تدمير الممتلكات الخاصة أو نهبها" إلى جانب عدد من الانتهاكات الأخرى المزعومة لحقوق الإنسان.
وأضاف أن الحكومة العراقية تصر "على توفير الغطاء السياسي للميليشيات والإنكار المستمر للانتهاكات المنهجية التي تقوم بها."
وتنفي الحكومة باستمرار ضلوع القوات الحكومية في جرائم قتل أو خطف وقالت أنها تسعى لإلقاء القبض على العصابات الإجرامية التي تقف وراء هذه الأعمال.
وخلال العام الأخير قام رجل الأعمال الذي يحيط به دائماً مجموعة من المساعدين وحراس أمن بريطانيون بعددٍ من الزيارات لشمال العراق. لكن زياراته تقتصر على كردستان لأنه يقول إن حياته معرضة للخطر من الدولة الإسلامية والقوى المدعومة من إيران في أجزاء أخرى من البلاد.
كما يدفع 65 ألف دولار شهرياً لمؤسسة مقرها واشنطن العاصمة يديرها مسؤولون سابقون في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون للترويج لقضيته في الولايات المتحدة.
زعزعة الاستقرار
ويسخر الزعماء الشيعة الحاكمون منه بوصفه انتهازياً يسعى لزعزعة الاستقرار. ووصف جبار العبادي عضو البرلمان عن حزب الدعوة الذي ينتمي له رئيس الوزراء مسعى الخنجر لحصول السنة على حكم ذاتي بأنه دعوة لتمزيق العراق.
ووصف خصوم سنة للخنجر رجل الأعمال بأنه يروّج لنفسه ويتهمونه بتقديم تعطّشه للسلطة على استقرار العراق.
ويتيح له ثراؤه ميزة ساعدته في تمويل ائتلافات سياسية وانتفاضات عشائرية وإذكاء احتجاجات على مستوى البلاد. ويسعى ساسة من السنة والشيعة على حد سواء لكسب وده من حين لآخر بما في ذلك بعض ممن يزدرونه.
ويقول دبلوماسيون أميركيون سابقون إن ثروة الخنجر الضخمة وعلاقاته الوثيقة بدول الخليج العربية وتركيا تسمح له بأن يكون قوة سرية ومستمرة على الساحة السياسية العراقية.
وقال مسؤول أميركي سابق "سيلعب الخنجر لحساب أي طرف ليحقق منفعة لنفسه."
وأضاف "السؤال هو: هل يريد فعلاً أن يكون له تأثير على بلده لكي يصبح أفضل؟ أم أنه فقط يحمي ويوسع شبكات أعماله؟ أم هي مجرد لعبة يلعبها ملياردير؟"
وهذا أمرٌ مهم لأنه على مدى السنوات العشر الأخيرة قلصت عمليات الاغتيال التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل الشيعية المسلحة والصراعات السياسية أعداد الساسة السنة الصاعدين.
لديه رؤية
وقال الدبلوماسي الأميركي السابق علي خضري الذي عمل في بغداد من عام 2003 إلى عام 2010 "الخنجر من الشخصيات السنية القليلة جداً المتبقية التي تملك الرؤية والفكر والمال وإن كان ليس مثالياً في بلد يعاني من العنف والطائفية والفساد."
ويحيط الجدل بتاريخ الخنجر. ويقول مقاتلون سنة سابقون بالعراق إنه ساعد في تمويل العمليات المسلحة المناهضة للولايات المتحدة التي بدأت بعيد الغزو الذي قادته في 2003. ويقولون إنه فيما بعد ساند انتفاضة العشائر السنية المدعومة من الأميركيين والتي ساهمت في القضاء على تنظيم القاعدة في العراق.
ويقول الخنجر إنه ساعد عام 2010 في تأسيس إحدى القائمتين السياسيتين الرئيسيتين في الانتخابات العامة العراقية. وبعد ذلك بثلاثة أعوام ساعد في تمويل احتجاجات للسنة على مستوى البلاد ضد حكومة بغداد.
ووصف عزت الشابندر وهو سياسي شيعي تفاوض مع الخنجر خلال عملية تشكيل الحكومة العراقية عام 2010 رجل الأعمال الثري بأنه الرجل الذي كان ينبغي للأحزاب الشيعية أن تتحدث إليه في وقت سابق من العقد الحالي.
وقال الشابندر إن الخنجر كان يملك النفوذ والثروة لكنه حذر من أن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية يعني أنه سيكون من الصعب على الخنجر أن يكون الرجل القوي للسنة اليوم بلا منازع.
ويقدّر صافي ثروة الخنجر بمئات الملايين من الدولارات. وله أنشطة في مجالات التصنيع والمصارف والخدمات المالية والعقارات التجارية والسكنية في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا.
ويقول منتقدون له من مقاتلين سابقين إلى ضباط مخابرات عراقيين سابقين إن عائلته كونت ثروتها من خلال إنشاء شركات واجهة لرجال نظام صدام حسين في التسعينيات. ويتهمون الخنجر بالاستيلاء على أصول شركائه بعد غزو 2003 وهي اتهامات ينفيها.
ولدى سؤاله عن إجمالي ثروته ضحك الخنجر وقال إن الله أكرمه كثيراً.
مشاكل لا حصر لها
وفي وقت سابق هذا العام سافر الخنجر إلى كردستان العراق ليتفقد بعضاً من 14 مدرسة وثلاثة مستوصفات طبية يمولها ليستخدمها نحو مليون سني استقروا هناك بعد أن نزحوا عن ديارهم من مختلف أنحاء العراق.
استقبل عشرات الأطفال السنة بملابس موحدة باللونين الأزرق والأبيض الخنجر. وألقى الأطفال قصائد شعر تشيد به بوصفه منقذهم من الصراع الطائفي بالعراق. وابتسم الخنجر ووجه حديثه إليهم قائلاً إن على سنة العراق أن يحاربوا إرهابيي الدولة الإسلامية والفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من الحكومة العراقية.
وقال لرويترز لاحقاً إن العراق يتجه صوب دولة دموية للسنة لا حدود لها إذا لم تتحرك الحكومة العراقية للتعامل مع حقوق السنة. وأضاف أنه إذا تم تجاوز هذه العتبة فإنه لن يستطيع أي حكماء سواء هو أو غيره إغلاق باب المشاكل التي لا حصر لها التي ستظهر.
ويقول الخنجر إن إقامة منطقة اتحادية على غرار إقليم كردستان العراق شبه المستقل ستمنح السنة حقوقاً وتساعدهم على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
ويسمح الدستور العراقي لمحافظات البلاد بإنشاء منطقة اتحادية. وحاولت محافظات سنية القيام بذلك مرتين لكن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي أحبط تلك المحاولات. وأيد العبادي الذي تولى رئاسة الوزراء قبل نحو عامين مبدأ توسيع الحكم المحلي. لكنه يحجم عن التعامل مع الحملة من أجل منطقة أوسع للسنة.
حلفاء أقوياء
ولدعم قضيته استعان الخنجر بحلفاء سياسيين سنة أقوياء بمن فيهم محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي ووزير المالية السابق رافع العيساوي. وكان المسؤولون الأميركيون يعتبرون العيساوي شخصية سنية معتدلة بارزة قبل أن يصدر المالكي حين كان رئيساً للوزراء أمراً مثيراً للجدل باعتقاله بتهم متصلة بالإرهاب في ديسمبر/كانون الأول عام 2012.
لكن الخنجر وحلفاءه يشتكون من أن إدارة الرئيس باراك أوباما قد أقصتهم. ويقولون إن المسؤولين الأميركيين لا يصدقون شكاواهم من أن الحكومة العراقية لا تسعى للمصالحة مع السنة أو معالجة الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل الشيعية المسلحة.
ويقولون أيضاً إن الحكومة الأميركية رفضت إصدار تأشيرات للعيساوي والنجيفي للسفر إلى الولايات المتحدة بعد أن زار الاثنان واشنطن في الربيع الماضي وانتقدا الحكومة العراقية.
ونفى السفير الأميركي لدى العراق ستوارت جونز وجود سياسة متعمدة لإبعاد الرجلين لكنه امتنع عن الإدلاء بتفاصيل بشأن رفض منحهما تأشيرة. ويقول جونز إن الحديث عن حالات فردية لاستصدار تأشيرات يتنافى مع السياسة المتّبعة.
وقال جونز "ليست للسفارة الأميركية مصلحة في إسكات أصوات عراقية في واشنطن أو أي مكان آخر."
ورفض مسؤولون أميركيون الحديث علناً عن الخنجر.
نفوذ في واشنطن
وفي مسعى لمعالجة الأزمة مع الولايات المتحدة استخدم الخنجر ثروته في واشنطن. وفي سبتمبر أيلول 2015 استعان بمجموعة جلوفر بارك للدعاية والتي يديرها مسؤولون سابقون في إدارة كلينتون ومسؤولو دعاية للحزب الديمقراطي. وفتح في الشتاء مكتباً في واشنطن. أما مستشاره الإعلامي الحالي فهو المتحدث السابق باسم مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامنثا باور.
وقال الخنجر أنه يتمتع بعلاقات رائعة مع قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا ويؤكد أنه وطني عراقي ويريد الاستفادة من هذه العلاقات.
ويقول النجيفي محافظ الموصل السابق إنه يركز على ضمان دعم تركيا للمشروع السني الاتحادي.
ويشكل الاثنان حالياً قوات خاصة بهما لمحاربة الدولة الإسلامية. ويقول النجيفي إن قواته تضم الآن أربعة آلاف رجل من محافظة نينوى دربتهم تركيا. ويقول الخنجر أنه مول 2400 رجل يحاربون الدولة الإسلامية حالياً خارج الفلوجة. ويزعم أن لديه أربعة آلاف مجند آخرين على استعداد للتدريب.
ويصر الخنجر على أنه يريد إنقاذ بلاده من أجل مصلحتها وليس مصلحته الشخصية. وقال إن ما من أحد لا يريد أن يرى بلده آمناً ومستقراً. وأضاف أنه لم يكن ليفكر قط في خوض مجال السياسة إذا كان العراق آمناً مستقراً.