اسم الكتاب: السياسة والدين في مرحلة تأسيس الدولة الصفوية (1501-1575)م
الكاتب: علي إبراهيم درويش
الناشر: مؤتمر إنقاذ الأمة
عدد الصفحات: 495 ص
صدر الكتاب لمؤلفه الدكتور علي إبراهيم درويش عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2013م وهذا عرض له:
لقد أقر الشرع التداخل بين السياسة والدين، حيث كانت بينهما علاقة تاريخية استمرت قائمة خلال تاريخنا الإسلامي. ولقد استفادت الدولة الصفوية من هذه العلاقة في تشكيل دولة ذات صبغة مذهبية شيعية.
ومع انتشار الإسلام واتساع المدى الجغرافي للدولة الإسلامية وابتعادها عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق الخليفة هو الأقوى، واستمر هذا الوضع إلى أن تم القضاء على الخلافة الموجودة في بغداد على يد هولاكو.
ضمن هذه الظروف انبثقت الدعوة الصفوية في القرن السادس عشر متخذة المذهب الإمامي الإثني عشري مذهباً رسمياً، وعاشت في إيديولوجية "الدولة الغاصبة لحق الإمام الغائب" واستمرت الدولة الصفوية حتى القرن الثامن عشر.
وطبقت في الدولة الصفوية نظام الحاكمية أو ما عرف لاحقاً "بولاية الفقيه". وهذا الوضع ترك أثراً في المجالين السياسي والاقتصادي.
وهكذا انبعثت الدولة الصفوية وسيطرت على بلاد فارس عندما حكم الشاه اسماعيل الأول وابنه طهماسب (1578-1501)م، وانفرد الصفويون باتباع المذهب الإثني عشري وتحول إسماعيل من شيخ إلى شاه.
وقام الشاه إسماعيل بمقاطعة خليفة المسلمين، وأعلن بدلاً منه خليفة شيعياً إمامياً هو الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر) والذي تمارس المراجع سلطتها بالنيابة عنه، ويعرف المرجع بـ "نائب الإمام".
أحوال العالم الإسلامي ماقبل الدولة الصفوية:
عندما تلقت بعداد الضربة من المغول في القرن الثالث عشر، وسقطت الخلافة العثمانية بعد هذه الضربة كانت بداية نشأة الحركة الصفوية التي استطاعت ترجمة أفكارها سياسياً ببناء دولة في مطلع القرن السادس عشر، وقامت الدولة الصفوية من بلاد فارس وتجاوزت حدود دولة إيران الحالية وأسسوا إمبراطولة واسعة شملت أجزاء من أرمينيا، أذربيجان،جورجيا، روسيا، تركيا، أفغانستان، باكستان، الهند، تركستان، كازخستان، العراق. لذلك تنوعت من حيث السكان والقبائل الكبرى.
قامت الدولة الصفوية في المناطق التي تتقاطع فيها الطرق التجارية بين أقصى شرق آسيا والبحر المتوسط وأوروبا غرباً. وبين المحيط الهندي والخليج جنوباً وروسيا شمالاً، فهي وسط إمبراطوريات ثلاث: المغول في الهند، والعثمانيون في الأناضول، والمماليك في مصر وبلاد الشام.
ضمن هذه المناطق الجغرافية والأجواء السياسية عاش مؤسس الحركة الصفوية منهم الأول إسماعيل الأول المجسد العملي للدولة الصفوية.
ونشير هنا من خلال ماذكر إلى أهمية العامل الجيوسياسي التي تسعى إليه الدولة الصفوية للوصول إلى شواطئ البحر المتوسط.
نشاة الدولة الصفوية:
في ظل الانقسام كان الصفويون مجتهدين في نشر دعوتهم وتنظيم صفوفهم كان هذا في عام 1500م، فقد أقيمت الخطبة باسم إسماعيل وضربت العملة باسم الأئمة الإثني عشر في عام 1511م.
ويرى باحثون أن الدولة الصفوية تقوم على نزعة دينية شيعية واستخدمت هذه النزعة الشيعية في تقوية الدولة في النواحي السياسية والعسكرية.
وفي عام 1513م سيطر الصفويون على مساحات كبيرة وأصبحت إمبراطورية تجاور العثمانيين شمالاً وغرباً والأوزبك شمالاً شرقاً، والتيموريين في الهند جنوب شرق، والمماليك من جهة جنوب غرب.
تكّون اقتصاد الدولة الصفوية من موارد متعددة أهمها خراج وضرائب الأراضي، والصناعة والتجارة. ولقد استفاد الشاه إسماعيل الأول من الانقسامات التي كانت موجودة بين الأمراء الإسلاميين في إقامة وتأسيس مملكته.
الصفويون والدين بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر:
قامت الدولة الصفوية في مناطق بؤر التوتر بين العالم الإسلامي والبيزنطيين والروس والجورجيين والمغول والتتار، لذلك لجأت الدولة الصفوية إلى القتال فكان "الغزو" نهجاً وظاهرة حتى وصلت إلى تأسيس سلطنة توجت عليها إسماعيل شاهاً في تبريز.
أعلن الشاه إسماعيل الأول المذهب الإمامي الإثني عشري مذهباً رسمياً، وأمر المؤذنين يزيادة لفظ "أشهد أن علياً ولي الله" وادعى أنه ممثل الإمام المهدي، وانتحل نسباً يصله بالإمام موسى الكاظم، يؤسس لمقولة النيابة عن الإمام الثاني عشر التي تشترط حيازة النسب القرشي الذي اتفقت معظم كتاب الأحكام السلطانية والفقهاء على اعتباره شرطاً يجب توافره في خليفة المسلمين، وهذا يجعل الشاه يساوي منزلة القرشيين المستحقيين للخلافة.
ووقع الصراع بين العثمانيين والصفويين، وقام السلطان العثماني بتكفير الشاه وفرض الجهاد ضده، ورمى الصفويون أي حركة سياسية مقاومة بالتعاون مع العثمانيين.
استقدم الشاه إسماعيل الأول ورجال دين شيعة من جبل عامل في لبنان، واستفاد منهم في ضرب نفوذ بعض الملالي الفرس غير المطيعين له في مآربه السياسية.
عندما نقارن الآن بين الدولة التي فرضها الشهاه اسماعيل الأول في مطلع القرن السادس عشر، وبين الدولة التي أقامها الخميني في عام 1979م نجد أن هناك عدة نقاط مشتركة، وهي:
أولاً- تشترك الدولتان في أنهما قامتا بعد ضعف وانقسامات شهدتها الساحة السنية، فقد قامت دولة إسماعيل الأول بعد سقوط الخلافة العباسية، وصراع الأمراء المسلمين في العراق والشام، وكذلك جاءت دولة الخميني بعد سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيم المنطقة إلى دويلات متعددة، واصطراع دائم بينها.
ثانياً- تشترك دولتا الشاه إسماعيل الأول والخميني في أنهما تتطلعان إلى التوسع باتجاه البحر المتوسط، فلم تصل دولة إسماعيل الأول إلى البحر المتوسط بسبب وقوف الدولة العثمانية في وجهها، ولكن دولة الخميني وصلت إلى البحر المتوسط عندما سيطرت على العاصمتين: بيروت ودمشق بسبب عدم وجود دولة تصدها وتقف في وجهها.
ثالثاً- تشترك لدولتان في أنهما استفادتا من شيعة جبل عامل، فقد استقدم الشاه إسماعيل الأول رجال دين من شيعة جبل عامل ليعضد بهم قوته داخل إيران، كما استفاد الخميني من شيعة جبل عامل في إنشاء حزب الله الذي كان أكبر أداة في يده للسيطرة على بلاد الشام.
رابعاً- تشترك الدولتان في أنهما قامتا على استخدام الغزو والقتال في توسيع نفوذهما، فاستخدم الشاه إسماعيل الأول الغزو أداة رئيسية في مواجهة القبائل والشعوب المحيطة من أجل إخضاعها وتشيعها.
كما استخدمت دولة الخميني الميليشيات في توسيع سيطرتها، فقد أنشأت عصائب الحق والنجباء في العراق، كما انشأت مليشيات "الفاطميون"، و "الزينبيون" في باكستيان وأفغانستان، و "الحوثيون" في اليمن.
خامساً- تفترق الدولتان في أن دولة الشاه إسماعيل الأول تصدت لها الخلافة العثمانية في اسطنبول من لحظة قيامها وهددت وجودها عددة مرات، احتلت عاصمتها تبريز كما فعل السلطان سليم الأول عام 1514م، ولكن دولة الخميني لا توجد دولة تتصدى لها، لذلك استطاعت أن تنجح في احتلال أربع عواصم حتى الآن وهي: بيروت، بغداد، دمشق، صنعاء.
سادساً- تشترك الدولتان في أنهمت تخدمان عدو الأمة الخارجي، وتتعاونان معه، فقد ثبت أن الشاه إسماعيل الأول راسل الأسبان والبرتغاليين وتعاون معهم، كما راسل الخميني الرئيس الأمركي ريغان وتعاون مع إسرائيل في حربه على العراق 1980-1988 والتي فضحتها قضية كونترا-غيت كما ساعدت دولة الملالي إيران أمريكا على احتلال أفغانستان عام 2001م والعراق 2003م.