الأربعاء, 06 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ يوم
المشرف العام
شريف عبد الحميد

مع سياسة الكيل بمكياليّن والإفلات من العقاب

وقائع سقوط "القانون الدولي" في غزة

في العمق - | Thu, Oct 31, 2024 2:02 AM
الزيارات: 99
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 11 شهرًا على القطاع كشف "أزمة عميقة" تواجه جوهر القانون الدولي

مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: لا يمكن للدول أن تقبل التجاهل الصارخ للقانون الدولي في حرب غزة

الرأي العام العالمي بات يشاهد أهوالًا ومذابح لم يكن يتخيّل أحد حدوثها في القرن الحادي والعشرين

 

 

تجاوزت حرب غزة الجغرافيا التي تُدار فوقها تلك الحرب الهمجية، وتُرتكب فوق ترابها المجازر الجماعية، لتدخل كل بيت في العالم، وتسكن كل ضمير. وفتحت الحرب بذلك أمام الرأي العام العالمي معارك الضمير، وهو يشاهد تفاصيل الأهوال التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن أحد يتخيّل حدوثها في القرن الحادي والعشرين.

وهكذا، كشف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 11 شهرًا على قطاع غزة، عن أزمة عميقة تواجه جوهر القانون الدولي وبنية مؤسساته المُكرّسة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي كان الهدف منها هو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ومنع الحروب والإبادة الجماعية بحق الشعوب أو الجماعات على مستوى العالم.  

ولطالما كان مبدأ "حماية حقوق الإنسان" في جوهر الاهتمامات الدولية أثناء الحروب، ويضع القانون الدولي أمام اختبار صريح وصعب، كما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين الذين ناضلوا طوال العقود السبعة الماضية من أجل البقاء في أرضهم.

وأظهرت حرب غزة، مجموعة من أوجه القصور في القانون الدولي وآلياته، تعكس تحديات كبيرة في تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان في ظل النزاعات المعاصرة، وضعف فعالية آليات تنفيذ المؤسسات الدولية لقراراتها ومحاسبة الجناة، حيث تبقى الكثير من القرارات التي تصدر لمحاسبة الجناة حبرًا على ورق.

الثقة المفقودة

في 9 سبتمبر/أيلول الحالي، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إنه "لا يجب ولا يمكن للدول أن تقبل التجاهل الصارخ للقانون الدولي، بما في ذلك القرارات الملزمة لمجلس الأمن وأوامر محكمة العدل الدولية"، في حرب غزة أو في أي حالة صراع أخرى حول العالم.

وقال تورك، أمام مجلس حقوق الإنسان، إنه "منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول المروعة قُتل أكثر من 40 ألف فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية، وأصيب عشرات الآلاف، ولا يزال آلاف آخرون تحت الأنقاض في غزة". وأكد أن "الفلسطينيين يكافحون من أجل البقاء مع مرور كل يوم، حيث تم تهجير ما يقرب من 1.9 مليون شخص قسرًا عبر القطاع".

ومع ذلك، لم يتم حتى الآن اتخاذ أي تدابير حقيقية لإيقاف المذابح اليومية. شاهد العالم أجمع من قبل التحرك السريع في تطبيق القانون الدولي بصرامة في الحرب الروسية- الأوكرانية، في حين كان هناك تلكؤ وعوائق كبيرة في حرب غزة. وأضعف هذا التناقض الثقة بفاعلية القانون الدولي.

وواجهت المنظمات الأممية الكثير من الضغوط السياسة، فـ "الأونروا" مثلًا أُوقف التمويل عنها من دول غربية بحجة مساعدة المقاومة الفلسطينية، والمحكمة الجنائية هُددت بالعقوبات من قبل الكونجرس الأمريكي، إضافة إلى إبطال العديد من مشاريع القرارات في مجلس الأمن الداعية لوقف الحرب بالفيتو الأمريكي.

وبينما تعقد محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، جلساتهما في لاهاي، فإنهما تتحملان مسؤوليات مؤكدة داخل النظام القانوني الدولي. والعديد من القضايا الكبرى التي تتعلق بحرب (إسرائيل) في غزة حاليًا، تختبر نطاق تلك المسؤوليات في مواجهة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بررت المحكمة الجنائية الدولية تخاذلها بشأن الملف الفلسطيني، بالقول إن العائق المادي يحول دون تنفيذ التحقيقات في الأراضي الفلسطينية، وزعمت أن (إسرائيل) لا تتعاون معها لأنها ليست دولة عضوًا في المحكمة.

إسرائيل "فوق العدالة"

في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، قدمت دولة جنوب أفريقيا طلبًا لمحكمة العدل الدولية لإقامة دعوى ضد (إسرائيل)، فيما يتعلق بانتهاكات (إسرائيل) التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة "الإشارة إلى تدابير مؤقتة من أجل حماية الفلسطينيين في غزة من أي ضرر جسيم إضافي، وغير قابل للإصلاح" بموجب الاتفاقية، ولضمان امتثال (إسرائيل) لالتزاماتها بعدم المشاركة في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها.

وفي 26 يناير/كانون الثاني الماضي، أصدرت المحكمة أمرها بناء على طلب جنوب أفريقيا. ومن خلال المعطيات التي توفرت حتى هذه اللحظة، فإن المحكمة لم تكن حاسمة وواضحة بخصوص إصدار أوامر لإسرائيل بوقف إطلاق النار، وهذا ما جعل (إسرائيل) تتفاعل بطريقتها الخاصة مع التدابير الاحترازية، ووضعها "فوق القانون" الدولي.

بمعنى آخر؛ وعلى الرغم من أهمية قرار المحكمة العدل الدولية، إلا أن الأمر في نهاية المطاف، وكأي محكمة وطنية تحتاج لجهاز تنفيذي لكي ينفذ الأحكام، سوف يعود لمجلس الأمن الذي تستطيع الولايات المتحدة أن تعطل دوره باستخدام حق النقض (الفيتو).

وفي مايو/أيار الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية جولة جديدة من "التدابير المؤقتة" في دعوى جنوب أفريقيا، التي انضمت إليها سبع دول، أمرت فيها
(إسرائيل) بإنهاء هجومها العسكري على منطقة رفح في جنوب غزة على الفور.

بذلك، قررت المحكمة أن الوضع الإنساني في رفح، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني نازح من أجزاء أخرى من غزة بحثًا عن المأوى، "يجب وصفه الآن بأنه كارثي"، وبالتالي تعريض الفلسطينيين في غزة لخطر متزايد من الإبادة الجماعية. وأعربت محكمة العدل الدولية عن قلقها بشكل خاص بشأن وضع نحو 800 ألف فلسطيني نزحوا من رفح حتى منتصف مايو/أيار الماضي، بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي، مشيرة إلى أن (إسرائيل) لم تقدم أدلة قادرة على معالجة المخاوف من نزوحهم إلى مناطق غير صالحة للسكن البشري.

ولكن، من ناحية عملية، فشلت المحكمة الجنائية الدولية في البدء بتحقيق سريع وفعال ومجدّ بخصوص جرائم الحرب في قطاع غزة. وفي الوقت الذي تأخر فيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق فعال، وفي الوقت الذي أحالت فقط خمس دول (من أصل 124 دولةً طرفًا في نظام روما الأساسي)، طلب فتح تحقيق من مكتب الادعاء، وفي الوقت الذي لم يطلب فيه مجلس الأمن فتح تحقيق، فإن الجريمة تواصلت بشكل دراماتيكيٍ دامٍ، حيث تم قتل عشرات آلاف الفلسطينيين على يد آلة الحرب الإسرائيلية.

وفي مقابل عجز القانون الدولي عن الانتصار للعدالة ومحاسبة الجناة، برز الضمير الشعبي منددًا بالجرائم البشعة والممارسات المتطرفة، بما في ذلك التعدي على المؤسسات الأممية والاستهزاء بها وبموظفيها. لتبرز حالة الاستجداء والعجز الأممي، الذي هو تعبير عن حالة العجز الدولية حيال ما يحدث، رغم سقوط نحو 42 ألف شهيد حتى هذه اللحظة.

ويقول عصام يونس، مدير "مركز الميزان لحقوق الإنسان" في غزة، إنّ "تغييب العدالة في القطاع يهدد الأمن والسلم الدوليين على نحو خطير، ويشكل رخصة أخرى للتضحية بالمكلومين والمستضعفين المحميين بموجب قواعد القانون الدولي. هؤلاء الذين يتملكهم الشعور الدائم بأن العدالة في خصام مزمن معهم؛ بدليل عدم اقترابها منهم ولو لمليمتر واحد على الرغم من فظاعة الجريمة وبشاعتها، وتكرار ارتكابها ونقلها مباشرة، عابرة للحدود وفروق التوقيت".

ويضيف يونس، أن "عدم تطبيق قواعد العدالة والمحاسبة، يؤكد ليس فقط ازدواجية المصالح والكيل بمكيالين، بل يؤكد أن ما بدا أنه ثابت بعد الحرب العالمية الثانية من قواعد قانونية وأخلاقية، لم يحافظ على الأمن السلم الدولي، كل ذلك يتمُّ على مرأى ومسمع العالم المتحضّر، والذي أخذ عهدًا على نفسه بعدم تكرار الإبادة أو الحروب، بل إن عدم وقف إطلاق النار حتى اليوم، يعني إعطاء دولة الاحتلال ضوءًا أخضر ومزيدًا من الوقت، للمضي قُدمًا في جريمتها الشنعاء".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

- الإبادة الجماعية في غزة: اغتيال الحقيقة والتغاضي الدولي، موقع الجزيرة، 15 يوليو/تموز 2024.

- أزمة القانون الدولي.. حرب غزة وإعادة النظر في منظومة العدالة العالمية، موقع عربي21، 13 يونيو/تموز 2024.

- بعد تعثر محكمة العدل الدولية في وقف الإبادة.. هل توجد مسارات قانونية أخرى؟، موقع الجزيرة، 22 مارس/آذار 2024.

- كيف تشكل حرب إسرائيل في غزة اختبارًا لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، موقع داون، 28 يونيو/حزيران 2024.

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت