قال السيد كارنيك وهان سركيسيان، رئيس الهيئة التأسيسية للمجلس الوطني الأعلى لأرمينيا الغربية، إن الدولة التركية تحت قيادة رجب طيب أردوغان تسعى إلى إبقاء الشرق الأوسط في حالة دائمة من عدم الاستقرار، بالتنسيق مع شريكتها العضوية "إسرائيل"، مؤكدًا - في الوقت نفسه- أن مصر اليوم، من بين كل الأمم الأصيلة في المنطقة، هي الأقدر على أن تكون ضمانة صلبة لاستقرار المنطقة ومستقبلها الباهر.
وأضاف السيد كارنيك وهان سركيسيان، في حوار لـ "شؤون إيرانية"، أن مرتزقة جنّدتهم الحركة الماسونية العالمية ارتكبوا "مجازر أضنة" عام ١٩٠٩ من أجل إثارة الشقاق بين الأرمن والحكم العثماني، مشيرًا إلى أن هذه المجازر كانت بمثابة "تجربة واختبارًا" لما كان مُخططًا له، بهدف إبادة الشعب الأرمني برمته، ومنوهًا إلى أن الأرمن خُدعوا لاعتقادهم أن حركة "تركيا الفتاة" هي حليف موثوق به للقضية الأرمنية، ودفعوا ثمن هذه الثقة غاليًا... وإلى نص الحوار الثري:
- تشكلت حركة "تركيا الفتاة" في الخارج ضمن سلسلة حركات مشابهة أسسها الفيلسوف الإيطالي "جوزيبي مازيني" منذ عام 1841 (وهي تشبه حركات "جورج سوروس" في وقتنا الحالي). وذلك كأداة للسيطرة على زمام الحكم في دول مختلفة من العالم، خدمة للمشروع الأشمل لحكم العالم من قبل "الدولة العميقة" أو "المتنورين"، الذي كان "مازيني" من أعمدة فكرها الفلسفي.
كانت للجهات الخارجية الداعمة لهذه الحركات تأثيرها على بعض التيارات الثورية الأرمنية، وكانت تشجعها على التمرد ضد سلطة السلطنة العثمانية، وتتظاهر بدعمها لحق الشعب الأرمني في الحرية والإستقلال، بينما كان هدفها - في الحقيقة- هو القضاء على السلطنة العثمانية والشعب الأرمني معًا .
وكان الثوار الأرمن يعتقدون أن "تركيا الفتاة" حليفة للشعب الأرمني، حتى أن بعض المجموعات الثورية الأرمنية ساعدت الحركة لإنجاح انقلابها عام 1908 ضد "العدو المشترك".
تحولت حركة "تركيا الفتاة" التي فيما بعد إلى حزب الاتحاد والترقي (الأب الروحي لحزب العدالة والتنمية الحالي)، تقرر إنشاؤها في مدينة تسالونيكي اليونانية في محفل "ليبيرتا" الماسوني الإيطالي هناك، وكان جميع أعضاء قيادتها دون استثناء من اليهود الدونمة (أي اليهود المتخفين تحت غطاء الدين الإسلامي)، ولم يكونوا لا أتراكًا ولا مسلمين.
لقد تقرر ارتكاب "مجازر أضنة" عام 1909 في نفس المحفل حيث تم تجنيد مئات المرتزقة، وتأمين تسللهم من اليونان إلى أضنة لتنفيذ المهمة، وإلقاء اللوم بعد ذلك على الحكومة العثمانية في القسطنطينية، لإثارة الأرمن والحكومة العثمانية ضد بعضهما البعض، بهدف استهلاكهما معًا.
خُدع الأرمن لاعتقادهم أن حركة "تركيا الفتاة" حليفة للقضية الأرمنية، ودفعوا ثمن هذه الثقة غاليًا، ابتداءً من مجازر أضنة 1909 ومن ثم عند المجازر الكبرى التي استمرت من 1915 وحتى 1923 بتخطيط وإدارة وتنفيذ نفس العصابة.
باختصار، كانت مجازر أضنة عام 1909 بمثابة تجربة واختبار لما كان مخطط له لإبادة الشعب الأرمني برمته فور إنهاء السلطة العثمانية واستلام حزب "الاتحاد والترقي" زمام السلطة في الدولة، تنفيذًا لقرار الأسياد الخارجيين.
- كلام سليم إلى حد بعيد، فقرار الحرب العالمية الأولى كان قد اتُخذ منذ عام 1871 وفق ما رسمه الجنرال الأمريكي المتقاعد "ألبرت بايك" (أبو الماسونية الأمريكية) بطلب من "جوزيبي مازيني" (سابق الذكر)، الذي وضع مخطط ثلاثة حروب عالمية للوصول إلى هدف حكم العالم.
كان من جملة أهداف الحرب العالمية الأولى وضع نهاية للسلطنة العثمانية، واستبدالها بدولة تركية قوية قائمة على أساس تطرف قومي وعرقي وديني، يقودها أشخاص تابعون بشكل مطلق للقيادة العالمية للمنظومة أحادية القطب (الدولة العميقة العالمية).
ولكي تستطيع هذه الدولة التركية القيام بالدور المنوط بها، لإبقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة من عدم الاستقرار، عبر تبادل منسق للأدوار بينها وبين شريكتها العضوية "إسرائيل"، إلى أن تحين لحظة السيطرة الكاملة عليها، كان لا بد لها أن تحتل كامل المساحة الواقعة في شمال سوريا والعراق. فكانت ضرورة الإبادة الكاملة للشعب الأرمني وإزالته عن خريطة الشرق الأوسط من أولويات أهداف الحرب العالمية الأولى، لضمان عدم تشكيل الأرمن لأي تهديد للدولة التركية المستقبلية ودورها في المنطقة، الذي بدأ ينكشف جليًا مع بدايات هذا القرن.
لذلك فحكومة "الاتحاد والترقي" لم تستغل الحرب العالمية الأولى لإبادة الشعب الأرمني، بل هي جاءت إلى الحكم وهي مهيأة لارتكاب هذه الجريمة. فليس من قبيل الصُدف أن حملة التعبئة العنصرية المتطرفة للتغني "بأمجاد العرق التركي" وتفوقه على كل من حوله من أمم وشعوب قد بدأت عام 1873، أي بعد عامين من مخطط الجنرال "ألبرت بايك" سابق الذكر، من قبل كتاب وأدباء أوروبيين انتحلوا أسماء تركية مستعارة أمثال: المجري أرمينيوس فامبيري 1873، والنمساوي فرانز فون فيرنر(مراد أفندي) 1877، والبولوني كوستانتين بروجيتسكي (مصطفى جلال الدين باشا) 1889، والفرنسي ليون كاهون 1902.
- في "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" الموقعة في 9 ديسمبر/كانون الأول 1948 والسارية اعتبارًا من تاريخ 12 يناير/كانون الثاني 1951، تم وصف الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي حرفيًا كما يلي: "في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًا من الأفعال التالية المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، وهي:
• قتل أفراد المجموعة.
• التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء المجموعة.
• تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة بهدف تدميرها الجسدي كليًا أو جزئيًا.
• فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة.
• نقل أطفال المجموعة قسرًا إلى مجموعة أخرى.
ولقد ارتكبت تركيا جميع هذه الجرائم معًا، بينما واحدة منها يكفي لإدانتها بجريمة التطهير العرقي.
تركيا كانت من أوائل الموقعين على هذه الاتفاقية الدولية بتاريخ 31 يوليو/تموز 1950. فاعترافها الرسمي بها سيرتب عليها تبعات تفوق طاقتها وسيهدد وجودها كدولة ودور. فالقضية ليست قضية اعتراف واعتذار، ومن ثم الاستمرار وكأن شيئًا لم يحدث.
- في البداية كانت هناك موجه هروب للأرمن القاطنين شرق أرمينيا الغربية (مناطق فان وغارس وأرضهان) نحو أرمينيا الشرقية وصلت أعدادهم إلى نحو 300.000 عاشوا هناك ويشكلون اليوم نسبة كبيرة من عدد السكان الإجمالي فيها.
أما من لم يستطع الأتراك إبادتهم في وسط وغرب أرمينيا الغربية، فتم تهجيرهم قسرًا إلى بادية الشام لكي يموتوا على الطريق، إما بفعل الطقس القاسي أو الجوع أو المرض.
سُميّت قوافل المُهجّرين بـ "سفر برلك"، حيث ذاق الأرمن خلالها الفظائع على يد الجنود الأتراك من قتل واغتصاب النساء والأطفال والتنكيل بالجثث. لقد أنقذ السوريون مئات الآلاف منهم، تم إخفاؤهم في منطقة الجزيرة ودير الزور، وتحول معظمهم إلى عرب وكُرد واعتنقوا الإسلام هربًا من الملاحقة، وعاشوا فيها حتى يومنا هذا. أو في حلب وحمص وحماه ودمشق وحتى السويداء وصولًا إلى بيروت وباقي المدن اللبنانية، وعاشوا فيها محتفظين بهويتهم القومية.
- لم يكن للأتراك يومًا شخصية قومية كاملة الأركان، فهم عندما جاءوا إلى المنطقة على شكل أمواج من الغزاة المتوحشين البرابرة منذ القرن العاشر، كانوا أصلًا خليط من أجناس وقبائل عديدة. اختلطوا على الطريق مع شعوب غزوها وسبوا نسائها. حتى لغتهم هجينة ولا تنتمي إلى أي من أسرة اللغات الإنسانية، فهي خليط غير موفق ومشوه من اللغات التترية والمغولية والكُردية والعربية والأرمنية واليونانية وغيرها، كذلك موسيقاهم ومأكلهم ومشربهم. ما يسمى اليوم باللغة والموسيقى التركية أو المطبخ التركي ليس إلا ما أخذوه وتعلموه من الأمم والشعوب الأصيلة والعريقة ذات الثقافات المتجذرة التي غزوها واستولوا عليها.
بعد أن بسطت السلطنة العثمانية سلطتها على دول المنطقة التي تعتبر مهد الحضارة الإنسانية، بدأت بتدمير كل ما كانت له علاقة بالحضارة كحرق المخطوطات وإتلافها وتدمير المنشآت والأيقونات الثقافية، ثم سعت إلى الاستيلاء الكامل على إرثها. ولما لم يكن بمقدور العنصر التركي استيعاب كل أو حتى بعض هذا الإرث الإنساني العظيم لجأت إلى ما عرفت بسياسة التتريك بالقوة والبطش.
كما سبق وذكرنا، ساهمت القوى الخارجية التي أعادت تصميم الدولة التركية "الحديثة" بعد تفكيك السلطنة العثمانية، في رسم الشخصية القومية الجديدة المتطرفة الفاشية لتركيا كي تستطيع بسط نفوذها على المناطق الناطقة بلغات شبيهة بالتركية في آسيا الوسطى وصولًا إلى أبواب الصين ضمن مشروعي "المجمع الطوراني والمجمع التركي". كذلك وظفت تلك القوى كون السلطنة العثمانية آخر مركز للخلافة الإسلامية لتجعل من "تركيا الحديثة" زعيمة العالم الإسلامي ضمن مشروع "المجمع الإسلامي". كانت لهذه المشاريع الثلاثة أهمية كبرى بالنسبة للقوى الخارجية لتمكين تركيا من لعب دورها المستمر حتى يومنا هذا خدمة للنظام العالمي وحيد القطب والحكومة العالمية الواحدة.
نعم لقد كانت للمذابح الأرمنية أهمية كبرى لجهة تمكين تركيا من التحول إلى دولة قومية متطرفة ذات ميول فاشية دموية رافضة للغير. ولكن ما هو مصطنع لا يمكن إخفاؤه إلى الأبد، فالدراسات الحديثة حول الخريطة الإثنية في تركيا اليوم تعطي نتائج مرعبة بالنسبة للأتراك من حيث ضآلة نسبة الأتراك السلاجقة الحقيقيين نسبة لمجموع سكان تركيا، إذ لا تتجاوز هذه النسبة أعتاب الـ 6-8% في أحسن الأحوال!
إن وجود الأرمن في مصر مثلًا موثق بدقة، ففي العصر العباسي كان هناك أمراء أرمن مثل علي بن يحيى الأرمني الذي كان من المحنكين في الفنون الحربية. أما في العصر الفاطمي فقد تمتع الأرمن في مصر بعصر إزدهار ثقافي وديني وتجاري مميز، حيث زادت أعدادهم بتوافد المزيد منهم من سورية وسائر بلاد الشام هربًا من تقدم السلاجقة في النصف الثاني من القرن الحادي عشر، منهم من تولى الوزارات في مصر مثل بهرام الأرمني والذي وصل عدد الأرمن المهاجرين إلى مصر في عهده إلى 120.000. كما تولى بدر الدين الجمالي الأرمني الوزارة في نهاية عصر الفاطميين وهو الذي جدد أسوار القاهرة بأبوابها الشهيرة مثل أبواب الفتوح والنصر شمالًا وباب المتولي جنوبًا.
وفي القرن السابع كانت هناك جالية أرمنية في القدس، أرسلت الراهب أبراهام للقاء الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) للاطلاع على نواياه تجاه الأرمن بعد أن ذاع صيت الفتوحات الإسلامية وانتشارها السريع، وقد طمأنه رسول المسلمين وسلمه منشورًا عُرِف بالمنشور الأعظم، وبموجبه مَنَح الأرمن الحق في الحفاظ على هويتهم القومية وحرية الامتلاك والتعبد. وقد سار جميع من جاء على قمة هرم دولة الخلافة الإسلامية فيما بعد على خطا ومضمون ذلك المنشور، ولم يخالف هذا العرف سوى العثمانيين.
أكبر الجاليات الأرمنية في الدول العربية كانت في لبنان 400.000، وسوريا 150.000. بينما عدد الأرمن في مصر لا يتجاوز حاليًا بضعة آلاف ولكن يقال أن هناك ما يقارب من ثلاثة إلى أربعة ملايين من ذوي الأصول الأرمنية يعيشون حاليًا في مصر كمصريين عرب ومسلمين.
- صحيح، ورد هذا الكلام في كتابي "أرمينيا الغربية: مفتاح السيادة، والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط". إن الصورة السائدة هي أنهم شعبٌ تعرض للمجازر على يد الأتراك وجاءوا إلى دول الشرق الأوسط كمهاجرين مسالمين يمكن الوثوق بهم وبعملهم الذي يتقنونه ويؤدونه بمهارة. "جالية" مسكينة مسالمة لا تتدخل في شؤون الآخرين ولا تستحق إلا الثناء على وفائها والشفقة على ماضيها!
ما يعرفه السواد الأعظم من العرب عنهم في السياسة والحياة العامة، هو أن للأرمن أحزاب وكنائس وبعض الأندية الاجتماعية والثقافية والرياضية، يشاركون في الحياة السياسية في بعض الدول من خلال الانتخابات العامة، وهناك يوم واحد في السنة (24 من أبريل/نيسان) يتذكرون فيه المجازر المرتكبة بحقهم.
في النهاية يعرفون أن هناك دولة إسمها أرمينيا أصبحت مستقلة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وهي "وطن جميع الأرمن" الذي يجب أن يعودوا إليه. ولكن لا أحد يعلم الكثير عن دولة أرمينيا الشاملة التي تتمتع باعتراف دولي (مؤتمر باريس للسلام 19 يناير/كانون الثاني 1920) وحدود دولية (القرار التحكيمي الدولي للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1920)، وأن القسم الأكبر منها هو محتل بموجب المادة 42 من القسم الثالث لاتفاقية لاهاي الرابعة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 1907 من قبل ما تسمى بدولة تركيا الحالية.
- تركيا لديها أجندتها الخاصة المتمثلة "بالميثاق الملي" الذي تبناه مصطفى كمال أتاتورك، إلى جانب الأجندة الدولية التي تخدمها منذ نشأتها عام 1923 إلى يومنا هذا ضمن النظام العالمي أحادي القطب. لقد أعطيت تركيا الضوء الأخضر من قبل مشغليها الدوليين لفعل كل ما يلزمها لأداء دورها في خدمة الأجندة الدولية.
لقد عانى الشعب الكُردي الأمرّين على يد السلطات التركية المتعاقبة لأسباب عديدة رغم أن جزءًا كبيرًا منه كان على الدوام إلى جانب تركيا، حتى وشارك في جرائم إبادة الشعب الأرمني، ومن ثم وقف ضد مقررات مؤتمر باريس للسلام ومعاهدة سيفر فيما يخص حق الكُرد في كيان مستقل إلى جانب "دولة أرمينيا الموحدة"، وفضل البقاء ضمن الدولة التركية والولاء المطلق لها. بينما تحالف بقية الشعب التركي مع الأرمن في المطالبة بالاستقلال والحرية، فالمعاهدة التي وقعها كلٍ من رئيسي الوفدين الأرمني والكُردي إلى مؤتمر باريس للسلام عام 1919 "بوغوص نوبار باشا" و "شريف باشا" أكبر دليل على ذلك.
بعد انقلاب "الحكومة العميقة العالمية" بواسطة عميلها "مصطفى كمال أتاتورك" على تنفيذ ما يخص الشعبين الأرمني والكردي من معاهدة سيفر وأصبحت إقامة دولتيهما المستقلتين في مهب الريح، بدأت ملاحقة كل من وقف في وجه هذه المؤامرة.
بقي قسم كبير من الكُرد في الأراضي المحتلة بعد عام 1923، على عكس الأرمن الذين تعرض القسم الأكبر منهم للإبادة الجماعية وتم التهجير القسري لقسم كبير من الناجين وبقي قسم آخر منهم في الأراضي المحتلة بعد اعتناقهم الإسلام وتخفيهم ككرد وأتراك خوفًا من بطش الحكم التركي.
لقد انتظم الشعب الكُردي في الداخل المحتل ليخوض نضاله التحرري من الداخل، وقد تشارك في أمكنة ومراحل عدة مع إخوانهم الأرمن المتخفين بالهوية الكردية من أجل النضال المشترك. وفي كل الأحوال، أصبح كل كردي متهم "بالتآمر" على الدولة التركية و"وحدة أراضيها" وأصبح دمه "محللًا" مثله مثل الدم الأرمني.
إن التعصب "القومي" الفاشي المزروع اصطناعيًا في الوعي الجمعي التركي من قبل الجهات الخارجية، ليس إلا أداة إجرامية شرسة حفزت عند الأتراك عشقهم للقتل وسفك الدماء الذي لا "موهبة" أخرى لديهم سواها.
معظم هذه الجرائم المرتكبة ضد الشعب الكُردي في الداخل المحتل أو في دول الجوار هي جرائم إبادة تدينها كافة القوانين والشرائع الدولية. ولكن النظام التركي الفاشي ينفذ دائمًا من عاقبة هذه الجرائم تحت حجة "مكافحة الإرهاب" الواهية التي أصبح "المجتمع الدولي" يغطي بها جرائمه وجرائم حلفائه في أفضح صور سياسات الكيل بمكيالين. ولهذا، على الإخوة الكُرد ضم الجهود مع الشعب الأرمني لتثبيت صفة "الاحتلال" على الأراضي الخاصة بدولتي "كردستان" و"أرمينيا" المعترف بهما دوليًا بموجب معاهدة سيفر وتبعاتها، وبهذا تسقط تهمة الإرهاب الزائفة عن النضال التحرري للشعبين، والمكفول بميثاق الأمم المتحدة، وتسقط معها حجج "مكافحة الإرهاب" الواهية المزيفة.
- الوجود السكاني في أرمينيا الشرقية ضئيل جدًا، إذ لا يتجاوز عدد السكان الرسمي 3 ملايين و165.000 نسمة، بينما في الواقع لا يتجاوز عدد السكان الحالي الفعلي عن 2.5 مليون نسمة بسبب الهجرة بفعل الظروف المعيشية الصعبة إضافة للأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية المستمرة في التدهور.
بينما الأمر مختلف تمامًا في الأراضي المحتلة. وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا والمستقاة مباشرة من أهلنا في الداخل الذين نتواصل معهم بشكل مستمر، فالعدد المعروف حتى الآن يصل إلى ما يزيد عن 12 مليون أرمني متخفي يعتنقون الإسلام ومعروفون هناك كأتراك أو كُرد. وبحسب نفس المصادر أن هذا الرقم بازدياد مستمر مع استمرار اكتشاف أسر وعائلات جديدة من ذوي الأصول الأرمنية كل شهر.
تقول الإحصائيات المنشورة عن عدد سكان "تركيا" ما بعد الحرب العالمية الأولى بأن العدد الإجمالي كان يشكل 2.2 مليون من كافة الشعوب، بينهم 400.000 أرمنيي متخفي. أي أن نسبة الأرمن المتخفين كان يشكل 18.2%، وإذا كان التعداد السكاني في "تركيا" اليوم يصل إلى 87 مليون نسمة، فمن المنطقي أن يصل عدد الأرمن المتخفين إلى ما يقارب 16 مليون. هذا عدا "العلويين الظاظا" الذين يعدون اليوم نحو 25 مليونًا ويتم تناقل معلومات أنهم أيضًا من أصول أرمنية أقدم، ولكننا لا نملك براهين مثبتة حول هذه المعلومات.
من جهة أخرى لا إحصائيات دقيقة أيضًا عن عدد الأرمن المهجرين قسرًا من أرمينيا الغربية المحتلة والمنتشرين في كافة أصقاع العالم. فالرقم المتداول بين الأرمن كان ولا يزال ألـ 8 ملايين منذ عشرات السنين. ولكننا حصلنا على معلومات من موظفين رسميين في وزارة الخارجية الصينية تفيد، بحسب دراساتهم، بأن العدد الإجمالي يصل إلى 34 مليون أرمني غربي في العالم.
- بكل تأكيد، فمعاهدة سيفر للسلام هي واحدة من خمسة معاهدات سلام تم توقيعها مع الدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى وهي: ألمانيا، هنغاريا، بلغاريا، النمسا، وتركيا. وهي تخص تركيا ومستقبل الأراضي والشعوب التي كانت ترزح تحت نير (الحكم) العثماني.
بتاريخ 1 يونيو/حزيران 1920 وخلال جلسة لمجلس العموم البريطاني أكد رئيسه (الذي أصبح لاحقًا رئيس الوزراء 1922-1923) السيد بونار لاو Bonar Law ، أن المجلس لا يمكنه إصدار مرسوم إنتهاء الحرب العالمية الأولى دون المصادقة على كافة المعاهدات الخمسة المذكورة أعلاه.
يومها كانت كل المعاهدات الأربعة الأخرى قد تمت المصادقة عليها ولم يبق سوى مصادقة "معاهدة سيفر". وهنا لا بد من طرح سؤال يفرض نفسه: هل تمت مصادقة معاهدة سيفر سرًا؟، فالمعلن رسميًا حتى الآن أنها بقيت دون مصادقة، أم أن الحرب العالمية الأولى لم تنتهِ رسميًا بعد بالنسبة لبريطانيا...!!؟
إن مجرد السؤال عما إذا تمت المصادقة عليها أم لا منافٍ للواقعية طالما أن جميع بنودها الـ 433 قد تم تنفيذها ما عدا 9 بنود، 6 منها بخصوص دولة أرمينيا الموحدة (من 88 إلى 93)، و3 تخص الدولة الكُردية (من 62 إلى 64). فكيف لمعاهدة دولية تخص مصير أمم وشعوب يتم تنفيذ ٩٨% من بنودها دون أن تكون مصدق عليها وسارية المفعول؟
- مجمل تعامل سلطات أرمينيا الشرقية مع ملف "أرتساخ" مخجل على كافة الأصعدة السياسية والقانونية والتاريخية وبطبيعة الحال الوطنية. لأنها بدأتها بطريقة منافية للمنطق القانوني-السياسي.
إن الحل القانوني-السياسي المدعوم عالميًا بوثائق راسخة لا تقبل الجدل موجود في البند (92) من معاهدة سيفر، وليس في "مبدأ حق تقرير المصير" الحمال للأوجه والتأويل حسب الأهواء والتيارات التي تقود المصالح الدولية الآنية.
فالبند 92 من معاهدة سيفر يخص تحديدًا أمر الحدود الشرقية لأرمينيا مع أذربيجان، والشمالية مع جورجيا. فلو أن أرمينيا الشرقية لجأت إلى هذا الأساس القانوي الثابت والمعترف به دوليًا لما وقعت في فخ تقاطع المصالح التركية-الأذربيجانية مع المصالح الروسية في هذه المرحلة من الصراعات الدولية، ولكانت فسحت المجال أمام إعادة مجمل بنود معاهدة سيفر المخصصة لدولة أرمينيا الموحدة الغير منفذة إلى الأجندة الدولية.
ما جرى عام 2020 كان ترتيب أوراق إقليمية على حساب الطرف الذي جعل من نفسه الأضعف طوال العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. في تلك الحرب لم يكن الشعب الأرمني هو المهزوم لأنه لم يستطع القتال ولا الاستبسال كما هو معتاد، بل هزمت المنظومة السياسية التي حكمت أرمينيا الشرقية طوال العقود الثلاثة من الاستقلال.
- تركيا الحالية التي يراها العالم تتنمرعلى محيطها وتسعى لإستعادة "الأمجاد" العثمانية الضائعة، ليست إلا دولة ناقصة تفتقد إلى أحد أهم أركان نشأة الدول الطبيعية، ألا وهو الحدود الدولية الكاملة. فمعاهدة لوزان التي تعتبر المستند القانوني لدولة "تركيا الحديثة"، تحدد في بنديها الثاني والثالث حدود هذه الدولة مع كل من بلغاريا، اليونان، سوريا والعراق فقط. فماذا عن حدود الأمر الواقع الموجودة حاليًا بينها وبين كل من أرمينيا الشرقية وجورجيا؟ أين مستندها القانوني؟ والجواب أنه ليس لتركيا حدود قانونية لجهة الشرق (وبالتالي الشمال) سوى خط الحدود المرسوم بموجب القرار التحكيمي الدولي المُلزم للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (22 نوفمبر/تشرين الثاني 1920) كما هو موضح بالخط الأحمر في الخريطة الرسمية.
إن القوى العالمية الموقعة على معاهدة لوزان كانت تدري، ولا تزال، أن الحدود المرسومة بين دولة أرمينيا الموحدة وتركيا بموجب القرار التحكيمي الدولي غير قابلة للنكران أو التجاوز، وأن تجاوزها في معاهدة لوزان يفقدها قانونيتها. ففضلت ترك أمر حدود "تركيا الحديثة" الشرقية مبهمة وغير مشار إليها في معاهدة لوزان.
كل ما شهدناه في السنين القليلة الماضية كانت عملية إضعاف ممنهج لأرمينيا الشرقية. إقليم أرتساخ كان يشكل الخاصرة الأمنية لأرمينيا الشرقية التي أصبحت اليوم مستباحة بالمفهوم العسكري أمام تركيا التي تضغط اليوم على سلطاتها لتوقيع معاهدة سلام يكون بندها الأساسي قوننة حدود الأمر الواقع الحالية بينهما واعتبارها نهائية. ولكن لا تركيا ولا روسيا الإتحادية التي تدعمها اليوم، يعيرون إنتباهًا أن السلطات في أرمينيا الشرقية قد جاءت إلى الحكم بانتخابات جرت ضمن حدود أرمينيا الشرقية فقط وبواسطة أصوات مواطني أرمينيا الشرقية فقط، وبالتالي فإن أية معاهدة أو وثيقة توقع عليها هذه السلطات تخص فقط وفقط أرمينيا الشرقية وليس لها أي أثر قانوني على عموم الشعب الأرمني المنتشر في العالم، وخاصة أرمن أرمينيا الغربية وحقوقهم في تحرير أراضي أرمينيا الغربية المحتلة.
إن العقبة الرئيسية لإستحالة قبول عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي هو في الأساس إفتقادها لحدود قانونية كاملة. فلا يجوز أن تكون حدود الاتحاد الأوروبي منتقصة في مكان ما. وهذا الأمر يتم الكتمان عليه عالميًا لتجنب فتح ملف معاهدة سيفر التي أصبحت هاجس القيادات التركية المتعاقبة. وهذا دليل آخر على استمرار سريان مفعول هذه المعاهدة بكل قوة قانونية نافذة حتى يومنا هذا. وهنا يكمن مفتاح عودة أرمينيا الغربية عاجلًا أو آجلًا. فالمستند القانوني موجود وجاهز للتنفيذ لا ينقصه سوى القرار السياسي الدولي والذي يحتاج إلى مراعاة المصالح المتبادلة بين القوى المؤثرة على هذا الملف والطرف الأرمني الغربي، وهذه هي المهمة المحورية للمجلس الوطني لأرمينيا الغربية الذي تأسس مؤخرًا ولم يبق سوى الإعلان الرسمي لتأسيسه في القريب العاجل.
هناك مجال واسع من إمكانيات خلق مصالح متبادلة مع كافة القوى المؤثرة في العالم في هذه المرحلة الانتقالية التي ستبقى تتفاعل فصولها إلى فترة ليست بقصيرة، إلى أن يتم رسم صورة النظام العالمي الجديد الذي سيعتمد كبديل للنظام الحالي، الذي أثبت فشل إمكانية إستمراره. هذه المصالح المتبادلة يمكن أن تكون جيوستراتيجية أو جيوإقتصادية. فعودة أرمينيا الغربية إلى الوجود ستترافق بتعويضات مالية يمكن أن تصل إلى 15 تريليون يورو أو أكثر، يمكن توظيف قسم مهم منها في صياغة مصالح تفيد أطراف عديدة.
وفي حال إستحالة الوصول إلى قرار سياسي دولي وفق منظومة معقدة من المصالح المتبادلة نعمل عليها في الوقت الراهن، عندها لا يتبقى أمام الشعب الأرمني الغربي سوى التحرك من الداخل المحتل في نضال تحرري مكفول ومشروع بكافة المواثيق والشرائع الدولية وخاصة ميثاق الأمم المتحدة وإتفاقيات جنيف الخاصة بالنضال التحرري للشعوب وحقوقهم المشروعة.
أما فيما يخص الدور الذي يمكن أن تلعبه أرمينيا الغربية في المنطقة. يكفي التذكير أن من أول نتائج قيامها هو تعطيل دور تركيا الهدام والمهدد للإستقرار فيها. فكما سبق وذكرنا مرارًا أنه: "لا سلام ولا استقرار في العالم من دون السلام والاستقرار في الشرق الأوسط أولًا. ولا سلام ولا استقرار في الشرق الأوسط من دون إحقاق كافة الحقوق في المنطقة، وعلى رأسها إقامة دولة أرمينيا الغربية إلى جانب دولة كردستان وفق معاهدة سيفر، ودولة فلسطين ودولة قبرص الموحدة".
الشعب الأرمني هو شعب أصيل في المنطقة. فمن الطبيعي أنه عند إستعادته لحقوقه الوطنية وتحرير أرضه وإقامة دولته الحرة المستقلة السيادة، ستمد يدها إلى باقي الشعوب والأمم الأصيلة في المنطقة لتحصين الاستقلال والسيادة الجماعية للمنطقة برمتها. وعلى رأس تلك الشعوب والأمم تأتي مصر العريقة بشعبها وتاريخها وحضارتها.
- هذه من أخطر المسائل التي تهدد الهوية الأرمنية في كافة أنحاء العالم. فأرمن أرمينيا الغربية المهجرين قسرًا لم يكن أمامهم سوى القبول بجنسيات الدول المضيفة لهم، وهم محكومون بالتصرف وفق ما تمليه عليهم قوانين هذه الدول والتي في الكثير من الحالات لم تكن تلك القوانين تسمح للأرمن بمزاولة نشاط سياسي وطني أو نضال تحرري إنطلاقًا من تلك الدول بسبب عدم سماح المصالح الوطنية العليا لتلك الدول بمثل هذه الأنشطة. وتعتبر هذه المسألة من أهم أسباب تأخر الأرمن في المهجر من تأسيس هيئة سياسية جامعة تهتم بشؤون الحقوق الأرمنية الغربية الوطنية.
حتى من الناحية الإنسانية، فالوضع الراهن يضع الأرمني الغربي في حالة لا يستطيع بظلها ممارسة حقوقه المنصوص عليها في شرعة "حقوق الإنسان"، والتي من المفروض أن تكون متاحة للبشرية جمعاء على هذا الكوكب. هناك الكثير من الحالات التي لا تسمح الإبن من اللقاء بأهله مثلًا لمجرد أنهم يحملون جنسيات مختلفة لا تسمح نواظم منح تأشيرات الدخول بين تلك الدول تحقيق ذلك...! فما ذنب الأرمن المهجرين ليدفعوا ثمن السياسات البينية للدول المضيفة من حقوقهم الإنسانية الأساسية؟
إيجاد حل قانوني جذري لهذه المسألة إلى حين قيام دولة أرمينيا الغربية الحرة والمستقلة والسيدة، هو أيضًا من أولويات أجندة العمل السياسي - الديبلوماسي لـ"المجلس الوطني لأرمينيا الغربية". ويكمن هذا الحل بإصدار بطاقات هوية شخصية دولية برعاية الأمم المتحدة تحمل إسم "دولة أرمينيا الموحدة" المعترف بها دوليًا عقب مؤتمر باريس للسلام في 19 يناير/كانون الثاني 1920، يتم منحها لكافة الأرمن في العالم بمن فيهم أرمن أرمينيا الشرقية، أو تكون صادرة بشكل مؤقت من قبل الأمم المتحدة وتكون خاصة فقط بالأرمن من غير حاملي جنسية أرمينيا الشرقية في حال رفضت الأخيرة الصيغة الأولى. على أن يسمح لحاملي هذه الهوية الوطنية حرية التنقل في كافة أنحاء العالم دون قيد أو شرط.
ربما يتسائل البعض: ولماذا لا تمنح جنسية أرمينيا الشرقية لكافة الأرمن في العالم خاصة أنها قد اتخذت لنفسها تسمية "جمهورية أرمينيا" في إعلان استقلالها بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي وليس "جمهورية أرمينيا الشرقية"؟ والجواب هو أن أرمينيا الشرقية قد أعلنت نفسها الوريثة الشرعية لحكومة أرمينيا الشرقية لعام 1918 بدلًا من كونها الوريثة القانونية لدولة أرمينيا الموحدة المعترف بها دوليًا عام 1920، رغم استحواذها لتسمية تلك الدولة عن دون حق قانوني. فالتسمية وحدها لا يجعل من أرمينيا الشرقية وريثة دولة أرمينيا الشاملة، لأنه في تلك الحالة كانت السلطات فيها يجب أن تتشكل من كافة الأرمن في العالم وبإنتخابات عامة يشترك فيها كافة أرمن العالم.
- دعونا لا نضع الأمر بصيغة توقعات، فالأمر بنظرنا أبعد وأعمق من ذلك.
دولة مصر هي إحدى تلك الدول القليلة على وجه الأرض ممن كانوا قبل آلاف السنين ولا يزالوا قائمين بكل ما تعنيها كلمة دولة من أركان وأسس راسخة. هناك إمبراطوريات جاءت وذهبت خلال التاريخ البشري وبقيت مصر بعراقتها وعظمتها صامدة وراسخة رغم كل ما شهدته من غزوات وتهديدات مصيرية، مستمرة حتى يومنا هذا، بهدف إخضاعها أو كسرها أو على الأقل إفراغها من مضمونها الحضاري المتأصل، وباءت كلها بالفشل. وذلك بفضل تمسك شعبها بالأرض والثقافة ومنظومة القيم المميزة التي تعطي مصر تلك الشخصية الفريدة على وجه هذا الكوكب. حاول بعض البائسين في العالم سرقة الإرث المصري العريق وإدعاء ملكيته بشتى الوسائل التي أقل ما يمكننا القول عنها أنها "هزلية" وتدعو للشفقة. فالأصالة لا يمكن لا شراؤها أوسرقتها أو إدعائها.
مصر اليوم مرشحة ليس فقط للبقاء بل الإزدهار وتوسع نطاق تأثيرها ونفوذها إقليميًا ودوليًا. ومن يفهم حقيقة مصر، ونحن نفهمها بعمق، يدرك تاريخية المسار الذي تسلكه مصر اليوم بقيادتها الحكيمة وشعبها الجبار. هذه الشهادة من طرفنا لا تنبع من مجرد عواطف رنانة وليست مجرد مدائح عابرة، بل نابعة من فهم واقعي لمجمل التطورالتاريخي الذي مرت وتمر بها منطقتنا برمتها. هذا إلى جانب الرؤية الفطرية التي تمتلكها الشعوب الأصيلة وتشعر ببعضها البعض من خلالها، والتي لا يفهما أحد غيرهم.
ضمن هذا المفهوم، ومع الأخذ بعين الإعتبار الظروف المصيرية التي نمر بها نحن أرمن أرمينيا الغربية المحتلة بشكل خاص والأمة الأرمنية الأصيلة بشكل عام، يمكن استنتاج أننا وبكل ما أوتينا من قوة وإمكانات نريد الوقوف إلى جانب مصر في مسيرتها الحالية ونقدم كل ما يمكن لنا من تقديمه من إمكانات أبناء شعبنا المنتشر بالعالم، والتي يستغلها العالم دون رحمة أو حساب، ونضعها تحت تصرف إخواننا في المصر. لا يعلم الكثيرون أن هذا التوافق بين الأمتين كان موجودًا منذ أيام الفراعنة، وسنسعى لإحيائه مجددًا. إن مصر اليوم من بين كل الأمم الأصيلة في المنطقة هي الأقدر لتكون ضمانة صلبة لاستقرار المنطقة ومستقبلها الباهر.