الثلاثاء, 03 ديسمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أسابيع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

دراسة: الإخوان المسلمون وإدخال التّمدّد الشّيعي إلى تونس .. راشد الغنّوشي نموذجا

في العمق - الشّيخ خَميس بن علي الماجري التّونسي | Tue, May 30, 2017 1:34 AM
الزيارات: 6295
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

مدخل تاريخي

زحف عبيد الله الشّيعي على رقّادة “القيروان” من المغرب الأقصى (1) مقترفا أشرس حرب تطهير ديني ضدّ أهل السّنّة وقهر سكّان البلاد وأجبرهم على التّشيّع، ولم يطمئنّ عبيد الله الشّيعي إلى ولاء أهل القيروان له، فانطلق إلى المهديّة ليجعلها مدينة له، ولينطلق منها إلى الإستيلاء على مصر ويستقرّ بها عاصمة له سنة 973.

ودام حكم “الفاطميّين” في تونس 64 عاما.

ولم تلبث تونس أن تمرّدت على واليه وعادت إلى مذهب مالك السّنّي ليزول التّشيّع من تونس نهائيّا.

كما أُطيح بالتّشيّع ودولته أيضًا في مصر على يد صلاح الدّين الأيّوبي.

وطهرت المنطقة من الشّيعة وخلُصت لأهل السّنّة أزيد من ألف عام خالية من الفرق إلاّ قلّة من الإباضيّين تعايشوا مع أهل السّنّة في أمان، وظلّ الأمر على ذلك النّحو حتّى انطلاق ما يُسمّى الثّورة الإيرانيّة عام 1979 حيث تسرّب التّشيّع الدّيني عبر مناصرة التّشيّع السّياسي لإيران وما يُسمّى بطولات حزب الله.

فمن وراء بسط التشييع في تونس في تلك المرحلة التي لم يكن فيها شيعي تونسي فيما نعلم قبل سنة 1979؟ ومن أبرزُ الأشخاص الذين غَلَوْا وتراموا في تبييض الخميني الشيعي وإيران الصفوية؟

هذه الدراسة تكشف بالأدلة والتوثيق العلمي من وراء ذلك التشييع في تونس.

إنّ أيّ تقارب مع دين الشّيعة أو إيران وسياساتها التّوسّعيّة العدوانيّة هو ـ بلا منازع ـ تهديد كبير لأمن تونس والتّونسيّين وزرع لمستقبل من نزاع قذر مرير، وراشد الخرّيجي شُهر الغنّوشي لا يرى ذلك، ولذلك لم يعارض أيّ اتّفاق مع إيران سواء كان ثقافيّا أو علميّا أو اقتصاديّا أو سياحيّا، هذا فضلا أن يُغلق مراكز إيران في تونس أو يجمّد نشاط توابعها من نشطاء الشّيعة بتونس لمّا حكم تونس بعد ما يُسمّى ثورة، بل شارك الخرّيجي في مؤتمراتها أو غيرها في إيران أو في سفارتها في تونس في كلّ مناسبة كحضوره بمناسبة الاحتفال بالذكرى 37 للثورة الإيرانية الطائفية، كما حرص أيضًا على توجيه الدّعوة لسفيرها لحضور مناسبات حزب النّهضة سواء كانت سياسيّة أو دينيّة، من مثل احتفالهم بالمولد النّبوي الشّريف هذه السّنة.

لقد تماهى الغنّوشي في الشّيعة مُبكّرا منذ (1968/1969) حيث انتظم منذ شبابه خلال إقامته بباريس بعضويّة فاعلة في جمعيّة طلاّبيّة يُشرف عليها شيعيّ إيرانيّ، وكان الغنّوشي يُعين الإيراني في ترجمة خطب الخميني من الفرنسيّة إلى العربيّة، والغريب أنّ الغنّوشي يعترف ـ في فخر واعتزاز ـ أنّه هو ومن معه من السّنّة اختاروا هذا الإيراني رئيسا لهم فيكتب: “وإنّ ممّا يلفت النّظر أنّ ذلك الطّالب الإيراني الذي اخترناه لرئاسة جمعيّة الطّلبة المسلمين بفرنسا كان الإيرانيّ الوحيد، وكان شديد التّديّن على المذهب الجعفري، وما اعترض أحد على تشيّعه أو أثار هذا الموضوع جدلاً أو شكّل عائقاً أو مصدر حرج لاختياره لموقع الرّئاسة في جمعيّة كلّ أعضائها سنّيّون شدّهم إليه تديّنه وكفاءته “(2).

اعتنق راشد الغنّوشي كثيرا من العقائد الفاسدة للخميني وأتباعه، وانخدع بزخرف شعاراته وتبناها وتماهى فيها فنقل عنهم نفس بدعهم الخبيثة بتصرّف، وتجلّى ذلك في أمور منها:

1– طعنه في الأنبياء عليهم السلام، مُتّهما إيّاهم بالفشل في الجمع بين الإصلاح العقائدي والسّياسي حسب ادّعائه، فكتب:” وهو تعبير صارخ عن فشل مهمّة الجمع بين الإصلاح العقائدي و السّياسي معا “(3). وهذه الطّامّة نقلها الغنّوشي عن الخميني القائل:” لقد جاء الأنبياء جميعًا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنّهم لم ينجحوا، حتّى النّبيّ محمّد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشريّة، وتنفيذ العدالة، وتربية البشر لم ينجح في ذلك. وإنّ الشّخص الذي سينجح في ذلك، ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم، في جميع مراتب إنسانيّة الإنسان وتقويم الانحرافات؛ هو المهدي المنتظر… فالإمام المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخرا من أجل البشريّة، سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم، وسينجح فيما أخفق في تحقيقه الأنبياء…” (4).

لقد جارى الغنّوشي الخميني وأخذ عنه تطاوله على الأنبياء وتجرّءه على الرّسل دون أن يدري أبعاد النّوايا الباطنيّة للخميني ” الباطني ” التي تستهدف تكسير ” قداسة ” الأنبياء والرّسل ـ عليهم السّلام ـ وصنع قداسة كهنوتيّة حول شخصه، لأنّ الخميني – بثورته – بلغ مستوى الرّسالات السّماويّة، وقاد أعظم ثورة لم يقم بها الأنبياء، ليقينه أنّه نائب المهدي له ما للمهدي من منزلة وقداسة، ألم يكتب الخُميني:” وإنّ من ضروريّات مذهبنا أنّ لأئمّتنا مقامًا محمودًا لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل “(5).

2 – طعن الغنّوشي وتشكيكه في خلافة أبي بكر الصّدّيق فكتب:” قوّل أدعياء التّسنّن على نبيّهم، فأوّلوا إنابته لأبي بكر في الصّلاة على أنّه استخلاف ” (6)، وقوله هذا يُوافق قول الخميني الذي كتب:” إنّ أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا خلفاء رسول الله بل أكثر من ذلك، إنّهم غيَّروا أحكام الله، وأحلُّوا حرام الله، وظلموا أولاد الرّسول، وجهَّلوا قوانين الرَّبّ وأحكام الدّين” (7)، وقد أخذ الاستاذ راشد أيضًا هذا الطّعن من محمّد باقر الصّدر الذي يُقرّر أنّ الصّحابة ـ وحاشاهم ـ حرّفوا الخلافة إثر وفاة الرّسول مباشرة فقال:” هذا الانحراف وقع بعد وفاة النّبيّ (ص) وتمثّل في أنّ جماعة من صحابة الرّسول (ص) لم يرتضوا علياًّ المنصوص عليه من قبل النّبيّ (ص)، للخلافة فتصدّى بعضهم لها) (8)، وقال زيادة في التّفصيل:” الانحراف بدأ في أيّام ابن أبي قحافة وعمر، وكان انحرافاً مستوراً، وكان عمر موفّقاً جدّاً في أن يُلبس هذا الانحراف الثّوب الدّيني المناسب) (9)، ثمّ ادّعى أنّ بيعة السّقيفة لأبي بكر شوّهت الإسلام ومسخته فكتب:” لأنّ الأمّة كُتب عليها أن تعيش الحكم الإسلامي المنحرف منذ نجحت السّقيفة في أهدافها. إذن فالإسلام الذي تعطيه السّقيفة امتدادها التّاريخي هذا الإسلام إسلام مُشوّه ممسوخ، إسلام لا يحفظ الصّلة العاطفيّة فضلاً عن الفكريّة بين الأمّة ككلّ وبين الرّسالة، بين أشرف رسالات السّماء وأشرف أمم الأرض” (10).

3 – ومن طعن الغنّوشي في الصّحابة قوله في عمر بن الخطّاب:” لو كان على كرسي الحكم اليوم عمر بن الخطّاب لصار مستبدّاً “(11). والحال أنّ عمر كان يتمتّع بصلوحيّات مطلقة بصفته أميرا للمؤمنين بمعنى أنّه غير مُلزم بشورى المسلمين، ورغم ذلك حكم وعدل وانتصر وأعزّ الإسلام والمسلمين وَأَمنَ.

4 – أمّا الصّحابي الجليل وكاتب الوحي وصهر الرّسول معاوية بن أبي سفيان الملك المجاهد فقد أثخن فيه الخميني القائل:” فلو خرج سلطان على أمير المؤمنين عليه السّلام لا بعنوان التدين بل للمعارضة في الملك أو غرض آخر كعائشة وزبير وطلحة ومعاوية وأشباههم أو نصب أحد عداوة له أو لأحد من الائمة عليهم السلام لا بعنوان التدين بل لعداوة قريش أو بني هاشم أو العرب أو لأجل كونه قاتل ولده أو أبيه أو غير ذلك لا يوجب ظاهرا شيء منها نجاسة ظاهرية. وإن كانوا أخبث من الكلاب والخنازير لعدم دليل من إجماع أو أخبار عليه…” (12). وسار راشد الخرّيجي سير إمامه الخميني فكتب:” الوالي المنشقّ معاوية بن أبي سفيان، وقد غلبت عليه – غفر الله له – شهـوة الملك وعصبيّة القبيلة، فلم يكتف بأن انتزع الأمر من أهله بل ومضى في الغيّ!! لا يلوي على شيءٍ حتّى صمّم على توريثه كما يوّرث المتاع لابنه وعشيرته، فجمع في قصّته المشهورة ثلّة من المرشّحين للخلافة من الجيل الثّاني من الصّحابة، وأمام ملأ من النّاس قام أحد أعوانه يخطب بصفاقة… وحيـنئذ بدأ مسلسل الشّرّ والفساد، مكرّساً الدّكتاتوريّة والوصاية والعصمة، مُقصياً الأمّة عن حقّها، مبدّداً طاقتها في جدلٍ عقيم حول الخلافة والاستخلاف “(13). ومن الأقوال التي وافق فيها الغنّوشي الرّافضة أيضا ما جاء على لسانه في خطبة جمعة له يوم 12/07/2013 في مركز حزبه بمونبليزير بتونس العاصمة أنّ معاوية تمرّد على الإمام عليّ وسنّ لعن عليّ على المنابر حتّى أبطله عمر بن عبد العزيز(14)، وهذا افتراء من افتراءات شيعة لم يقم دينهم إلاّ على الافتراء والكذب، لفّقوها على معاوية ضمن خرافاتهم التّاريخيّة دون إسناد! ومن المُقرّر أنّ الطّعن في أحد الصّحابة هو طعن فيهم جميعا، ومعاوية ستر من هتكه فقد هتك بيت الصّحابة جميعهم رضي الله عنهم.

فتأمّل كيف يحطّم راشد الخرّيجي رموز الأمّة السّابقين من الجيل الرّبّاني الفريد وانظر تطابقه في التّطاول على عدالة أبي بكر وعمر أبي بكرة و عمرو بن العاص وخالُه معاوية بن أبي سفيان، والرّسول صلى الله عليه وسلم حذّره من ذلك، فقال له:” لا تسبّوا أصحابي فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه ” وحذّره أيضا:” لا تسبّوا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره” وتوعده:” من قال في مؤمن ما ليس فيه, أسكنه الله ردغة الخبال حتّى يخرج مما قال”.

5 -ومن طعون الخميني الخبيثة طعنه لعلماء أهل السّنّة وقُضاتهم، فقد أورد في كتابه ” الحكومة الإسلاميّة ” (15) ما نُسِب كذبًا إلى جعفر الصّادق: أنّه يرى التّحاكُم إلى قُضاة المسلمين السُّنَّة وحكَّامهم تحاكمًا إلى الطّاغوت، ثمّ يقول: ” الإمام – عليه السّلام – نفسه ينهى عن الرّجوع إلى السّلاطين وقضاتهم، ويعتبر الرّجوع إليهم رجوعًا إلى الطّاغوت “، ويسبُّ الخميني أحد قضاة الخلافة الرّاشدة وهو القاضي شريح ويقول عنه: “وكان شريح هذا قد شغل منصب القضاء قرابة خمسين عامًا، وكان متملِّقًا لمعاوية، يمدحه ويثني عليه، ويقول فيه ما ليس له بأهل، وكان موقفه هذا هدمًا لما بنته حكومة أمير المؤمنين” (16). وقد وافقه الغنّوشي في ذلك الهراء، فانطلق يُحطّم علماء أهل السّنّة في مناسبات عديدة، فكتب:” قاموا بصفقة تاريخيّة لهم الشّريعة والحكّام لهم السّلطة “(17). ويكتب مرّة أخرى:” والوفاق التّاريخي بين العلماء والحكّام “(18) “. واتّهمهم أخرى أنّهم مجرّد موظّفين من طرف الحكّام وجعلوهم أدوات للاستبداد، فقال:”… مُتّخذة من الدّين ومؤسّساته وعلمائه مجرّد أدوات تستخدم عند الحاجة…وكانت محنة الإسلام وعلمائه عظيمة مع هذه الدّولة فاختار بعضهم المعاضدة للحكّام جريا على عادة علماء الإسلام “(19). وقال متجنّيا على العالم السّنّي والعربي:”…للتّخلّص من العقليّة الفرديّة الّتي سادت العالم السّنّي والعربي منه خاصّة…”(20).

وتأمّل جيّدا كلّ تلك المقولات فستبيّن لك أمران، أوّلهما أنّ الغنّوشي ردّد أقوال الخميني والشّيعة في الطّعن في الأنبياء والصّحابة، وثانيهما أنّه يتحدّث عن الصّحابة وأهل السّنّة من منظور عدائي. وهذا يتناقض مع دعوته إلى ما يُسمّى” توافق “، أفليس التّطاول على رموز الأمّة من الأنبياء والصّحابة وعلماء أهل السّنّة يثير التّفرقة والفتن؟ وهكذا تَفهم أنّ التّوافق المقصود عنده يتعلّق بمسائل السّياسة فحسب، أمّا الدّين والعقيدة عنده فأمور ليست من أولويّاته، بل كما صرّح هو بنفسه أنّها من عوائق العمل السّياسي المشترك مع خصومه العقائديّين، ولذلك لم يستفزّه مسلسل طعن صحابة رسول الله في تونس والأمر يتواصل ويستمرّ ويتضخّم كلّ يوم عبر إعلام المجاري وهو صامت لا يتحرّك، غير أنّه تدخّل تحت ضغوط من منظومة الاستبداد لإيقاف برنامج مهمّ يكشف عن منظومة الفساد والفاسدين في البلاد يُبثّ عبر قناة الزّيتونة ” التّابعة له، وتدخّل الغنّوشي وتوقّف البرنامج.

هذا هو الغنّوشي مع أصحاب النبيّ، أمّا رؤوس الكفر العالمي فيمدحهم ويُثني على “ ديمقراطيّة ” بوش وعلى ” جمال ” حكم شارون، ويحترم ماركس ولينين وكاسترو وبوتن فيقول:” وليس ماركس ولا لينين وكاسترو – مع الاحترام لهم – “(21). وقال في بوتن:” ألم يصنع الرّئيس الرّوسي بوتن سابقة إذ طلب العضويّة الشّرفيّة في منظمّة المؤتمر الإسلامي. وذلك ضمن قراءة نافذة للمستقبل وفي تواضع بعيدا عن طموح مغرور “(22).

هذا هو الغنّوشي الذي يقدح في أصحاب النبيّ أمّا أصدقاؤه فهم:” صديقنا المرحوم العلاّمة مهدي شمس الدّين … صديقنا الشّيخ محمّد علي التّسخيري “(23) أمّا الخميني فهو إمام ومجدّد وروح الله وقائد وأب روحي له ويترضّى عنه في مجالسه، والحبيب بورقيبة أيضًا فقد ترّحم عليه ثمّ رآه في الجنّة بل رفعه إلى منزل ” الرّفيق الأعلى “(24). ومعلوم أنّ الرّفيق الأعلى هو رتبة في الجنّة لا يبلغها إلاّ من أنعم الله عليهم من النّبيين والصّدّيقين والشّهداء وحسن أولئك رفيقا! فهل بورقيبة من الذين أنعم الله عليهم؟ ثمّ من أعلم الغنّوشي أنّ بورقيبة في الرّفيق الأعلى؟ فهل” أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَ?نِ عَهْدًا “(25)؟

فالمقصود أن راشد الغنوشي افتتن افتتانا شديدا بالخميني ونسخ أقواله الخبيثة ودواهيه الخطرة وجعلها من بنات أفكاره. هذا فضلا عن إعجابه بثورته وتأييده لها عبر مجلّة المعرفة وكتبه وحواراته ومؤتمرات إيران التي ترعاها تحت عنوان مؤتمرات التّقريب بين الشّيعة والسّنّة والوحدة الإسلاميّة.

الحضور القوي والمستمر للخميني وثورته في مجلّة ( المعرفة ) (26) وقف الغنوشي إلى جانب ثورة إيران يباركها ويدعو المسلمين إلى مناصرتها، وتحسين مذهبها مُهونا من البعد الشيعي والطائفي. أمّا المدير المسئول الشّيخ “السّلفي” عبد القادر سَلامة فلم يكن مُوافقا للغنّوشي في تنطّعه وحماسته لذلك التأييد، وكان يكتب مقالات تناقض ما يكتبه الغنّوشي إلاّ أنّ الأخير كان يقمع سلامة ولا ينشر له مقالاته ” السّلفيّة ” في مجلّة هو مديرها والمسئول عنها أمام السّلطة. ففي العدد الثّالث من السّنّة الخامسة من تلك المجلّة بتاريخ 12 / 02 / 1979 فقد صدر بغلاف فيه صورة الخميني يمدّ يديه وهو يدعو، وقد غطّت تلك الصّورة كامل الغلاف وتحته صورة أخرى فيها نساء إيرانيات والعنوان الكبير الوحيد بالأحمر ( وانتصر الاسلام ) ! وتحته مقوله للخميني ” عرّفوا النّاس بحقيقة الاسلام كي لا يظنّ جيل الشّباب أنّ أهل العلوم في زوايا النّجف يرون فصل الدّين عن السّياسة وأنّهم لا يمارسون سوى دراسة الحيض والنّفاس ولا شأن لهم بالسّياسة “. ثمّ كتب من تحت ” الإمام ” الخميني. و في نفس العدد وتحت عنوان: ” الثّورة الإيرانيّة ثورة إسلاميّة ” كتب الغنّوشي:” إنّ ثورة إيران هي ثورة الإسلام ضدّ الاستبداد والقهر والتّبعيّة ” وكتب أيضا:” ولذلك فسوف تكون نموذجا يَهتدي به كلّ الأحرار في العالمين الإسلامي والنّامي وتصبح إيران قلعة للحرّيّة ومركز الإشعاع الرّسالي في العالم “.

أمّا العدد التاسع لنفس السّنة الخامسة فقد أبرزت المجلّة عنوان:” المعرفة تُرشّح الخميني “، وكتب الغنّوشي في الصّفحة 9 مع صورة الخميني يقترح على المملكة العربيّة السّعودية التي أنشأت ( جائزة الملك فيصل العالميّة ) أن تسند تلك الجائزة لسنة 1400 هجري إلى الخميني فكتب:” وأسرة المعرفة لا ترى أكفأ وأحقّ بالجائزة الأولى لخدمة الاسلام من الإمام آية الله الخميني بل إنّه لو أُسندت إليه يشرّفها ويرفع من شأنها فهو العالم المتبحّر في الفقه والأصول والفلسفة وعلم الفلك، وهو زعيم الشّعب الايراني المسلم وقائد ثورته العظيمة الذي طرح الاسلام الكامل الشّامل طرحا عمليّا عالميّا دوّخ العالم بقطبيه الشّيوعي والرأسمالي وحرّر شعبه المسلم من الظّلم والاستنزاف الاستعماري وهو سائر به بكلّ قوّة وثبات نحو إرساء دعائم الدّولة الاسلاميّة بإيران، وشاحذا عزائم الأمّة الإسلاميّة وباعثا فيها الأمل نحو العزّة والسّيادة “. أمّا الجائزة فتُقدّر بمائتي ألف ريال سعودي وميداليّة ذهبيّة وشهادة تقديريّة. وفي العدد الثامن من مجلة المعرفة كتب الغنوشي مقالاً بعنوان ” الرسول ينتخب إيران للقيادة ” جاء فيه: ” إن إيران اليوم بقيادة آية الله الخميني القائد العظيم والمسلم المقدام هي المنتدبة لحمل راية الإسلام ” معتبرا أنّ الرّسول عناه في حديث ” إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها “. وقال: ” إنّه بنجاح الثّورة في إيران يبدأ الإسلام دورة حضاريّة جديدة “(27). وكتب أيضا:” الذي يبدو واضحاً أنّ دولة شيعيّة قويّة ستولد في إيران وستكون طرفاً أساسياًّ في تحديد مصير المنطقة فلا مناص من مدّ الجسور الإسلاميّة المشتركة للتّعاون معها “(28). كما يُقرّر الغنّوشي في مقالاته أنّ الاتّجاه الإسلامي الحديث ” تبلور وأخذ شكلاً واضحاً على يد الإمام البنّا والمودودي وقطب والخميني ممثّلي أهمّ الاتّجاهات الإسلاميّة في الحركة الإسلاميّة المعاصرة “، وأضاف في تعبيرة كنسيّة خطيرة تُبيّن عن نَفَسٍ غروري استعلائي أنّ البنّا والمودودي والخميني هم المُمثّلون الشّرعيّون والوحيدون للإسلام فقال:” ولكنّ الذي عنينا من بين ذلك الاتّجاه الذي ينطلق من مفهوم الإسلام الشّامل، وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتّجاهات كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلاميّة بباكستان وحركة الإمام الخميني في إيران “(29)، وهو يقصد بإمامة الخميني للمسلمين قاطبة بدون منازع. كما وصفه أيضًا بـ ” الإمام ” في ذلك النّصّ وفي كلّ كتاباته تقريبا، ففي الصّفحة الرّابعة من كتابه ” الحرّيّات العامّة في الدّولة الإسلاميّة ” يُهدي الغنّوشي كتابه ذاك ” إلى قائد الثّورة الإسلاميّة المعاصرة الإمام الخميني، كما أهداه أيضا إلى ” الشّهيد ” العلاّمة الصّدر و” الشّهيد “علي شريعتي، هكذا هم شهداء عنده، كما وصفه في مجلة المعرفة ـ أعلاه ـ بـ ” روح الله ” و” العالم المتبحّر في الفقه والأصول والفلسفة وعلم الفلك و المُجدّد.

لقد ضيّع الغنّوشي من عمره الخمسين سنة وهو يلهث مؤيّدا إيران وأذنابها في لبنان والعراق في مؤتمرات التّقريب بين الشّيعة والسّنّة والوحدة الإسلامية دون فائدة تذكر إلاّ أن بسط الأرض ومهّدها لإيران أن تخترق تونس التي صحّرها بورقيبة فصارت مستباحة غير مُحصّنة بعقيدة تواجه البدع ورموزها وأنظمتها.

من أبرز تدليسات الغنّوشي وأخطرها التي أُشْربها من الشيعة:

1- جعل مسائل العقيدة من الخلافات الجزئيّة، بل هي كما كتب: ” العقيدة في العمل السّياسي صخرة تتحطّم عليها آمال الشّعب التّونسيّ في الحرّيّة والانعتاق “(30). والمصيبة أنه لا ينظر أن إيران وأذنابها الشيعة هم خطر عقائدي وعنصري، والمدهش أنه لا يزال يعتبر إيران نموذجا إسلاميا متفوقا بالرغم من أن ايران أقصت الإخوان في العراق وساهمت في وأدهم في الشام كما ساهمت في إسقاط حكم الإخوان في مصر واليمن فضلا عن طالبان في أفغانستان.

2 - ليس من منهج الغنّوشي أن يُصارع الشّيوعيّين والملحدين، ولكنّه خُلق لمخاصمتهم على السّلطة فحسب، فإذا كان منهجه مع المُلحدين فكيف يخاصم الفرس الرّافضة وهم عنده أحسن من فهم الإسلام؟

3- يقرر الغنّوشي أنّ الخلاف بين السّنّة والشّيعة ما هو إلا خلاف وهمي، ذكر ذلك في مقال له فكتب:” الصّراع بين السّنّة والشّيعة من المشكلات الوهميّة التي تظهر مع سيادة التّقليد ويُستعاض بها عن المشاكل الحقيقيّة الواقعيّة بعد أن تختفي الفكر ويختفي الإبداع “(31).

4 - كما اعتبر الأستاذ أكثر من مرة أن الاستمرار في استحضار الخلاف التاريخي والنفخ فيه جزء من مؤامرة لخدمة أعداء الأمة تضرب الإسلام بالإسلام

5 - كتب سنة 2009:” إن اتخاذ إيران عدوا هو قرار غير مسئول وغير حكيم ” أما عملية تشييع إيران الواسعة الممنهجة في المنطقة فقد بررها بأنها تبشير لمذهب في جمهور مذهب آخر وشبه ذلك بإخراج مسلم من غرفة يقيم فيها داخل دار الاسلام إلى غرفة أخرى في الدار نفسها وأن ذلك فقط مضيعة للوقت والجهد.

6 - وفي الوقت الذي يضحك فيه الشّيعة على الإخوان المسلمين ويضعون الخطط الخمسينيّة والعشرينيّة لذبح الأمّة، وفي نفس الوقت لم يُسمح فيه للسّنّة ببناء مسجد في طهران، بل هدّمت مساجد السّنّة وفي الوقت الذي يذبح فيه الشيعة السنة في لبنان والعراق وسوريا واليمن يغرّد الغنّوشي:” نحن لسنا مع إثارة حملة ضد التشيع عموما، ولا ضد حزب الله، ويجب أن يحصر الخلاف في قضايا محدودة، ولا يجب أن يتوسع؛ لتصبح حربا مفتوحة بين السنة والشيعة لا يستفيد منها غير المتربصين بالفريقين ” (32).

7 - الخلاف بين السّنّة والشّيعة ” لا يمثّل مشكلة “، صرّح بذلك في حلقة نقاش بعنوان ” أزمة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا: الإسلام / الدّيمقراطيّة والتّطرّف ” جرت في معهد الولايات المتّحدة للسّلام بواشنطن، وهو معهد مُموَّل من الكونجرس الأمريكي، فقال إنّ الخلاف بين السّنّة والشّيعة” لا يمثّل مشكلة “! صرّح الغنّوشي بذلك في وضع عصيب يعيشه السنّة اليمنيّون باستيلاء الحوثيّين على اليمن واستحلال أنفس وأعراض وأموال ومساجد السّنّة. فأغضب تصريح الغنّوشي أهل السّنّة في العالم، فتدخّل شيخه يوسف القرضاوي ودعاه أن يتراجع عن تلك التّصريحات حتّى تتوقّف الهجومات على جماعة الإخوان المسلمين واتّهامها بأنّها تنشر التّشيّع في الوطن العربي.

هكذا بكلّ بساطة الخلاف بين السّنّة والشّيعة ” لا يمثّل مشكلة “، لا مشكلة عقائديّة ولا سياسيّة ! فمتى تكون عنده مشكلة والشّيعة يكفّرون الصّحابة و أمّهات المؤمنين و يطعنون في عرض النّبيّ وزوجاته، هذا فضلا عن كفريّات أخرى لا تُحصى كقولهم بتحريف القرآن الكريم و إضفاء صفات الألوهيّة على أيمّتهم الإثنى عشر وغيرها.

أليست أقوال الغنوشي الطّائشة تُمهّد الطّريق للرّافضة بالتّواجد في تونس بكلّ يسر وسلاسة للفقر الديني الذي عليه شباب الحركة الإسلامية؟

إن أقواله وكتاباته ومواقفه لا تدعو إلى نصرة إيران كـ” ثورة ” فحسب، بل هي دعوة إلى دين الشّيعة الباطل، وقد بينت لك تماهيه في أقوال الشيعة المخالفة لعقائد أهل السنة، فيكون الغنوشي ممن أنبتت التّشيع في تونس. ولقد حكم الغنّوشي تونس بعد ما يُسمى ثورة، وفتح للشّيعة مساحات كبيرة للنشاط ونفّذ سياسة إيران الصّفويّة مما يؤكد أن الغنوشي ما هو إلا حليف لإيران علم ذلك أم جهل، تماما كما مهّد كل الإخوان في بلاد المسلمين ابتداء من فتحي يكن في لبنان. ولستُ بحاجة إلى جمع أقوال ومواقف كلّ قيادات الإخوان ومرشديهم ابتداء من حسن البنّا إلى خالد مشعل الذي زار قبر الخميني ووضع ـ على عادة اليهود والنّصارى والمجوس ـ إكليلاً من الزّهور على قبر الهالك الخميني ثمّ صرّح لوكالة الأنباء الإيرانيّة ” مهر “: ” إنّ حماس الابن الرّوحي للخميني “، أمّا أسامة حمدان فيقول:” إنّ حركته جزء من المشروع الإيراني ولن تتأثّر بما يدور في سوريا “.

إنّ الإخوان المسلمين هم من يتزّعم كبر إثم عقيدة التّقريب بين السّنّة والشّيعة، ويتفاخرون بتلك العقيدة المنحرفة ويعتبرونها أصلا من أصولهم ومكسبا من مكاسبهم، وهم بذلك مهّدوا ولا يزالون لغرس نبتة الشّيعة الخبيثة، و أدمنوا على قرقرات أنّ ” الشّيعة إخواننا وأنّ الخلاف بيننا و بينهم في الفرعيّات لا في الأصول و أنّ الخلاف بين السّنّي والشّيعيّ كالخلاف بين أتباع المذاهب الأربعة “. ولو تتبعتَ أقوال كبار قادة الإخوان المسلمين لتقرّر عندك أنّ هناك علاقة وثيقة وقويّة بينهم وبين إيران، بل لتقرّر عندك أنّ الاخوان هم بوّابة التّشيّع والشّيعة في العالم الاسلامي، وعندما تصدر حقيقة مُدوّية من كمال الهلباوي وهو شخص في موقع متقدّم جدّا ومن أبرز روّاد التّقريب مع إيران فيقول:” الإخوان مع إيران قلبا وقالَبا “. والمتأمّل في سرّ موالاة الإخوان للشّيعة فسيجده في سببين: أوّلهما سياسي ويتمثّل في رغبة الإخوان في حليف يدعمهم للوصول إلى الحكم، وثانيهما ذوقي، لأنّ إمامهم حسن البنّا هو صوفي حصافي شاذلي والصّوفية هي من أقرب أهل البدع إلى الرّافضة، ولذلك قيل: الصّوفيّة جسر للتّشيّع. ولذلك حذر الشيخ يوسف القرضاوي من ” اتخاذ الشيعة للتصوف قنطرة لنشر التشيع في مصر ضمن مخطط مدروس ومستمر “(33).

إنّ شهوة السّلطة قد غطّت عين الغنّوشي فما عاد يبصر إلاّ من خلالها فقصر عقله عن إدراك حقيقة أمر الشّيعة وأهدافهم التوسعية. ولذلك حرص الأستاذ بعد عودته إلى تونس على علاقات ودّ وصداقة مع الايرانيين وأذنابهم من العراقيين وغيرهم، فكان من أكثر الناس تبادلا للزيارات مع السفير الإيراني في تونس وكلما احتفل الغنوشي بأي مناسبة لحزبه إلا ويحرص على دعوة ممثلي إيران ليحتفلوا معه المرّات العديدة في مقرّ حزبه، دون أن يبالي أبدا بمآسي المسلمين في الشام أو العراق أو اليمن أو يكترث بتنبيهات أرسلها له إخوة سوريون. و لستُ أدري بأيّ صفة يُقابل الغنّوشي المسئولين السّياسيّين الشّيعة الذين يزورون تونس دون أن تكون له صفة سياسية رسميّة ؟ فما الذي يدعو الغنّوشي أن يستقبل وزير الخارجيّة العراقيّة في مقره وقد قتلت حكومة الأخير تونسيّين تحت حكم احتلال أمريكي إيراني؟ فهل استقبله ليُهنئ إيران على إبادة العراقيين والسوريين واليمنيين وتهجيرهم واغتصاب حرائرنا هناك؟ هل يستقبلهم ليمتدح إيران التي تُدير حربا قذرة وترتكب أفظع الجرائم وأبشع المذابح ضدّ السّنّة في المنطقة؟ أم يستقبلهم استجابة لاستغاثة الثّكالى واليتامى والقتلى والجرحى والمغتصبات والمسجونين؟ ثم يُرسل وفودا من حزبه إلى طهران ليشكروا الإيرانيين على هدم آخر مسجد للسنة واحتلال الأحواز؟ كما وافق حزبه على زيارة الإيرانيّين إلى تونس كسائحين ثمّ يُهرول إلى سفارة إيران ضمن وفد له كلّ سنة لتهنئة إيران بذكرى ثورتها الشيعيّة، ويقول:” نتطلّع لمزيد من العلاقات “! ومن هنا تفهم غموض موقفه و موقف حركته من التصويت الأخير لوزراء الداخلية العرب يوم 2 مارس/آذار 2016 على تصنيف حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا. ولقد حاول الغنّوشي أن يكون فيه موقفه من المسألة متوازنا، ولكنّه لم يفلح إذ لم يستطع أن يوازن بين حزب الله في حرب تموز ضدّ إسرائيلي، وبين حزب الله الإرهابي في لبنان وخاصة في سوريا، وكأنّ حزب الله عنده قد انتصر على الكيان الصّهيوني والحال أنّ حسن نصر الله صرّح أنّه لم يكن يعلم أنّ اختطاف عَسْكَرِيَّيْن إسرائيليّين سيكون سببا في تلك الحرب التي دمّرت لبنان وجعلتها رُكاما، بمعنى أنّه لو علم أنّ الحرب ستقوم بينهما ما كان له أن يُقدم على اختطاف العَسْكَرِيَّيْن. إنّ ” إسرائيل ” هي التي انتصرت في تلك الحرب وليس حزب الله أبدا، فقد حمت ” إسرائيل ” نفسها وأمّنت حدودها بسياج دولي عبر قوّات ” اليونيفيل “، لتقطع الطّريق أمام المقاومة الفلسطينيّة، ثمّ لم تنته تلك المعارك حتّى تعهّد حزب الله أن لا يبدأ بضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة أبدا.

علاقات الغنّوشي القوية بالشّيعة:

1- في شبابه خلال إقامته بباريس (1968/1969) كان الغنّوشي يفتخر بعضويّة فاعلة في جمعيّة طلاّبيّة يُشرف عليها شيعيّ إيرانيّ وكان الغنّوشي يُعين الإيراني في ترجمة خطب الخميني من الفرنسيّة إلى العربيّة ، والغريب أنّ الغنّوشي يعترف أنّه هو ومن معه من السّنّة آختاروا هذا الإيراني رئيسا لهم ثمّ يفتخر كاتبا:” وإنّ ممّا يلفت النّظر أنّ ذلك الطّالب الإيراني الذي اخترناه لرئاسة جمعيّة الطّلبة المسلمين بفرنسا كان الإيرانيّ الوحيد، وكان شديد التّديّن على المذهب الجعفري، وما اعترض أحد على تشيّعه أو أثار هذا الموضوع جدلاً أو شكّل عائقاً أو مصدر حرج لاختياره لموقع الرّئاسة في جمعيّة كلّ أعضائها سنّيّون شدّهم إليه تديّنه وكفاءته “(34).

2- تعانق الغنوشي مع إيران في فتح أبواب تونس للتّشييع منذ سنة 1979 على الرّغم من تحذيرات بعض مشايخ تونس مثل عبد القادر سلامة من مخاطر الشّيعة، والتي تحقّقت الآن في بلدنا.

3 - تعزّز ذلك التّعانق وصار له رصيد كبير من العلاقات مع الشّيعة خاصّة بتواجده في لندن حيث مقرّ تواجدهم قبل خياناتهم بعد إسقاط صدّام حسين. كان كلّ الشّيعة العراقيّين المقيمين في لندن والذين حكموا العراق بعد غزوها سنة 2003 أصدقاء له، وتواصلت تلك العلاقات الحميمة بينه وبينهم رغم أنّهم دخلوا بدبّابة أمريكيّة واستهدفوا أهل السّنّة، حتّى أنّه لمّا ألقت ميليشيّات نوري المالكي على الشّاب التّونسيّ يسري الطّريقي ـ المُتّهم بتفجير مراقد شيعيّة اتّصل الغنوشي ـ وبآعتراف منه ـ بالطّاغية المالكي لإطلاق سراح الشّابّ، فوعده المالكي بإعادة دراسة ملفّ القضيّة، ولكنّه لم يفعل حيثُ وقع إعدام يسري الطّريقي في شهر نوفمبر2011.

المعضلات الغنّوشية هي نفسها معضلات أئمّة الشّيعة:

1 - فساد العقيدة: لأنّ الغنّوشي ليس من أهدافه نصرة الإسلام ـ ولو آدّعى ذلك ـ وإنّما هدفه الحقيقيّ هو السّلطة، ولذلك فقد صرّح بكلّ وقاحة أنّ مسائل العقيدة من الخلافات الجزئيّة وأن ” العقيدة في العمل السّياسي صخرة تتحطّم عليها آمال الشّعب التّونسيّ في الحرّيّة والانعتاق “(35)، ولذلك يرى أنّ العلماني هو أقرب إليه من السّلفي والتّحريري والتّبليغي لأنّ العلماني غير عقائديّ في حين أنّ الإسلاميّين يعطّلون مسيرة الإصلاح الدّيمقراطيّ بطرحهم مسائل العقيدة من مثل مسائل الولاء والبراء.

ليس من انشغالات الغنوشي أبدا ولا من أولويّاته مطلقا البحث عن مسائل العقيدة أو محاربة أعداء العقيدة، لأنّها لم يُخلق كما صرح لمقاومة الشيوعية كما صرح:” لقد تغيّرت نظرتنا إلى الأمور وصرنا نعي أنّ اللّه لم يخلقنا لنقاوم الشّيوعيّة “(36)، ويقول:” إنّ الصّراع في تونس ليس بين حداثة ورجعيّة ولا بين عقل ودين بقدر ما هو بين أقلّيّة متسلّطة مدعومة من الخارج وبين شعب يطمح إلى التّحرّر وامتلاك دولته ومصيره”(37). وقال:” الصّراع في تونس ليس بين الإسلاميّين والعلمانيّين…”(38). وقال:” … فإذا اختار مجتمعنا أن يكون يوما ملحدا أو شيوعيّا فماذا نملك نحن ؟؟؟ “(39).

والعقيدة عنده ليست هي جوهر الصّراع في تونس فيقول:” مطلوب مزيد من الحوار والتّلاقي والبحث عن المشترك والإعراض عن الخلافات الجزئيّة أو الّتي لا تمسّ جوهر مشكل البلاد اليوم ألا وهو الاستبداد والفساد فإليه وحده يجب أن تتّجه كلّ جهود التّغيير”(40).

إن العقيدة عند الغنّوشي تحطّم رغبته الوصول للسلطة، ولذلك لا تعجب من أقواله تلك، كما لا تعجب أن قَاتَلَ صديقُه في العراق الإخواني طارق الهاشمي رئيس الحزب الإسلامي العراقي جنبا إلى جنب مع بريمر ثمّ مع الصّحوات ثمّ مع الحشد الشّيعي. كما لا تعجب أيضا إبقاءه على التّرخيص الذي مكّنه الطّاغية ابن علي للشّيعة في تونس، في حين يمنع التّرخيص لمشايخ السلفية، كما لا تستغرب صمته الرّهيب إذا طعن علمانيّو تونس في السّنّة وفي أبي بكر وعمر وعثمان، بل رأينا قيادات حزب النّهضة يُوادّونهم فيعودون مريضا يسخر من الإسلام ويُهدونه باقة ورود، كما فعل عبد الفتّاح مورو وسمير ديلو مع الشّاعر أولاد أحمد الذي هددهم بالقتل والسحل إن لم يسلموا السلطة للانقلابيين، أو يُهاتفونهم إذا مرضوا، وهو ما فعله الغنّوشي مع الرويبضة محمّد الطّالبي الذي أُنكر عصمة النّبي ونزول الوحي عليه، واتّهم الرّسول بشرب الخمر وقال ـ لعنه الله ـ عبر قناة تلفزية وعلى المباشر: إنّ عائشة ـ وحاشاها ـ ” كحبة ” كتبتُ الكاف بدل القاف، وطعن في الصّحابة وخاصّة الخلفاء الأربعة منهم واتّهمهم باغتصاب الخلافة ونهب أموال الدّولة، ووصف عمر بن الخطّاب بالدّكتاتور، كما اتّهم عثمان بأنّه أوّل من كفّر المسلمين وأباح الخمر وأحلّ البِغاء، وأنكر الصّلاة والسّنّة وفرضيّة الحجاب والصّلاة على رسول الله و مصطلح الشّريعة في القرآن، ونفى حرق الله الكفار بالنّار.

2 - الضّحالة الفكريّة التي جعلت الغنّوشي يتنقل بين الأشخاص: ولذلك قلبت ” ثورة ” الخميني كيانه وزلزلت قناعاته السلفية فقال:” لقد تغيّرت نظرتنا إلى الأمور وصرنا نعي أنّ اللّه لم يخلقنا لنقاوم الشّيوعيّة “(41)، ومن ثم لا تعجب أن تجده كل يوم مع رجل فيوم مع جمال عبد النّاصر ويوم آخر مع الألباني ويوم ثالث مع حسن البنّا ويوم رابع مع سيّد قطب ويوم خامس مع مالك بن نبيّ ويوم سادس مع المودودي وسابع مع حسن التّرابي ويوم سابع مع الخميني ثمّ مع عبّاسي مدني ثمّ مع صدّام حسين ثمّ أردوغان ثمّ ناصري كما صرح بذلك عندما زار القاهرة بعد حكم الإخوان في إحدى تلك المؤتمرات قال:” أنا أعتبر نفسي ناصريا “(42). ثم حلّ ركبه الآن مع الباجي قايد السبسي وهكذا دواليك. إن تنقلاته هذه بين الرجال تكشف عن حقيقتين: أولاهما ضحالة وخفة فكر الرجل وشدة تعلقه بأي ” زعيم ” يوصله إلى السلطة، وإليك ما سطره هو بنفسه ما يكشف ذلك:” لقد جاءت الثورة الخمينية في وقت مهم جداً بالنسبة إلينا، إذ كنا بصدد التمرد على الفكر الإسلامي التقليدي الوافد من المشرق. فجاءت الثورة الإيرانية لتعطينا بعض المقولات الإسلامية التي مكنتنا من أسلمة بعض المفاهيم الاجتماعية اليسارية.. فلما جاءت الثورة الخمينية علمتنا درساً آخر من الكتاب العزيز لخّصته هذه الآية من سورة القصص” وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ “(43)، وجدنا فيها الحل وكأننا نقرأها لأول مرة.. شعرنا كما لو أن الفكر الإسلامي من قبل لم يقرأ هذه الآية، وكأنما هي كشف خميني. من هنا اشتد حماسنا للثورة الإيرانية وأصبحت وسائل إعلامنا تنشر صور الخميني، ودروسنا أصبح فيها نفس جديد “(44). إن خطاب الغنوشي يكشف عن حقيقة مؤلمة وهي الرخاوة الفكرية التي كان عليها الغنوشي والكثير من قيادات الحركة الإسلامية وخاصة الطلبة الذين أقبلوا على كتب الشيعة من مثل مرتضى مطهري و الصدر وعلي شريعيتي، فنهلوا منها البدع الشيعية التي حرفتهم بعيدا عن أصول وثوابت أهل السنة والجماعة، ولذا وجدنا الغنوشي يُقرر في أكثر من موضع أن أدبيات ايران هي الملهمة لطلبة الاتجاه الاسلامي في الجامعة.

3 - الطّغيان السّياسي: يكاد يكون وحده الذي يقرّر في الحركة ابتداء أو انتهاء بمعنى أنّ الكلمة الأخيرة هي له، لأنه كبّل جماعته ببيعة شرعيّة تُحرّره من إلزاميّة الشّورى، ولذلك ليس له أيّ حرج ولا وخز ضمير في أن يُخالف المؤسّسات ويستخفّ بها.

4 - احتفاظه بمصادر ثروة الحركة وعدم تداولها في أهمّ مؤسّسات القرار لا مؤتمر ولا مجلس شورى تماما كما يفعل أئمّة الشّيعة في الاستيلاء على خمس ثروات الشّيعة حتّى صاروا من أبرز أثرياء العالم.

5 - الزّعامة والهالة والأبّهة والمرجعيّة الفكريّة والوحيدة التي حضي بها الغنوشي بين أتباعه، فهو يتمتع بصلاحيات مطلقة حيث بلغ رتبة ” ولاية الفقيه “، باعتبار أن مُريديه ملزمون دينيا بقيادة الولي الفقيه صاحب السلطة العليا، وهي نفس عقيدة إيران.

ترنّح الغنّوشي في مواقفه من الشّيعة:

لا نُنكر أن الغنّوشي انتقد في مرات قليلة إيران وسياساتها في المنطقة، ولكن تغيّر موقفه في نقده الشّاذّ والنّاعم لا تُحدده العقيدة ومصلحة الأمة، بل هو يخضع لمصلحته الشّخصيّة وبوصلته الإخوانية السّياسيّة، وتجد هذا في مناسبات قليلة جدّا لا تُحسبُ أمام مواقفه الأصليّة المُساندة لإيران. ومن المواقف القليلة التي وقف فيها ضدّ الشّيعة لهذه الأسباب:

أولا: المصلحة السياسية: ويُثبتُ الغنوشي حقيقة أن حماسته المفرطة للثورة الإيرانية لم تُرض إيران، التي لا ترضى بالتأييد فحسب بل هل تُطالب بالتبعية الكاملة للولي الفقيه، فكتب مُستغربا:” وما أن أسفر هذا التوجه الديمقراطي للحركة عن نفسه حتى انتقدنا الإيرانيون بعد أن كانوا قد استبشروا بتأييدنا العارم لهم، فشنت بعض دورياتهم مثل دورية ” الحرس الثوري” علينا هجوماً إذ رأوا في هذه الأبعاد الديمقراطية ” تأثرا بالقيم الغربية الزائفة “، فرددنا بأننا وإن كنا نعتبر الثورة الإيرانية ثورة عظيمة ونساندها ولكننا لا نعتبرها نموذجاً “(45).

ثانيا: ورغم الخدمات العظيمة التي قدمها الغنوشي لإيران فإنه ما إن غادر تونس إلى المنفى واستطاع ابن علي أن يقضي على حركة النهضة حتى أرجع النظام الإيراني علاقاته مع ابن علي وتغزل الإيرانيون باسم المخلوع أنه مسلم ينتمي إلى آل البيت أليس اسمه زين العابدين بن علي، وساهمت قناة المنار بشكل سافر في تبييض نظام ابن علي الفاسد. قال الغنوشي:” إنّ جهات شيعية استغلت محنة الحركة الإسلامية في تونس لنشر التشيع.” (46). كما صرّح أيضا في بداية الثّورة أنّ:” المذهب الشّيعي في تونس فتنة “(47). ولا يمكن أن نعلق على هذه الأقوال إلا بقولنا: لا يُعذر من علِم، وللمرء أن يتساءل على هذه التصريحات: لماذا تتغير موقف الغنّوشي؟ هل يدرك أنّ الشّيعة هم خطر حقيقيّ على الإسلام وعلى المسلمين وبأنّهم مشروع فتنة واحتلال؟ فإن كان يدرك ذلك فلماذا يُجاري إيران ويتعامل معها؟

ثالثا: عندما رفضت إيران استقبال الغنوشي سنة 2007 اهتز موقفه فرد على إيران بشكل متوتر، فقال في ” قدس برس “: هذا موقف انتهازي وغير مبدئي، ويعطي الأولوية لعلاقة مع نظام ديكتاتوري … الرهان على نظام ديكتاتوري هو انتهازية، وموقف متحيز يقدم غطاء للمحاولات الإيرانية لنشر التشيع في تونس. وهو بهذا المعنى رشوة يقدمها النظام الإيراني للنظام التونسي مقابل نشر الفكر الإيراني”، وتحدث الغنوشي على أن هناك تقاربا غير طبيعي بين النظامين الإيراني والتونسي، كما أن هناك بعض الرموز المحسوبة على التيار الشيعي في تونس تقوم بزيارات منتظمة إلى طهران، إلى جانب ذلك هناك تأكيدات بأن النظام التونسي يسمح بدخول العديد من الكتب الشيعية إلى البلاد، لا سيما في إطار معارض الكتاب، بينما يحظر كل الكتابات التي تحسب على تيار الاعتدال الإسلامي مثل كتب الشيخ يوسف القرضاوي أو محمد الغزالي أو غيرها “(48).

رابعا: مُساندته المُثيرة لشيخه يوسف القرضاوي في مقال كتبه أثناء أزمة عابرة بين الإخوان والشّيعة تحت عنوان ” كلّنا يوسف القرضاوي”(49)، تعصّب فيه لشيخه القرضاوي ما لم يغضب عُشُرَه لعائشة وعثمان فضلا عن مُعاوية، فحاول أن يُفنَّد في مقاله الاتهامات التي وجهتها إحدى الوكالات الإيرانية لشيخه ” إمام الوسطية ” فقال: ” لقد اشتد غضبي على مقالة سفيهة سافلة صدرت عن وكالة أنباء إيرانية تجرأت على شيخ الأمة ورأسها، رمته بأوصاف نذلة من صهيونية وماسونية … رددتها بما يستحق صاحبها…” (50). إن غضب الغنوشي الشديد ودفاعه المستميت على القرضاوي يفضح ضحالة عقيدته وتعصبه الحزبي فلماذا يُفجر هذه الألغام ويُخرج مخزونه العدائي دفاعا عن القرضاوي ويصمتُ عن تهجمات الشيعة للصحابة فضلا عن صمته عن جرائم إيران في المنطقة.

ماذا حقق الغنوشي للإسلام وللتونسيين بعد نصف قرن من حوار مع الشيعة؟ لا تجد إخوانيا بمثل راشد الغنوشي قد ساند إيران بحماسة منقطعة النظير تعلقا وتبشيرا بشعاراتها ورموزها تطورت بعد ذلك إلى علاقة طويلة وقناعات مشتركة بينه وبين الشيعة، وقد عمل عملا مستمرا وكتب كتابات متواصلة في تلميع إيران وسياساتها، ورغم كل ذلك، فإن إيران أبت إلا أن ترد علاقاتها مع الدكتاتور ابن علي سنة 1990 لتستغل فراغ الساحة التونسية من الحركة الإسلامية لتنشر عقيدة الرفض المرفوضة، ثم تمنع إيران الغنوشي و محمد سليم العوا ومنير شفيق من دخول إيران في شهر كانون الثاني (يناير) 2007.

وإن أنسى فلا أنسى تذلل الغنوشي وصغاره أمام حسن نصر الله في اتصال هاتفي في برنامج تلفزي على قناة الجزيرة يقدمه غسان بن جدو المتشيع، فما كان من نصر الله إلا أن احتقره ولم يكترث به!!!

أسباب تنامي التّشيّع في تونس:

لا ننكر أن أسبابا أخرى ساهمت في نشر التشيع في تونس زيادة على جهود الغنوشي التي انطلقت منذ 1979 وفي زمن لم يكن في تونس شيعي واحد، خاصة وأن العلاقات السياسية بين تونس وإيران قُطعت منذ 1981 بسبب غلو ولاء الغنوشي للخميني وإيران، ولسبب العثور على تحويلات أموال من سفارة إيران بروما لقيادي من حزب النهضة في باريس.

وهذه أبرز الأسباب الأخرى التي أعانت على نشر التشيع في تونس:

1 - استغلت إيران طحن ابن علي للحركة الإسلامية وتصفية التدين في تونس لتحسن علاقاتها معه لتخترق الساحة السنية في البلاد. فوثقت علاقاتها بالنظام التونسي على كل المستويات من تعاون سياسي وثقافي خاصة، ففسح المجال أمام الدعوة الشيعية، ورخص لهم ولأول مرة في تاريخ تونس الحديث بتأسيس أول جمعية شيعية في شهر أكتوبر 2003 وهي ” جمعية أهل البيت الثقافية ” وقد طرحت على نفسها ” المساهمة في إحياء مدرسة آل البيت ونشر ثقافتهم “، كما أذن الدكتاتور ابن علي بتوزيع الكتاب الشيعي هذا فضلا عن الاتصال المفتوح والمكثف بين رموز التشيع وإيران، كما وافق الدكتاتور على التحاق طلبة تونسيين بجامعات ومراكز شيعية في إيران. فالحاصل أن التشيع وجد في تونس في عهد المخلوع مجالا للنشاط دون أية مضايقة أو اعتراض بل وجد تشجيعا ودفعا له.

2 - ما قامت وتقوم به البعثات الثّقافيّة الإيرانيّة من خلال سفارتها في تونس من اختراقات لوحدة البناء السّنّي وإرساء فتنة التّفريق بين المُكوّن المذهبي وذلك عبر نشر لمطبوعات تُشكّك وتنال من عقائد السّنّة وتُؤسّس لعقائدها الفاسدة. مثل الطّعن في الصّحابة ….

3 - الدور الكبير الذي لعبه جماعة ” الإسلاميون التقدميون ” ومن أبرزهم إحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي في نشر كتب مرتضى مطهري وعلي شريعتي وباقر الصدر في مجلتهم 15/21 ومكتبتهم المُسماة ” الجديد “.

4 - مزايدة الغنوشي على ” الإسلاميين التقدميين ” الذين بدؤوا منذ سنة 1978 يمثلون مشكلة ربما يكونون المزاحم الخطير والمنافس الأبرز الذين سيختطفون الساحة الإسلامية والشباب الهائج الذي تماهى مع ” الثورة ” الإيرانية وشعاراتها البراقة، فراح الغنوشي يُزايد عليهم في مواقفه خطاباته وكتاباته.

5 - الأثر الكبير الذي تمتع به حزب الله بسبب ما يُروج ما قام به من عمل ” بطولي ” ضد المحتل اليهودي.

6 - تأثير القنوات الشيعية في التونسيين ومن أبرزها قناة ” المنار ” الفضائية حزب الله اللبناني.

ولكن أيضا نُثبتُ أنّ الغنّوشي كان ولا يزال السبب الأبرز وراء اختراق وخرق ونقض الوحدة الدّينيّة في تونس واستهدافها عن طريق الجهود المنظّمة لنشر التّشيّع في بلدنا خاصّة وفي بلاد العالم عامّة منذ سنة 1979، وهو الذي يعترف أنه لم يكن شيعة في تونس قبل ذلك التاريخ، فمن الذي غرس التشيع في تونس دونه في تلك الفترة؟ يقول الغنوشي: ” أما بالنسبة لما جذبنا في الثورة الإيرانية، فنظراً لعدم وجود شيعة في تونس تعاملنا مع الثورة على أنها ثورة إسلامية ” (51). وقد غرس الغنّوشي نبتة التّشيّع في تونس ومهّد لها من خلال دروسه العامّة وكتاباته بعد ثورة الفرس التي أشرتُ إلى بعضها في مجلة المعرفة خاصة. ولأنه أيضًا دخل في منافسة ومُزايدة مع ” الإسلاميين التقدميين ” الذين ساهموا في نشر كتب الشيعة وأفكارهم عبر مجلتهم 15/21 ومكتبتهم المُسماة ” الجديد “. ولذلك تأثر الكثير من أبناء الحركة الإسلامية منذ 1979 تاريخ ” ثورة ” الخميني، فكان تراب الزمزمي والتيجاني السماوي ومبارك بعداش من أبرز الذين تأثّروا بذلك، فتشيّعوا وشيعوا كثيرا من أهل الجنوب خاصة بعد استقالتهم من حركة الغنّوشي في بداية الثّمانينات من القرن الماضي وصاروا ” زعماء ” شيعة، وخاصة الأخير منهم بعدما كان المسؤول التّنظيميّ لحركة الاتّجاه الإسلامي، ( النّهضة حاليّا ) على كامل جهات الجنوب التّونسي، ووالله لقد تمدّد التّأثّر بالشّيعة في عبادات النّهضويّين حيث صار بعض قياداتهم الجامعيّة في تلك الفترة أن يتصنّعوا النّواح في أدعيتهم تشبّها بما يفعل الشّيعة تماما، وأحد هؤلاء هو موجودة في حكومة الصيد حاليا.

والسؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُطرح ما الذي يأسر الغنّوشي وحزبه في الدّوران حول ولاية الفقيه الفارسيّة ويتآمران على تونس السّنّيّة وعروبتها وتراثها وتاريخها ويتركان الشّيعة يخترقون كل مؤسسات الدولة يرتعون في كامل البلاد يُشيّعون شعبنا ويصمتون عن تحطيم عقائدنا، بل نراهم يُهاجمون كلّ من يقوم بواجبه الشّرعي في تعرية المدّ الشّيعي وكشفه! فهل هؤلاء يهمّهم الإسلام؟

ما الذي يجعل الغنّوشي يساند المشروع الفارسي وينشر ” محاسن الثّورة ” الإيرانيّة في البلاد العربيّة والاسلاميّة؟ ولماذا ” يلتصق” الغنوشي بإيران وكأنه حليف أبدي للشيعة؟ هل ثمة أمر ما يجعله مُكبلا بتلك العلاقة لا يستطيع أن ينفك عنه؟ أسئلة مشروعة لأمر مُحير.

السبب الأبرز في ركوب الغنوشي موجة الثورة الإيرانية: إن ما يُسمى الثورة الإسلامية التي اندلعت سنة 1979 جاءت في أحلك فترة تاريخية سياسية للغنوشي الذي كان يُواجه إعصارا تنظيميا داخل ” الجماعة الإسلامية ” العقائدية المنغلقة على الولاء للسلفية فكرا والإخوان المسلمين تنظيما ” النهضة حاليا ” حيث تمردت مجموعة ” مكتب العاصمة ” وطعنت في شرعيّة الغنّوشي ودعت الى الانفتاح على كل مختلف تيارات الفكر الاسلامي والعالمي والقطع مع الإخوان، وقد كانت ” الجماعة الإسلامية / النهضة اليوم ” ـ وقتها ـ جماعة تعمل دون قانون أساسي ودون ضبط لصلوحيات الغنّوشي ” الأمير ” الذي لم يُنتخب ويتصرّف كأمير المؤمنين الصّلوحيات المطلقة في تشكيل المكتب التّنفيذي والمشرفين على الجهات وأعضاء مجلس الشّورى، فما كان من الغنوشي إلاّ أن حلّ مكتب العاصمة وجمّد عضويّة المشرف عليها لأنّهم أرادوا قيادة حركة إصلاح ومراجعة وتجديد في جسم إخواني يختنق على تعبير صلاح الدّين الجورشي.

فالذي يمكن أن نُقرّره أنّ ما يُسمى الثورة الإسلامية في إيران أنقذت الغنّوشي من معضلة سياسيّة ضخمة ومن مأزق تنظيمي قاتل في تلك الفترة، فركب الموجة الإيرانيّة وسايرها وجامل الثّورة الإيرانيّة بل تبنّاها ليُشاغب ويكسّر بها شوكة ” الإسلاميّين التّقدميّين ” من جهة، وليشغل به الاتّجاه الإسلامي المُتكوّن من الشّباب الحماسي والعاطفي من جهة ثانية، وأيضا ليشدّ به التّيّار الطّلاّبي المغامر والمتهوّر من جهة ثالثة، وليقفز بالحدث ينجو به من مشكل تنظيمي داخلي مُهدّد من جهة رابعة، هذا فضلا عن تشغيل السّاحة الإسلاميّة بالحدث الإيراني في ظلّ فراغ مشروع غنّوشي واضح إلاّ إثبات حضور هائج وبروز مُلفت استجابة لدوافع نفسيّة واضحة حيثُ كان الغنّوشي مُتضايقا ممّا سمحت به السّاحة وقتها من تنافس قويّ وشديد بينه وبين الإسلاميّين التّقدّميّين وأيضا من الدّاعية حسن الغضباني الذي كان مُزعجا جدّا للغنّوشي حيث كان أبرز خطيب مُفوّه ومؤثّر في تلك المرحلة، وكان مريدوه في الدّروس العامّة تفوق الأضعاف ما يجتمعون حول الغنّوشي، فكان لا بدّ من المزايدة على الأطراف الإسلاميّة الأخرى في الخطاب وفي جريدة المعرفة لكسب أكثر ما يمكن من المتعاطفين ومن الجمهور ومن تشغيل ماكينة الحزب الذي يحتاج إلى شحنها بخطاب سياسي تحريضي تهريجي.

فالمقصود أنّ تعلّق الغنّوشي بإيران والذّود عنها و عن إمامها وتبنّي بعض أفكارها التي أشرتُ إليها أعلاه، لم يكن وليد دراسة أو تخطيط أو رؤية واضحة، وإنّما هو نتيجة ركوب الموجة ليحلّ بها مشاكل تنظيميّة عاصفة للجماعة وللمشاغبة على خصومه وأيضا نتيجة التّأثّر الصّبياني بشعارات الثّورة الإيرانيّة دون معرفة مسبقة بالنّتائج الكارثيّة على بلد مُتميّز بوحدة عقائديّة سُنّيّة إمامها مالك بن أنس أحد أبرز أئمّة أهل السّنّة والجماعة. ولقد جنت تونس كوارث بسبب ذلك التّهوّر والحمق وها هي بلادنا اليوم قد اخترقها الشّيعة في كلّ مواقع التّأثير وخاصّة في الإعلام، ورجال الفكر والقرار.

وهكذا عندما يكون حبّ السّلطة وحلم الوصول إليها هو الهدف والمُحدّد لمسيرة أيّ شخص يستعمل كلّ وسيلة ويصير مُستعدّا للتّحالف مع من هبّ ودبّ ولو كان الشّيطان نفسه! ولقد كشفت ما يُسمّى ” الثّورة ” في تونس حقيقة الغنّوشي ونواياه إذ تبيّن بالمقال والحال أنّه مُستعدّ لكلّ شيء، لأنّ المهمّ عنده أن يصل إلى سدّة الحكم ويهدم الدّين ويُقاتل المُوحّدين بآسم الدّين! فما أخطره على العباد والبلاد!

خاتمة

إن من المُقرّر عند أهل السّنّة والجماعة أنّ الكلام في أهل البدع من أعظم الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، وأنّ قول الحقّ فريضة، وأنّ تأخير البيان عند الحاجة لا يجوز، ولأن الغوغاء الجهلة عادة ما يُفتنون بالرّويبضات ” المشاهير ” الذين تصنعهم الكوارث، وراشد الخرّيجي شُهِر ” الغنّوشي ” من أبرز مشاهير الرّويبضات، وهو صاحب بدع خطيرة وضلالات عظيمة لا تُحصى ولا تُعدّ، حيث أمضى جزءا كبيرا من عمره ومن حكمه في تبديل معاني الدّين والتّصدّي للمتمسّكين بالكتاب والسّنّة ووصفهم بالمتطرّفين والمُتشدّدين بمقاييسه السّياسيّة الأمريكيّة والحزبيّة الإخوانيّة. وأنا إذ أُبين بالأدلة تأييد الغنّوشي المزمن للدّين الشّيعي من جهة و للتّقارب مع إيران الصّفويّة من جهة أخرى، فلأنّني لا أجامل ولا أُداهن في ديني، ولذا فإنّه لا يهمّني سبّهم وشيطنتي لي، لأنّ كلّ الذي يهمّني هو الذّبّ عن ديني وإنقاذ تونس من كوارثه لعلّ الغافلين من أتباعه يستيقضون لكي لا تتكرّر في بلدي مآسي تحالف الإخوان مع الشّيعة الموالين لإيران التي دمّرت وخرّبت العراق وسوريا ولبنان واليمن التي لا تخفى على أحد. إنه لا بد أن نتصدى للضّرر الجليّ الذي أحدثه الشّيعة داخل الأمّة، كما لا بد أن نكشف أيضا أنّ العلاقات الحسنة التي يقيمها الإخوان المسلمون بطهران جريمة كبرى لم يستفد منها إلاّ إيران وأذنابها الذين يطعنون أهل السّنّة في الظّهر منذ سنة 1979 حيث يستغلّون تلك العلاقة لنشر التّشيّع في أهل السّنّة في البلاد العربيّة خاصّة، ولقد اخترقت إيران تونس في كلّ مؤسّساتها بما فيها مؤسّسات الدّولة كالجامعة ووزارة الشّؤون الدّينيّة والتعليم وغيرها هذا فضلا عن الإعلام وما يُسمّى النّخبة.

ومساهمة منّي في درء ذلك خطر التّشيّع المُحدق ببلادنا، وسعيا منّي في تخليص المفتونين بالغنّوشي، وتبصير أتباع الهدى بحقيقة هذا الدّاعية إلى جهنّم، فجّرتُ بين أيديهم لغما واحدا له، وهو علاقته المشبوهة بإيران. من أجل ذلك، تناولت في هذه الأسطر بابا واحدا من أبواب ضلالاته الخطيرة وهو ما يتعلّق بعلاقته بالشّيعة دينا وبالحضور الايراني السّياسي والثّقافي في تونس الذي يمثّل مصدر تهديد خطير.

هذا هو حقّ الله تعالى ثمّ حقّ اُمّتي المُغرّر بها، وهو أيضا حقّ الشّباب خاصّة الذين ينبهرون بالشّعارات البرّاقة المخادعة التي أدمن عليها الذين احترفوا العمل السّياسي بالدّين. إنّها رسالة للأمّة ولشباب النّهضة أُبيّن لهم واُقيم عليهم الحُجّة، وأُظهر المحجّة، لأنّ غالب أولئك الشّباب يفتقدون إلى العلم الشّرعيّ بدليله، فلم يقدروا على تصفية كلام رجالهم بالدّليل أو وزن أعمالهم بالتّنزيل.

هذه أقوال راشد الغنّوشي وكتاباته ومواقفه حجّة لي وعليه، جمعتُها بين يديك، ونثرتُها بين عينيك، ذبّا عن الإسلام من المُدلّسين وبيانا لأهل السّنّة في العالَمين، راجيا من ربّ العالمين، أن يهديه ويفيق من أوهامه ويلتحق بشيخه يوسف القرضاوي الذي صرّح بخطئه على تضييع أكثر من أربعين سنة في تيه التّقارب مع الشيعة والتحاقه بفسطاط العقائديّين في براءتهم من الرّوافض، وأن يحشرني في زمرة المُجاهدين بالحجّة والبيان، وصلّى الله وسلّم على سيّد ولد عدنان، شفيع الإنس والجان…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ) يوم الخميس 20 ربيع الثاني سنة 296 هـ/ 6 جانفي 909 م.

2 ) من كتاب من تجربة الحركة الإسلاميّة في تونس ص 37.

3 ) راشد الغنّوشي . كتاب الحركة الإسلاميّة ومسألة التّغيير ص 25.

4) من خطبة ألقاها الخميني بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي في (15/8/1400هـ).

5 ) الخميني. كتاب الحكومة الإسلاميّة. ص 52.

6) الغنّوشي. الحرّيّات العامّة في الدّولة الإسلاميّة. ص 162.

7) الخميني كتابه ” كشف الأسرار” صفحة 110.

8) محمد باقر الصدر. ” أهل البيت تنوع أدوار و وحدة هدف “. ص 134.

9) نفسه. ص 101.

10) نفسه. ص 13.

11) https://www.youtube.com/watch?v=hBwZ0Iw4s6c

12) الخميني. كتاب الطهارة: 3/337.

13) الغنوشي.الحرّيّات العامّة في الدّولة الإسلاميّة. (ص 164).

14) https://www.youtube.com/watch?v=UudAj_frjEs

15) الخميني. الحكومة الإسلامية ص 74. وانظر كتاب: “وجاء دور المجوس”. ص148

16) آنظر كتابه الحركة الإسلاميّة والتّغيير. ص 31.

17) نفسه ص 30.

18) راشد الغنوشي. نفس المرجع ص31.

19) راشد الغنوشي. نفس المرجع ص31.

20) مقالات حركة الاتجاه الإسلامي في تونس”. ص 97. كتاب جمع فيه كل افتتاحياته في مجلة المعرفة.

21) من مقال له بعنوان:” نحن مع العمل المشترك “.

22) من مقال له: ” الغرب والدّيمقراطيّة والإسلام “.

23) من مقال له: ” العلاقة بين الشيعة العرب وإيران “.

24) في برنامج تلفزيّ في قناة الحوار التونسية اسمه ” لمن يجرؤ فقط “، بُثّ يوم 19/01/2014.

25) سورة مريم (78).

26) لسان الحركة الإسلاميّة في تونس منذ 1972. تولّى الإدارة والمسئولية أمام السلطة الشّيخ عبد القادر سلامة، وتولّى رئاسة التّحرير راشد الغنّوشي.

27) الغنوشي. ” الحركة الإسلامية والتحديث “. ص 17.

28) الغنوشي. ” مقالات حركة الاتجاه الإسلامي في تونس “.

29) حسن التّرابي و راشد الغنّوشي كتاب ” الحركة الإسلاميّة والتّحديث “. ص 16 و 17.

30) موقع تونس نيوز في 20 / 04 / 2006. وهو يتحدّث عن عوائق حركة 18 أكتوبر. ملاحظة: هذا الموقع يُشرف عليه أفراد نهضويين في المنفى غير مُعلنين عن هويتهم، وبعد ما يُسمى ثورة حجبوا ذلك الموقع بأمر من الغنوشي لآحتواء الموقع على ما يُدينه وحزبه.

31) العدد 26 مارس 1985 مجلّة الطّليعة الإسلاميّة. وهى مجلّة شهريّة تصدر في لندن.

32) http://www.turess.com/alfajrnews/9386

33) صحفية المصري اليوم (8/9/2008).

34) الغنوشي. من تجربة الحركة الإسلامية في تونس ص 37.

35) موقع تونس نيوز في 20 / 04 / 2006. وهو يتحدّث عن عوائق حركة 18 أكتوبر 2005

36) الغنوشي. من تجربة الحركة الإسلاميّة في تونس ص60

37) انظر صحيفة الرّاية ع 314 س 9 بتاريخ 2 0/05 / 1419 هجريّة.

38) برنامج الاتّجاه المعاكس – قناة الجزيرة – 22 /10/1999.

39) المجتمع الكويتيّة سنة 1981.

40) رسالة العيد. موقع تونس نيوز. لم أعثر على العدد والتاريخ لأن الغنوشي حجب الموقع.

41) من تجربة الحركة الإسلاميّة في تونس. ص60 .

42) آنظر منتدى العصر تحت عنوان سياسة ‘عصابية’ وعدمية تجر لبنان إلى الهاوية بتاريخ 0 3 ـ 11 ـ 2006.

43) سورة القصص 5ـ.6.

44) من تجربة الحركة الإسلامية في تونس. ص 61/62.

45) من تجربة الحركة الإسلامية في تونس. ص 64/65.

46) الفجر نيوز نشر في الفجر نيوز يوم 18 – 09 – 2008.

47) http://www.turess.com/alfajrnews/9386

48) جريدة 14 جانفي 19 جويلية 2011.

49) قدس برس. 10/01/2007.

50) نفسه.

51) من تجربة الحركة الإسلامية في تونس. ص 64.

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت