السبت, 19 إبريل 2025
اخر تحديث للموقع : منذ 5 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

المؤامرة "الصهيو أمريكيّة" على مَرَاكزِ الدِّرَاسَات العَرَبيّة.. الأهداف والنتائج

آراء وأقوال - ناصر أبو عون | Wed, Oct 19, 2016 12:40 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

ليسَ خافيًا على أحدٍ وجودُ مراكزَ بحثيةٍ في كثيرٍ من بلدانِ العَالمِ أُنْشِئَتْ لأغراضٍ سياسيةٍ وتنمويةٍ في (ظَاهرِها رحمةُ)، وفي (بَاطِنِها العذابُ) تستندُ تمويلا وفكرًا إلى منظماتٍ صهيونيةٍ عالميّةٍ وتتخذُ من العَواصِم الكُبرى مقرَّاتٍ لها، والأنكى أنَّ بعضَها يتبعُ حكوماتٍ، وهيئاتٍ سياسيةٍ، ومعاهد عسكريةٍ، بينما يلعبُ البعضُ الآخر منها دورًا حيويًا ضِدَّ دولِ الشرقِ الأوسطِ أقلُّ مَا يوصفُ بأنَّه عنصريَّ وكُولونيالي، وفي سَقْفِهِ الأعلى ليسَ غير فرعٍ إقليميّ تابعٍ لأحدِ أجهزةِ الاستخباراتِ العالميّة. وكان من أبرزِ هذه المراكزِ : [معهد دراسات إعلام الشرق الأوسط (ميمري)] ومقره واشنطن وهدفه متابعة ما ينشر في صحافة الشرق الأوسط ودور النشر والمراكز العربية وترجمته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والروسية وإرسالها إلى صناع القرار في عواصم العالم الرئيسة وقد كشف المحلل السياسي لصحيفة الجارديان البريطانية النِّقاب عن الدور الخبيث الذي يقوم به هذا المركز من خلال مقالة له بعنوان (انتقائية ميمري) فضح فيه عنصرية هذا المركز ودوره في تشويه الصورة العربية من خلال التحريف في عملية الترجمة والتلاعب في النصوص من خلال اقتطاع بعض الفقرات من سياقها.

ولا يغيب عن وعي الباحثين العرب الجادين ما يقوم به (المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي NDI)) على الساحة العربيّة والذي يمثل رأسا لجسد ضخم يتغلغل في الساحة الدول العربية يشتغل على مجموعة من الأفكار تستهدف تأجيج الشعوب على أنظمتها وخلق حالة من الاضطرابات الداخلية في الدول المستهدفة لإشاعة الفوضى الخلاقة وهو جزء من منظومة المعاهد والمراكز الغربية التي تعبث بالأمن القوميّ تحت شعار "ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة العربيّة)، ويؤازره في تحقيق هذه الأهداف الكبرى "المعهد الجمهوري الأمريكي"، و"وست منستر"، و"الشركاء الدوليون" وغيرهم الكثير. ومن واشنطن إلى بريطانيا رأينا كبرى دور النشر العالمية تصدر قاموسا عالميا تحت عنوان (ويبستر) في طبعة جديدة تتضمن مغالطات وافتراءات عن الإسلام والمسلمين وإساءة بالغة للدين الإسلامي تتعارض مع الأمانة العلمية، والنزاهة الأكاديمية.

وقد كان لمراكز الأبحاث العربيّة الرصينة نصيبُ الأسد من حجم المؤامرات الصهيونيّة ولم تكن المؤامرة على (مركز زايد للتنسيق والمتابعة) هي الأولى والأخيرة بل طالت العديد من المراكز البحثيّة غيرَ أنّ مراكز زايد تلقى الكم الأكبر من الضربات، وتتابعتْ عليهِ المؤامرات لأنّه اشتغلَ على تحقيقِ العديدِ من الأهدافِ وكان من ضمنِ أولوياته: (كشفُ قِنَاعُ معاداةِ الساميّة) الذي تختبأ وراءه العديد من المؤامراتِ الغربية تجاه المنطقة العربية، ومن ثَمَّ انعقدت خيوط المؤامرة تمهيدًا لإقصائه وإفشاله  ومنعه من القيام بدوره التنويري تمهيدًا لإسقاطه وتهميشه، وانتهت بإغلاق أبوابه.

ومن هذا المنعطف تنبهت قوى الشّرَّ الإمبريالية وانطلقت في عقد خيوط المؤامرة وكان عليها أن تعمل بجد ودأب للنيل من (مركز زايد للتنسيق والمتابعة) بأساليب عديدة، وانعقد العزم على نصبِ فِخَاخِ (حيلةِ معاداةِ السامية) لتكون الوسيلة الناجعة والحجر العثرة، والقنبلة الموقوتة التي سوف يتم تفجيرها في (خط سير) المركز الصاعدِ بقوة لإيقافِ نشاطه البحثيّ المتنامي في سُلَّم الوحدَةِ ودورِه الإيجابيَّ في إيقاظِ الوعي القوميّ العربيّ.

والغريب أنه حين حرص البعض على إعادة إنشاء المركز بالقاهرة -إبّان عرض المشاريع البحثيّة الأمريكية المشبوهة، كمشروع الشرق الأوسط الكبير والأكبر – وجد أصحاب الفكرة رفضًا شديدًا، ومتعنتًا بزعم أن الإدارة الأمريكية تبشرُ بقربِ زمنِ الديموقراطيّةِ والحرياتِ في المنطقة وهي التي تتبنى - في الواقع - سياسة تكميمِ الأفواه في المنطقة وقد مارستْ ضغوطا لأجلِ إغلاقِ (مركز زايد للتنسيق والمتابعة) بدعوى مناهضةِ الساميّة ومعاداةِ أمريكا، ومن المستغرب أيضا أنه تمّ إغلاق المركز بشكل متعمّد وإغلاقِ موقعه على شبكة (الإنترنت) بشكل متعمد أيضا. لقد كان الهدفُ إذنْ - بعد النجاحِ في إغلاقِ المركز- ، محاولةَ القضاءِ على أيَّة محاولةٍ جديدةٍ لإعادةِ افتتاحهِ.

وعلى الرُّغمِ من انكشافِ المؤامرةِ التي قامتْ بها الصهيونيةُ العالميةُ تجاهَ المركزِ فقدِ اتضح أنَّ المركزَ لم يكنْ هو الغايةُ؛ بلْ (الدور) الذي كان يقوم به من داخلِ الإماراتِ والمتمثل في سعيِهِ الدؤوبِ نحوَ (تكوينِ وعيِّ عربيِّ قوميّ، توطئةً لوعِي عُضويِّ عربيَ يستطيعُ أنْ ينهضَ في بدايةِ الألفيةِ الثالثةِ).

وإذا ما تتبعنا المؤامرةَ الصهيونيةَ تجاه (مركز زايد للتنسيق والمتابعة) تاريخيًا بدايةً من حصوله على موافقةِ المجلسِ الوزاريّ لجامعةِ الدولِ العربيةِ عام 1999 ونشاطهِ ودراساتهِ الواعيةِ ودورِها في تعريةِ المؤامراتِ الصهيو أمريكيةِ والتي أثارتْ حفيظةَ الدوائرِ الصهيونيةِ فَتَحَرَكَّتْ بِفَاعِليةٍ تجاهَ المركزِ لغلقهِ وتدميرِ موقعهِ على الإنترنت خاصةً بعد نشره دراستين حولَ: (حائطِ البراقِ)، و(الحركةُ الصهيونيةُ ومُعاداتُها لليهودِ) وقدْ أثارتْ الدراستانِ جَدَلا كبيرًا في صفوفِ ناشطين يهودٍ في الولاياتِ المتحدةِ، وصَدَرَ تقريرٌ من الخارجيةِ الأمريكيةِ يتهمُ المركزَ بِمُعَاداةِ الساميّةِ، وبذلك استطاعَ اخطبوطُ الصهيونيةِ توظيفَ اليمينِ الأمريكيّ المتطرِّفِ، والإدارةِ الأمريكيةِ؛ بَلْ الكونجرس بوجهٍ خاصٍ ضِدَّ "مركز زايد" من تحتِ قِنَاعِ السَّاميّةِ، وبدأت ماكيناتُ المؤامرةِ في الدورانِ من بعدها بدون توقفٍ.

ففي 17 أغسطس 2003 تمَّ توجيهِ انتقادات أمريكية غربية لـ"مركز ِ زايد للتنسيق والمتابعةِ" الذي كانتْ تُشْرِفُ عليهِ الجامعةُ العربيةُ واتهمَتْه بـ(معاداةِ السَّاميّةِ)، والترويجِ (لنظريةِ المؤامرةِ) وترتب على ذلك إغلاق المركز نهائيا؛ وظلَّ يتعرّضُ المركز لحملةٍ صهيونيةٍ وجهودٍ من جماعاتٍ يهوديةٍ في الولاياتِ المتحدةِ وبريطانيا لإغلاقهِ بدعوى (معاداةِ السَّاميّةِ)، كما اتهمتْ جامعةُ هارفارد المركز بـ(تشجيعِ العداءِ بين الأديانِ) بزعمِ أنّه استضافَ عددًا من المفكرين قالتْ إنَّهم هاجموا اليهودية.

وكان لمعهدِ (ميمري للبحوث والإعلام في الشرق الأوسط) دورٌ واضحٌ في قيادةِ الحملةِ المضادةِ لمركزِ زايدٍ بَعْدَمَا أصدرَ في وَقْتٍ مُبْكِرٍ عام 2002 تقريرًا عن المركزِ اتّهمه فيه بمعاداة الولايات المتحدة والغربِ وبالعداءِ للسَّاميّة ثُمَّ أَصدر تقريرًا ثانيا في 11 يوليه 2003 كرَّر فيه الاتهاماتِ ضِدَّ المركزِ، وأوصلَها إلى مُتطرفي البيتِ الأبيضِ من اليمينيين الجُدُد.

وكان معهد ميمري قد اتَّهم مركزَ زايد بأنَّه استضافَ متحدثين (يروجون) لرفضِ (المحرقة/الهولوكست)، كما استضاف (ثيري ميسان) مؤلف كتاب (11 سبتمبر : الكِذْبة الكبرى) الذي يرفض الرواية التي قدمتها الحكومة الأمريكية لهجمات نيويورك وواشنطن.

والغريب أن الجامعة العربية لم تتدخلْ لحماية المركزِ من الغلق نتيجةِ الضغوط الأمكريكيةِ، ورَفَضَ مسئولو الجامعةِ التعليقِ على قرار  غلقِ المركز، ومنذ أن أَحْكَمَتِ المؤامرةُ خُيُوطها، وأغلقَ المركزُ أبوابَه ، تكشفت أطراف المؤامرة أكثر،  فأكثر، وعَمَدَتْ (لجنةُ مكافحةِ التَّشهير) التي تتخذُ من مدينةِ نيويورك مقرًا لها؛ إلى التَّجَنِّي على (مركز زايد للتنسيق والمتابعة)؛ كونهِ يسعى إلى تحقيقِ أهدافهِ ومن بينها استضافةِ مفكرين، ومثقفين، وسياسيين من مختلفِ أنحاءِ العالمِ يطرحون المزاعم الصهيونية، على بساطِ البحثِ ويفندون.

إن الذي تابعَ نشاطاتِ (مركز زايد للتنسيق والمتابعة) على مدى الفترةِ التي كان متصدرًا فيها سباق الأبحاثِ الرَّصينةِ (تطبيقا، وترويجًا ونشرا)، سوف يكتشفُ كيفَ كانَ يقومُ هذا المركز بدورٍ إيجابيّ لصالحِ إنتاجِ (معرفةٍ موضوعيةٍ) وفي عصرِ العولمةِ بوجهٍ خاصٍ؛ لقد بدأ هذا المركز (الصعود) في عالم المعرفة التوثيقية، ووصلَ  بنشاطه البحثيّ إلى درجةِ (الصمودِ) في مواجهتهِ مع الغربِ الإمبرياليّ - في الوقت الذي تقاعَسَتْ فيه المراكزُ البحثيةُ العربيّة الأخرى عن القيامِ بدورٍ إيجابيّ على صعيدِ المواجهةِ، متغافلةً عن الأهدافِ التي تأسستْ من أجلِها.

وفي الأخير يمكننا إلى تنويه القراء إلى دراسة قام بها د. مصطفى عبد الغني تتركز حول المركز باعتباره من أهم المراكز البحثية العربية الواعية وهي دراسة تعكس - من جهة - الوعي العربي للقائمين على المركز دون غيرهم في الأقطار الأخرى وهو ما يعكس بالتبعية - درجة وجود قدر معقول من التناغم والتلاقي بين الأقطار العربية من عدمه؛ ثم إنها تعكس - من جهة أخرى - الجهود الصهيونية والإمبريالية التي تقف عائقا بين عرب هذا الزمان وبين الصعود إلى درجة من درجات الرقي الحضاري سبقتنا إليها دول كثيرة كانت أقل منا تعرفا على التقدم الحضاري ، كدول شرق آسيا فأصبحت - بفعل التناغم الواعي - تتقدم عنا في مجالات كثيرة .. فهي باختصار تعكس درجة وعي بعضنا للصعود إلى قمة الطموح القومي العربيّ دون الهبوط إلى السفح في الأزمات التي تتعرض لها أمتنا العربية.

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت