في دراسته الشاملة والتي تحمل عنوان "دور التربية الإسلامية في مواجهة الإرهاب" للباحث الدكتور خالد بن صالح بن ناهض الظاهري يقول إن:
الأمــن من أجل نعم الله عز و جل، التي أنعم بها على عباده وتكرم بها على خلقه، فالمتصفح لتاريخ الأمم والشعوب، يجد أن العمل البشري لا يكون مجدياً والحضارات لا تتقدم، والرخاء لا يسود ويزدهر، الا في ظلال من الأمن والاستقرار، فالأمن إحساس بالطمأنينة وشعور بالأمان، وهو من أعظم النعم التي ينعم بها الله سبحانه وتعالى على خلقه، فبدونه لا تستقيم الحياة ولا تهدأ النـفوس ولا تقر العيون، ولا تهنأ المجتمــعات بعيشها مهما كانت قوة دولها وضخامة امكانياتها.
وبـفـقد الأمن تتعطل مسيرة الحياة وتخبو جذوتها ، فلا يمكن للتاجر أن يذهب الى متجره ان لم يأمن على نفسه وتجارته ، ولا التلميذ يقدر على الذهاب الى مدرسته ان لم يشعر بالأمن والطمأنينة ، و لا المرأة تأمن على نفسها و بيتها في غياب الأمن والاستقرار ، و لا العامل في عمله ، وكذلك جميع مناشط الحياة ومتطلباتها ، تتوقف في غياب الأمن و الاستقرار.
وقد أكد الله جل شأنه في أكثر من موضع في القرآن الكريم على أهمية الأمن وضرورته للناس ، يقول الله تعالى:
{فليَعبُدُوا رَبَّ هَذاَ البيَتِ الّذِيَ أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مّنْ خَوْفٍ} (قريش: 3-4)
وقد وعد الله تعالى في كتابه الكريم عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالاستخلاف في الارض ، والتمكين لهم ، والأمان من الخوف قال تعالى:
{وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ ءآمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذِي ارْتَضَىَ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَآـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55)
ولأهمية الامن وعظيم شأنه كانت دعوة ابراهيم عليه السلام دعا بها ربه خاشـعاً متضرعاً :
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ ءآمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأصْنَامَ}(ابرهيم :35)0
وفي امثال القرآن الكريم، يضرب المولى عز و جل المثل بالقرى الآمنة المطمئنة ، التي يأتيها رزقها من كل مكان ، وكيفية زوال هذه النعم ، قال تعالى:
{وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءآمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} (النحل : 112)
لقد جاء الإسلام للناس بمنهج شامل كامل ، يحتوي على الأسس التي تمكنه من التغلب على كل الأزمات والمشكلات التي تواجهه في كل زمان ومكان ، وقد وصف الله عز وجل هذا الدين بالكمال في قوله عزوجل:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} (المائدة:3)
فأعلن لهم اكمال العقيدة ، وإكمال الشريعة معا 00فهذا هو الدين ، فلم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين نقصاً يستدعي الإكمال 0 ولا قصورا يستدعي الاضافة ولا محلية او زمانية تستدعي التطوير او التحوير00وليقف المؤمن أمام إتمام نعمة الله على المؤمنين ، باكمال هذا الدين ، وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة (قطب،1412هـ،ج2،ص 843)
وإنّ من كمال هذا الدين كمال تربيته ، التي لم تدع شأنًا من شؤون الانسان في حياته الدنيا أو في الآخرة ، إلا وأعطته حقه من العناية والإهتمام تربية إهتمت بجميع جوانب الانسان :الروحية ، والعقلية ، والجسمية ، وعملت على إيجاد البيئة المناسبة لإتمام هذه التربية ، ولعل من أهم ركائز هذه البيئة ؛ الأمن و الإستقرار ، فلا تكتمل تربية بدون أمن ولا يكون أمن من دون تربية صالحة تستمد أسسها وترتسم أهدافها من تعاليم الإسلام ، فتلبية حاجات الجسد لا تكفي إن لم يكن معها شعور بالأمن وطمأنينة في النفس.
فالتربية الإسلامية غايتها العبودية الخالصة لله عز و جل ، وإسلام الوجه له وحده ، لقول المولى تبارك وتعالى:
-{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} ( الذاريات : 56).
-{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} ( الانعام : 14).
-وقوله تبارك وتعالى :{بَلَىَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:112).
-وقوله عز وجل : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء:125).
فهي تربية تخاطب فطرة الانسان التي لا تتبدل ولا تتحول ، ولا ينالها التغيير:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (الروم:30).
تربية تميزت عن غيرها من التربيات الوضعية ، الغربية ، والشرقية ، بسمات عديدة ، حددها (مطر ،1407هـ) بما يلي :
1- أن أهدافها واضحة ومحددة ، وبخاصة تلك التي لا تتأثر بتغيير الزمان والمكان وهي العبودية لله وحده ، والعلاقة بين الخالق والمخلوق.
2- أنها لا تفصل بين الجانب التعبدي و الجانب الاجتماعي ، فهي لاتعزل الدين عن الدنيا ، ولا تفصل جوانب الانسان ؛العقلية ، والروحية ، والجسمية عن بعضها البعض ، بل تعطي كل جانب حقه من الرعاية والاهتمام.
3-أنها تربية ، تركز على التوازن ، بين المطالب الفردية ، والمطالب الاجتماعية ، وتهتم بالأسرة ، وتجعلها المحور الأساسي لتكوين المجتمع.
4- أنها تؤكد ، على أهمية تنمية الضمير أو الرقيب على النفس ، حتى لاتخرج عن قيم الإسلام ، وتجعل إرتباط المسلم بالرقيب الأعلى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
5-انها تربية ، مستمدة من الشريعة الإسلامية ، التي تتضمن نظاماً تربويا يستمد قوته وثباته من قوة وثبات الشرع الإسلامي، فهي من صنع الخالق القائل:
{وَلَوِ اتّبَعَ الْحَقّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مّعْرِضُونَ} (المؤمنون : 71) (ص492-493).
ولا شك أن غالبية المجتمعات الإسلامية التي تحيا في خضم الفلسفات التربوية المادية الوضعية المعاصرة ، في حاجة ماسة لتوجيهات التربية الإسلامية التي تعمل لتصحح نظرة الإنسان تجاه نفسه ، وتجاه الكون ، وتجاه الحياة ، فهم في حاجة لهذه التربية ؛ التي صلح عليها أمر الرعيل الأول من الأمة ، فالذين كانوا يأتون الفاحشة ، أصبحوا بفضل هذه التربية حماة الأعراض ، والذين عاقروا الخمر ، عادوا حربا عليها وعلى شاربها والذين قطعوا الطريق ، وأستلبوا الحقوق ، عادوا هم حراسه وسبب الأمن فيه ، والذين كانوا يعيشون حياة الأثرة من أجل الذات ، يأكل القوي منهم الضعيف ولا يجد المظلوم طريقا لرد حقه من الظالم ، أصبح سلوكهم الإيثار يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، والذين لم يكونوا على شيء من الامانة والعدل ، أصبحوا مضرب المثل فيهما ، إننا إن عدنا لمنهج هذه التربية الإسلامية ، عادت إلينا أخلاق افتقدناها، وقوة عشناها، وحضارة بدأنا بها (جاد، 1413هـ، ص26-42).
والمجتمع المسلم يواجه في هذا العصر العديد من التحديات والمشكلات التي تؤثر على عقيدته ، و على مبادئه وقيمه ، وعلى أمنه وطمأنينته، فأعداء الأمة يقومون بدور كبير ، للإيحاء للمسلمين بان قيمهم ، ومبادئهم وتشريعاتهم لم تعد صالحة في هذا العصر ، وأنه ليس من مقدور المسلمين وضعها موضع التنفيذ العملي ، فيسعون الى هدم هذه المحاولات من أساسها عن طريق توجيه الضربات لعقيدة الإسلام والى قيمه (يالجن،1411،10).
كما انهم لا يتأخرون في إلصاق التهم بالإسلام كالتخلف ، والجمود ، والإرهاب ، والوحشية والهمجية.
إن هذه المحاولات ، الجادة من أعداء الأمة المسلمة ، تسعى في حقيقتها ، الى الحكم على المسلمين بالتخلف، والتبعية ، ليبقوا تحت أمرتهم ومشورتهم وفق القوانين الغربية الوضعية، وصدق الله عزوجل إذ يقول:
{وَلَنْ تَرْضَىَ عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النّصَارَىَ حَتّىَ تَتّبِعَ مِلّتَهُمْ قُلْ إِنّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} (البقرة : 120).
ولعل من أخطر مايلقى في أفق الفكر الإسلامي مناهج التربية الغربية والدعوة إلى إطلاق التغيير والقول بأنه لا يوجد في الكون شيء ثابت ، وكل شيء يتغير ، ويستهدف هذا القول إنكار القيم الدينية والأخلاقية الثابتة ، التي تميز الحق من الباطل ، والحـلال من الحرام ، والفضيلة من الرذيلة (الجندي، 1400هـ ،ص433).
ان هذا المفهوم الغربي ، للقيم ، والمبادئ ، يؤدي الى ضياع المعيار أو الميزان الحقيقي ، الذي توزن به الامور فيعرف به الخير فيتبع ، ويتضح به الشر فيجتنب ، وعلى ضوء ذلك فان التربية الإسلامية توفر للأمة المسلمة الجهد والمال الذي يبذل في غيرها من الامم من أجل الحفاظ على السلوك السوي للانسان، الموجه بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، والمؤدي الى الشعور بالأمن والاستقرار لأفراد المجتمع.
إن المجتمعات تعتمد اعتمادا كليا على التربية ، لانها وسيلة بقائها واستمرارها ، كما أنها وسيلة تقدمها ورقيها ، ولأهمية التربية فقد أولتها المجتمعات الحديثة أهمية وعناية ، وخصصت لها الدعم المالي والجهد ، وفرغت لها الخبراء وذوي الاختصاص ، فالمجتمعات الانسانية وعلى مر العصور ، عملت على تحقيق بقائها ، وإستمرارها على هذا الكوكب ، من خلال تمسـكها بالقـيم ، والمبـادئ ، التي تكفـل لها الاستمرار والرقي.
والتربية كانت و لا زالت هي الوســيلة التي يتحقق بها هذا الاستمرار من خلال أهدافها التي ترمي الى نقل المعتقدات ، والاتجاهات وأنماط السلوك من جيل الى جيل لتجعل منهم، مواطنين صالحين متكيفين مع مجتمعهم، ومتفاعلين معه، وملبين لمطالبه.
فالتربية مادتها الإنسان دون سواه ، وهي تعمل على تشكيل هذا الإنسان وإعداده، وتكيفه مع بيئته الطبيعية والاجتماعية ، حتى يستطيع ان يكتسب القيم ، والمبادئ ، والاتجاهات ، وأنماط السلوك ، والمهارات ، من البيئة الاجتماعية التي يحيا فيها ، أما موضوعها فهو تفهم شخصية الإنسان وتهيئة السبل لنموها من جميع الجوانب نموا متكاملا ومنسجما مع طبيعتها وبيئتها (سرحان،1401هـ ،ص 112).
وتعنى التربية بتصرفات الإنسان ، قولاً وفعلاً ، وتنميته ، وتطويره ، بما يتمشى مع ذاته ومحيطه الاجتماعي والبيئي ، فإذا كانت التربية تعرف بانها “ العملية التي يستطيع بها الافراد ان يكتسبوا أنماطا من السلوك تيسر لهم التعامل مع أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه ، وبذلك تكون التربية ضرورة اجتماعية لامناص عنها إذ بدونها تذبل المجتمعات وتضمحل وقد تذوى وتمحى من الوجود “ (النجيحي،1398هـ،ص 12).
وهذا القول يدل على ان التربية تعتبر مهمة للسيطرة الاجتماعية ، ولذا نلاحظ أن حركات الإصلاح الاجتماعي والثورات السياسية تلجأ الى التربية كوسيلة لتحقيق أهدافها الاجتماعية عن طريق إكسـابها لأفراد المجتـمع من خلال تثبيت القيم والأفكار والاتجاهات الجديدة وما يترتب عليها من تعديل وتـغيــير في أنماط السلوك ( النجيحي ، 1388هـ،ص26).
وعلى ضوء ذلك يتضح لنا، ان أغراض التربية لدى المجتمعات فيما يلي:
1-الحفاظ على النتاج الثقافي من أفكار ، وآراء ، ومعارف ،وأنماط سلوك ، رضيها المجتمع ، و حرص على نقلها من جيل الى جيل ، وذلك من خلال عملية التطبيع الاجتماعي لأفراده.
2-إحداث التغير الاجتماعي المطلوب وفقا للمتغيرات ، والمستجدات التي تحيط بالمجتمع. فالتربية تقوم من خلال مؤسساتها ، باحداث هذا التغير الاجتماعي ، وفقا للظروف والمتغيرات التي تحدث في البيئة المحيطة بالمجتمع ، وذلك على ضوء خطوات تدريجية ، علمية مدروسة حتى لا يؤدي التغير المفاجئ الى إحداث الخلل في قيم المجتمع من جراء الخطوات السريعة وحالة الركض التي تحياها المجتمعات الإنسانية اليوم ( كريم ، 1403هـ،ص 47).
إن العملية التربوية لها أبعاد مهمة في حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء ، فقد يظن البعض أن مكان التربية هو المدرسة باعتبارها المؤسسة التعليمية المتخصصة، ولكن الواقع أنّ التربية لها وسائطها المتعددة التي تشمل الاسرة والمدرسة والمسجد والنادي والصحافة والاذاعة والتلفزيون وغيرها من الوسائل التربوية المختلفة التي تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تربية الفرد وتكوين شخصيتة (الجيار ، 1397هـ،ص5).
ومما سبق ذكره ، عن أثر التربية وإسهاماتها في حفظ المجتمعات وتطويرها ، ورقيها ، يتبين لنا مدى أهمية العملية التربوية في مواجهة المتغيرات، والمشكلات، والازمات، التي تواجه الأمم والشعوب، للتغلب عليها، وإكمال مسيرتها.
ولعل من أقدم وأخطر تلك الأزمات ، التي واجهتها المجتمعات ؛ هي الجريمة بكافة أشكالها وأنواعها ، والتي نشأت مع الإنسان منذ أن وطئت قدماه سطح هذا الكوكب ، فهذا قابيل بن آدم يقتل أخاه هابيل ، غيرةً وحسداً لأن الله تقبل منه القربان، وقد صور القرآن الكريم ذلك بقوله تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقّ إِذْ قَرّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبّلْ مِنَ الاَخَرِ قَالَ لأقْتُلَنّكَ قَالَ إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِين َ* إِنّيَ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ * فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة 27-30).
وكما تطور الإنسان من بدائيته الحضارية –المادية-، حتى وصل إلى قمـة الحضارة والتقدم في هذا العصر، فإن جرائمه ، أيضا تطورت معه ، وتعددت صورها وألوانها ، فالتطور التقني ، والعلمي ، التي توصل إليها العقل البشري ، لترقية حياة الإنسان وراحته ، قد استفادت منها المنظمات الإجرامية ، ووظفتها في القتل و الإفساد في الأرض ، ولعل من أخطر هذه الجرائم و أحدثها في الزمن المعاصر ، هي جريمة الإرهاب ، سمة العصر التي أصبحت الصوت النافذ ، والأداة الفعالة المستخدمة من قبل الخارجين ، والناقمين ، والمجرمين ، من أجل لفت انتباه الرأي العام العالمي ، وعلى كل المستويات ، لكسب تعاطف المجتمعات مع قضيتهم ، أو لتحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة.
إن أهمية التربية تتمثل في كونها قادرة على تبصير أفراد المجتمع ومساعدتهم لتجاوز وتخطي الأزمات التي تواجههم ، فقد استطاعت المجتمعات الغربية ، أن توظف التربية خير توظيف ، وأن تستفيد من مميزاتها الاجتماعية ، ودورها في التربية الاجتماعية ، لمواجهة أزماتهم ومشكلاتهم ، مما زاد من ثقتهم بالتربية ودورها في المجتمع.
“ ويكفي أن نشيرالى أزمة الطاقة التي ضربت المجتمعات الغربية بعنف خلال [آوائل] السبعينيات من هذا القرن [الميلادي]، وذلك حين عرف العرب الطريق الصحيح في إســتخدام حقهم المشروع ، فرفعوا أسعار البترول ولقد كان رد الفعل الأولي والمبدئي لدى الشعب الامريكي إزاء ذلك الوضع ، هو اللجوء للتربية والمربين ، فلقد جندوا عشرة آلاف معلم في صيف عام 1974م – أي بعد قرار الحظر البترولي ورفع أسعاره بشهور قليلة – جرى تدريبهم على برامج معينة أعدها لهم نفر من أساتذة الجامعات المهتمين بأمور أمتهم والمشغولين بمشاكلها ، وقد نقل هؤلاء المعلمون ما تعلموه وما دربوا عليه الى طلابهم في فصول الدراسة ، ثم أنتقل الدرس الكبير منهم الى باقي أفراد المجتمع الواعي والمتلهف ، كما إن أجهزة الإعلام ووسائله نزلت بثقلها الى الميدان ، ومن هنا فإن من لم يصله الدرس من إبن له أو بنت في المدرسة ، وصله من جهاز التلفزيون ، أو من الراديو ، أو قرأه في صحيفة أو مجلة ، أو حتى سمعه من جار له في الحي أو المســكن وكانت النتيجة ، أن توصل المجتمع الواعي والمتكاتف من خلال العلم وتطبيقاته ، والتربية وبرامجها، إلى ترشيد استهلاك الطاقة في كل مجال ، وعلى كل مستوى “ (مرسي ، 1415هـ،ص 8-9).
إن النجاح الذي حققته المجتمعات الغربية بتوظيفها الأمثل لتربيتها المليئة بالأخطاء البسشرية ، والمغالطات العقائدية ، والأفكار الإلحـادية في حل مشكلاتهم ، وتخطي تحدياتهم ، إن هذا النجاح ، يجب أن ينبه ويلفت أنظار علماء الأمة الإسلامية والمختصين في مجالات التربية الإسلامية، الى أهمية دور التربية في مواجهة التحديات، والمشكلات التى تواجه المجتمعات الإسلامية ، ليخرجوا لنا بالحلول العلمية السليمة ، والتوصيات التي تسهم في صلاح المجتمع المسلم ، وزيادة ثقته بأهمية التربية الإسلامية ، ودورها في صلاح ورقي المجتمعات الإسلامية.