صدر العدد الخامس من مجلة «شؤون إيرانية»، أول شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، التي تُعنى «بالوقوف في وجه أطماع ملالي طهران في المنطقة العربية، من أجل قطع الطريق على المشروع الطائفي التوسعي لـ «ذوي العمائم السوداء» في الشرق الأوسط»، وهي تصدر عن مركز الخليج للدراسات الإيرانية.
وتضمن العدد ملفًا موثقًا للدكتور سعيد الصباغ، «عمدة الشأن الإيراني» بلا منازع، وهو الخبير الأول بالشؤون الإيرانية على مستوى مصر والعالم العربي، الذي تؤسس كتبه ومؤلفاته لمعرفة واسعة بالشؤون الإيرانية والفارسية، على المستويات كافة، سواء على مستوى علاقات إيران بجيرانها في الإقليم، أو على مستوى العلاقات الإيرانية الدولية، فضلًا عن الشأن الداخلي في البلاد.
وتضمن الملف «الجامعات الإيرانية: غزو ناعم.. وطابور ثقافي خامس» (5 تقارير) وحمل عنوان: الناتو الشيعي.. وأحلام «إيران الكبرى»..
حيث وضع نظام الملالي الحاكم في إيران استراتيجية كبرى، بعيدة المدى، لبناء قوس من النفوذ «الجيوشيعي» في بلدان العالميّن العربي والإسلامي، بهدف الترويج لثورة 1979 باعتبارها النموذج الأمثل للشعوب، والسعي إلى تحقيق مبدأ «تصدير الثورة» المنصوص عليه في الدستور الإيراني، ونشر المعتقدات المذهبية بين شعوب المنطقة، تحت شعارات مثل «نصرة المستضعفين في الأرض»، والوقوف في وجه «الاستكبار العالمي»، وغير ذلك من الشعارات التي ثبت بالدليل القاطع أنها محض أكاذيب!
وفي هذا الملف، كيف دشنت إيران جهودها في سبيل بناء النفوذ «الجيوشيعي»، على أربعة مكونات أو محددات، هي: المكون الثقافي، والمكون الدعوي، والمكون التعليمي، والمكون الإعلامي، التي تضافرت معًا في تناغم تام على مدار الأربعة عقود الماضية، لخدمة أغراض المشروع الإمبراطوري الإيراني الهادف لاستعادة الأمجاد الفارسية الغابرة.
وكانت مهمة «المُكوّن الدعوي» هي تشييع المجتمعات الأخرى، عن طريق إيجاد طائفة من الشيعة «المستبصرة» داخل هذه المجتمعات، تتولى بث القيم الروحية للمذهب الشيعي ونشر عقائده وأصوله الفقهية، فضلًا عن الترويج شعبيًا لنظرية «ولاية الفقيه» السياسية؛ بحيث تظل تلك الطائفة مرتبطة بالمرجعيات الإيرانية سياسيًا ودينيًا، وتعمد إلى إثارة القلاقل والاضطرابات الثورية.
أما «المُكوّن التعليمي»، فمهمته هي استقطاب آلاف الطلبة من جميع أنحاء العالم للدراسة بإيران؛ ومن ثم إعادتهم إلى بلدانهم مرة أخرى، للدعوة للمذهب الشيعي داخل مجتمعاتهم والمجتمعات المجاورة لهم، مع المساهمة عبر التعليم في بناء قيم ومفاهيم، من شأنها تنشئة أفراد جدد يربطون مصالحهم وانتماءتهم العلمية بإيران، باعتبارها «الدولة المرجع».
وفيما يُعنى «المكون الإعلامي»، ضمن استراتيجية بناء النفوذ «الجيوشيعي»، بوضع الأنساق المعرفية والمفاهيم الثقافيةً الشيعية لدى المتلقي، وتشكيل «صورة ذهنية مثالية» عن إيران بوصفه نظام حكم إسلامي حقيقي.. يُسهم «المُكوّن الثقافي» في إبراز تاريخ إيران وحضارتها وثقافتها، ما من شأنه أن يعزز من وجاهة الطرح المذهبي الطائفي الذي يقدمه نظام الملالي للمنطقة والعالم، والادعاء باستناده إلى ثقافة رفيعة وتاريخ عريق.
وحقق الملالي في هذا الصدد، نجاحات مشهودة على عدة أصعدة، كان أكثرها خطرًا على المنطقة، هو تكوين الأحزاب والجماعات والفصائل المسلحة المرتبطة عقائديًا وفكريًا بـ «الوالي الفقيه»، كما هو الحال في العراق، والتي نجحت إيران تحويلها إلى «ظهير شعبي» مساند لمواقفها السياسة، ودرعًا حيويًا لحماية أمنها القومي.
والآن، حيث تأكد للجميع وجود نية إيرانية مُبيّتة لتشكيل «ناتو شيعي» يعمل وفقًا لتصورات طهران الاستراتيجية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن مواجهة النفوذ «الجيوشيعي»، بعد أن بات يمثل خطرًا داهمًا على محيطه الإقليمي، وبات يهدد الأمن والسلم الدولييّن؟ هذا السؤال المصيري، وأسئلة أخرى، يجيب عليها هذا الملف الذي يتضمن معلومات وحقائق يتم الكشف عنها لأول مرة، بشأن أنشطة إيران الخفية في الشرق الأوسط، سعيًا إلى إخضاع دول المنطقة وتسخير شعوبها لخدمة أطماع الملالي التوسعية.
وفي نهاية الملف كانت الملاحق (11 جدول) والتي حملت عنوان: المشروع الثقافي الإيراني «العابر للحدود»..
حيث أنشأ نظام الملالي فروعًا لجامعة «المصطفى العالمية» في عدد كبير من دول العالم، وخصوصًا البلدان العربية والإسلامية، ومنها المملكة المتحدة وألبانيا والبوسنة الهرسك وماليزيا والهند وأفغانستان وغانا والعراق، وغيرها.
ويكشف العدد الهائل من المؤسسات التعليمية والثقافية الإيرانية على شبكة المعلومات الدولية، كيف سعى النظام بكل الطرق إلى استغلال الإنترنت، من أجل الترويج لـ «جامعة المصطفى»، ما تحمله مناهجها من أفكار شيعية، لكي يضمن وصول هذه الأفكار إلى أكبر قدر ممكن من الناس حول العالم، بالإضافة إلى مواقع الأئمة والمراجع الكبار في المذهب الشيعي، الأمر الذي يشكل «هجمة إيرانية» كبرى على الإنترنت، أحسن الملالي استغلالها على مدار العقود الماضية، بكل دأب وصبر:
وهذا جدول بالمواقع الإلكترونية لفروع جامعة «المصطفى العالمية» على الإنترنت، فضلًا عن بعض مواقع بعض الأئمة والفقهاء الشيعة على شبكة المعلومات الدولية، والمؤسسات المحافل والمراكز الشيعية والثقافية، ومواقع أخرى متفرقة، كلها تدعم توجهات الملالي بهدف نشر المذهب الشيعي على أوسع نطاق.
ونورد هنا ثبتًا مفصلًا بالمجلات والمطبوعات التي تصدرها «رابطة الثقافة والاتصال الإسلامية» الإيرانية والمؤسسات المتعاونة معها، وهي 53 مطبوعة تصدر في 26 دولة وتُنشر بـ 20 لغة، كما نورد ثبتًا آخر بمطبوعات «المجمع العالمي لآل البيت»، التي تصدر باللغات العربية والفارسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ما يؤكد أن المشروع الثقافي الإيراني هو مشروع «عابر للحدود» بمعنى الكلمة.
وفي هذا الصدد، لا يمكن التغاضي عن أسماء كثيرة لامعة من المتعاطفين مع المشروع الإيراني، ولابد أيضًا من ذكر بعض المتحولين العرب من أهل السنة إلى المذهب الشيعي، أو ما يطلق عليهم (المستبصرون)، الذين سجلوا تجاربهم في كتب روج لها النظام الإيراني، باعتبارها تجارب «خلاص» فكري وديني، أدت إلى تعرّف أصحابها على الطريق القويم!
كما تضمن العدد الحلقة الثانية من الدراسة الموثقة عن مشروع إيران لاحتلال أراضي السنة في العراق والشام للباحث العراقي فاروق الظفيري تحت عنوان ««طريق السبايا».. بين الواقع التاريخي والتوظيف السياسي والطائفي».
وتضمن العدد الرابع من مجلة شؤون إيرانية تقارير أخرى هامة وخطيرة تبين المشروع الإيراني في المنطقة العربية.