>> رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام » السابق كان يعمل من أجل مصلحته.. وامتلك امبراطورية اقتصادية كبيرة
>> تورّط في فضيحة «إيران جيت» التي استوردت بموجبها إيران أسلحة أمريكية مُهربة من إسرائيل.. وحصل على «عمولات»
>> اثنان من أبناء رفسنجاني اعتقلا بتُهم الضلوع في فساد مالي.. والثالثة بتهمة الاتصال بـ «بالبهائيين»
في 8 يناير 2017، توفي علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» السابق في إيران، إثر اصابته بنوبة قلبية عن عمر ناهز 83 عاما، عُرف خلالها بأنه «الصندوق الأسود لآيات الله»، حيث سطّر تاريخا أسود من الفساد والفضائح والإعدامات الجماعية.
وكان رفسنجاني هو الشخصية التي تولّت جميع المناصب القيادية في النظام الإيراني ما بعد ثورة 1979، مرورا برئاسة الجمهورية والبرلمان، وصولا إلى رئاسة «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، وكان مطلّعا على كل أسرار النظام وفضائحه السياسية الكبرى.
وُلد رفسنجاني، واسمه الحقيقي علي أكبر بهرماني، في 25 أغسطس 1934، لعائلة ثرية في قرية «بهرمان»، وهي من ضواحي مدينة «رفسنجان» جنوب شرق إيران، وإليها نُسب. وبدأ دراسته في مدرسة دينية محلية، ثم غادر قريته في سن 14 عاما لمتابعة دراسته في مدينة «قم»، فاستكمل تعليمه في الحوزة الدينية بالمدينة على يد عدد من علماء الشيعة الكبار، ومنهم الخميني، قائد الثورة الإيرانية فيما بعد.
بدأ رفسنجاني نشاطه السياسي منذ عام 1961، حيث سار على نهج أستاذه الخميني، وأصبح أحد المقربين منه وموضع ثقته التامة، ونُقل عن الخميني بعد ذلك بسنوات قوله «إن الثورة بخير ما دام رفسنجاني بخير».
وبين عامي 1963 و1979، اعتقله جهاز الأمن الداخلي الإيراني «السافاك» 7 مرات، فقضى أكثر من 4 سنوات بين المعتقلات، وعاش بعد إطلاق سراحه متخفيا، ثم التحق لفترة قصيرة بالجندية في جيش الشاه، ليهرب منها لاحقاً ويُعتقل مجدداً. وفي تلك الفترة ألّف رفسنجاني عدة كتب منها كتاب عن سيرة السياسي المعروف أمير كبير، «أبو الدبلوماسية الإيرانية» في القرن التاسع عشر.
تصفيات وإعدامات
بعد نفي الخميني من البلاد إلى تركيا ومنها إلى فرنسا خلال حقبة الستينيات من القرن العشرين، بقي رفسنجاني في الداخل مكلّفا بجمع الأموال لإتمام الدعوة، حتى تم اعتقاله مرة أخرى عام 1975 بتهمة «الانتماء لتنظيم يساري»، وهي تهمة غريبة، إذ لم يُعرف للرجل طوال حياته أي انتماء يساري، بل إنه كان – على العكس- يُكِن كراهية شديدة لليسار الإيراني.
ومع اندلاع الثورة سنة 1979، وعودة الخميني إلى البلاد مُظفّرا، أصبح رفسنجاني مساعده المقرّب، فساهم في تأسيس «الحزب الجمهوري الإسلامي» أحد أعمدة الثورة، وتولي منصب وزير الداخلية في أول حكومة تم تشكيلها بعد الثورة. ولعب الرجل دور العضو المؤسِّس والفاعل النشط في الحزب، وهو ما كان يعني القيام بدور محوري في التخلص من العديد من المجموعات والأفراد المعارضين، وعلى وجه الخصوص أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران بعد الثورة، والذي اختلف مع الخميني فعُزِل من منصبه ثم فر من البلاد على أثر ذلك، وكان لـ«رفسنجاني» دور في التصفيات الجسدية والإعدامات الجماعية التي طالت شخصيات معارضة للنظام آنذاك.
ويُنظر إلى رفسنجاني باعتباره الشخص الذي أقنع الخميني باتخاذ أحد أكثر القرارات أهمية في تاريخ الجمهورية الإيرانية، وهو التعامل مع الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر»، فضلا عن دورة في إنهاء الحرب التي استمرت 8 سنوات مع العراق.
وبعد وفاة الخميني، دفع رفسنجاني في اتجاه انتخاب علي خامنئي لمنصب المرشد الأعلى للبلاد، ليُنتخب هو لاحقاً رئيساً للجمهورية عام 1989 بأغلبية شعبية كبيرة، وليبدأ معه عهد «الانفتاح الإيراني» على الغرب، فسعى رفسنجاني إلى فكّ عزلة طهران عن العالم، وشهد عهده محاولات لجذب الاستثمارات الغربية، وتشجيع القطاع الخاص، والانفتاح الثقافي.
وخلال الفترة التي أصبح فيها رفسنجاني رئيسا، كانت البلاد قد تحولت إلى «أرضٍ خراب» حسب تعبير الإيرانيين أنفسهم، على خلفية حرب الأعوام الثمانية، وذلك بعد أن جعلت الحرب مصافي البترول، وآبار النفط، وسدود الطاقة الكهرومائية، غير صالحة للاستعمال، وتسببت لإيران في دمار اجتماعي، واقتصادي، وسياسي خطير. وكان لدى كل أسرة تقريباً جندي قتيل أو جريح، وفاقمت وفاة الخميني جو الكآبة الذي خيم على البلاد نتيجة لكل هذه الأسباب، فأصبحت أكثر عُرضة لمواجهة أزمات سياسية واجتماعية خطيرة.
ونجح رفسنجاني في إنقاذ البلاد من هذا المنعطف، عن طريق التحالف بين قوى البلاد السياسية والاجتماعية النشطة، وشرع في عملية التنمية من خلال الاعتماد على إداريي البلاد من التكنوقراط النافذين، مع تطوير علاقات جيدة مع الغرب رغم المعارضة التقليدية المتشددة.
فضيحة «إيران كونترا»
غير أن الفضائح والانتقادات لاحقت رفسنجاني بسبب تورطه في عدة فضائح مالية وقضايا فساد، كان أبرزها ما عُرف بفضيحة «إيران كونترا» أو «إيران جيت»، التي تفجرت عام 1986، والتي حصلت بموجبها إيران على أسلحة أمريكية مُهربة من الكيان المحتل، أثناء الحرب «الإيرانية – العراقية»، كما حصل رفسنجاني نفسه على عمولات كبيرة عن هذه الصفقة المشبوهة، وظلت هذه الفضيحة أحد النقاط السوداء الكثيرة في حياة الرجل الغامض.
وواجهت عائلة رفسنجاني – بدورها- العديد من المشاكل، حيث سُجن ابناه بتهم تتعلّق بالفساد المالي، ما فاقم صراع رفسنجاني مع المحافظين لكونه يمتلك امبراطورية اقتصادية كبيرة لطالما أثارت الشك لديهم. كما سُجنت ابنته «فائزة»، النائبة في البرلمان، بتهمة «الترويج لدعاية معادية للحكومة»، فضلا عن علاقتها بطائفة «البهائيين» في إيران.
ولم يحظ رفسنجاني خلال انتخابات عام 1993 بالشعبية نفسها مجدداً، فكان فوزه ضعيفا، غير أنه واصل طريقه الإصلاحي، وبات معروفا في الغرب بأنه «كبير المعتدلين» في إيران، حيث انتهج نهجا سياسيا براغماتيا «نفعيا»، وحاول من خلال ذلك إعادة البلاد إلى ساحة السياسية الدولية، لكنه فشل بسبب معارضة الملالي المتشددين لهذه التوجه، باعتبار «خيانة للثورة».
وفي عام 2005، حاول رفسنجاني العودة مجدداً إلى رأس السلطة التنفيذية، فخاض الانتخابات الرئاسية ضد عدد من المرشحين لتكون المفاجأة هي وصوله إلى المرحلة الثانية مع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. إلا أن الشعب الإيراني قرّر أن يختار «نجاد» الرجل الشعبوي الفقير، بعد اتهام أفراد عائلة رفسنجاني بالإثراء على حساب الشعب، الأمر الذي أدى إلى إيصال نجاد إلى سدة الرئاسة.
بعدها، تولّى رفسنجاني منصب رئاسة مجلس خبراء القيادة، وهو منصب حساس ومهم في هيكلية النظام الإيراني، ليعود إلى الأضواء من جديد عام 2013، حين أقدم على ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة قبل دقائق من انتهاء المهلة القانونية للترشح، غير أن مجلس صياغة الدستور رفض ترشح رفسنجاني للرئاسة من جديد بسبب كبر سنه، فاضطُر لدعم تلميذه و«ابنه الروحي» الرئيس الحالي حسن روحاني للوصول إلى سدة الرئاسة، ونجح في ذلك. كما نجح في إيصال مؤيديه إلى المقاعد الحكومية، فبات يُقال في إيران إن «الرئاسة لروحاني والحكم لرفسنجاني».
وكانت آخر معارك رفسنجاني الانتخابية كانت بترشحه لعضوية مجلس خبراء القيادة، حيث حصدت اللائحة الائتلافية المدعومة منه معظم مقاعد طهران، فيما حقّق التيار الإصلاحي فوزاً ساحقاً في طهران، تحت عباءة رفسنجاني.
وظل رفسنجاني، حتى وفاته مطلع هذا العام، رمزا بارزا عبر نهجه السياسي النفعي على مدار حياته السياسية الحافلة؛ إذ لم يتردد يوما في تغيير خطه السياسي بما يتطلَّبه الوضع القائم، وحسب مصلحته الشخصية فقط، وليس «مصلحة النظام».