<< المعارضة اتهمت النظام بتزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009 بعد فوز «نجاد» بولاية ثانية في جولة الإعادة
<< احتشاد نحو 5 ملايين متظاهر في شوارع العاصمة طهران والمدن الكبرى واجههم النظام بأقصى درجات القمع
<< مقتل 180 إيرانياً على يد ميليشيات «الحرس الثوري» واعتقال المئات من المحتجين خلال «الانتفاضة الخضراء»
<< المطالبة بإعادة النظر في صلاحيات «ولاية الفقيه» المطلقة أخطر المبادئ التي نادت بها «الحركة الخضراء»
<< الخبراء: «الحركة الخضراء» كانت تحديا حقيقيا للنظام الحاكم في طهران مثّل بذرة «تغيير سياسي» قادم
في 12 يونيو «حزيران» عام 2009، وبعد إعلان فوز الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، على المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي؛ اتهمت المعارضة الإيرانية نظام الملالي بتزوير الانتخابات، وحشدت في شوارع العاصمة طهران والمدن الكبرى نحو 5 ملايين متظاهر، واجههم نظام الملالي بأقصى وأقسى درجات القمع، مما أدى إلى مقتل العشرات من المحتجين واعتقال المئات.
وكان مقتل الفتاة «نِدا» خلال أليام الأولى لهذه الانتفاضة، هو الوقود أشعل أحد أكبر الانتفاضات الشعبية ضد نظام الملالي، حيث وُصفت هذه الاحتجاجات بأنها «الأوسع نطاقا» في تاريخ إيران منذ ثورة الخميني عام 1979 التي جاءت برجال الدين «الملالي» إلى الحكم.
إيران.. سجن كبير
على إثر اندلاع هذه الثورة الثانية التي سميّت بـ «الانتفاضة الخضراء»، لكونه اللون الذي اتخذه موسوي ومؤيدوه شعارا لهم، حوّلت أجهزة نظام الملالي القمعية إيران، وقتها، إلى سجن كبير، حيث شرعت على إثر ذلك في تنفيذ حملة اعتقالات واسعة شملت في بدايتها 100 من قيادات الحركة الإصلاحية، كان من بينهم صحفيون ونشطاء ومحامون وسياسيون مؤيدون للإصلاح، بمن فيهم محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي.
وتم مواجهة الاحتجاجات التي شهد أعمال عنف وشغب بكل قسوة، ووضع قادة «الحركة الخضراء» المرشحون السابقون للرئاسة، وهم حسين موسوي والسياسي البارز مهدى كروبي والناشطة السياسية زهرة رهنورد قيد الإقامة الجبرية.
كما أصدرت السلطات قرارا يحظر على الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية نشر أسماء وصور وأخبار قادة «الحركة الخضراء»، ومنعت وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة الغربية من تغطية الأحداث.
واستعان النظام الإيراني بعشرات الآلاف من عناصر «الباسيج»، وهي ميليشيات خاصة لقمع «الثورة الخضراء»، التي كادت أن تعصف بالنظام، لولا القمع الأمني وحملة الاعتقالات التي طالت الآلاف، وتم اعتقال المئات من الإصلاحيين، والقبض على 4 آلاف متظاهر على الأقل.
ونتيجة للتعتيم الإعلامي، لم تُعرف أرقام القتلى والجرحى بدقة، لكن العدد الأكبر منهم كان في الشهر الأول من الانتفاضة، حيث أشارت بعض التقديرات وقتها إلى مقتل 180 من المتظاهرين على يد ميليشيات «الحرس الثوري».
وأدت سياسة القمع التي انتهجها النظام الإيراني، وقتها، بتحريض من جانب الأقطاب الرئيسية، الدينية والسياسية، والقضائية والأمنية في طهران، إلى تصاعد حدة الاحتجاجات، واكتسابها زخمًا سياسيًّا كبيرا، في البداية، خاصة في ظل تفاقم حالة الاستياء الشعبي من سياسات الملالي الخارجية، التي أدت - بدورها- إلى تفجر الأزمات الاقتصادية الداخلية وتردي الأوضاع الاجتماعية في البلاد.
وبينما كانت «الانتفاضة الخضراء» تبعث آمالاً أكبر، قام نظام طهران بوضع خططه، فقد طور إستراتيجية مزدوجة تقوم على الترغيب والتنازلات من جانب، وعلى زيادة القمع والوحشية من جانب آخر.
وكانت النتيجة عنيفة وفعالة للغاية في الوقت ذاته. وأحبطت قوات الأمن الحكومية خطط المعارضة، من خلال الاعتقالات الجماعية التي طالت الناشطين السياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والصحفيين.
وانقسمت المعارضة آنذاك لأسباب عدة، منها السماح لبعض الأصوات النقدية بالحديث في وسائل الإعلام الحكومية أيضاً، والإعلان عن عطلة لخمسة أيام من إخلاء سكان العاصمة من ساكنيها من جانب، ومن أجل التمكن من نقل أنصار النظام وموظفي الحكومة إليها للمشاركة في مظاهرة رسمية من جانب آخر. وفي النهاية بدأ النظام بشن حرب إليكترونية منظمة، كان الهدف منها حرمان المعارضين من شبكة الإنترنت ومصادر الأخبار المستقلة.
ونزل الآلاف من رجال الأمن، من بينهم أشخاص مقنعون ويرتدون ملابس مدنية، تابعون لـ «الحرس الثوري» إلى الشوارع. كما تم نقل قرابة 300 ألف شخص، ومن بينهم أكثر المجاميع إخلاصاً من أنصار الحكومة بالحافلات إلى طهران، واحتل هؤلاء أكثر الأماكن أهمية في المدينة.
من جهة أخرى، خضع الخطاب السياسي لـ «الحركة الخضراء» لما يمكن تسميته بـ «موسمية الأحداث»، فكانت الحركة تنتظر حدثًا ما لتعيد تقديم نفسها وتقييم حجمها في الشارع. وبمرور الزمن فقدت الحركة حيوية الحضور الدائم والقدرة على المبادرة والخروج من مصيدة «رد الفعل»، إلى الفعل.
مبادئ «الحركة الخضراء»
الآن، وبعد مرور نحو 10 سنوات على «الحركة الخضراء»، يرى المراقبون أن هذه الحركة لم تقدم أفكارا واضحة كما تفعل عادة الحركات السياسية الاحتجاجية الناضجة، بل رفعت مطالبها قبل أن تُبلور أفكارها بشكل منظم حيث تلخصت -في البداية- في مطلبين رئيسيين، هما: إعادة النظر في نتائج الانتخابات الرئاسية، وضرورة البقاء في الشارع حتى تحقيق هذا المطلب.
ومع مرور الوقت، تبيّن لقادة وجماهير «الحركة الخضراء» أنه لا فائدة من التمسك بمثل هذه المطالب، خاصة أن أحمدي نجاد كان قد تُوِّج بالفعل رئيسًا لولاية ثانية، بمباركة من المرشد الأعلى خامنئي ومؤسسات النظام كافة.
كما أن تغييب قادة «الحركة الخضراء» داخل غياهب السجون والمعتقلات، ترك آثارا سلبية عميقة على وضعها شعبيا وسياسيا، منها بقاء الحركة من دون قيادة في مرحلة حساسة من كفاحها، ما أدخل الحركة وجمهورها في حالة تخبط، أدت إلى تمكّن النظام من إحباط الحركة والقضاء عليها في نهاية المطاف.
ونادت «الحركة الخضراء» بثلاثة مبادئ أساسية، وهي: أولا، مبدأ «إيران أولاً»: ومن هذا المبدأ وُلد الشعار الشهير الذي رددته حناجر المتظاهرين فيما بعد: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران»، والذي نجح في جذب فئات مهمة كطلاب الجامعات وبعض النخب العلمية والفكرية والاقتصادية، واستطاع التغلغل بسرعة في ذهنية وعقلية الإيرانيين حتى غدا المرجعية الأساسية لشعارات المحتجين.
ومن خلال ذلك المبدأ الذي يتعارض مع فكرة «تصدير الثورة» إلى دول الإقليم، طالب موسوي برفع السرية عن ملفات حساسة تعتبر أحد أسرار إيران الإقليمية، كملف العلاقة مع «حزب الله» اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، والموازنة بين دعم هذه المنظمات واحتياجات البلاد الاقتصادية.
أما المبدأ الثاني فهو إعادة النظر في صلاحيات «ولاية الفقيه» المطلقة في الدستور الإيراني، حيث شكّل هذا المبدأ أخطر ما جاءت به «الحركة الخضراء» واستفز النظام بشكل مباشر، فكانت لذلك تداعيات كبيرة جدا على قيادات الحركة وجمهورها، حيث وضع الحركة في مواجهة مفتوحة مع السلطات التي قررت التعامل معها بوصفها «تيار فتنة»!
وطالبت الحركة أيضا بمراجعة نظرية «ولاية الفقيه» كنظرية سياسية صالحة للحكم، فضلا عن دعوتها إلى زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب. وقد أعاد هذا المبدأ فرز الجمهور الإيراني بين مؤيد بالكامل لموسوي ومطالبه ومعارض له، فتم رفع الغطاء السياسي عنه لتتلقى الحركة ضربة موجعة.
وأما المبدأ والأخير، من مبادئ «الحركة الخضراء» فهو العلاقات مع الخارج، إذ طالبت الحركة بمواصلة سياسة الإصلاحيين في إدارة علاقات إيران مع محيطها العربي والإسلامي، ورسم حدود العلاقة مع بقية دول العالم بعيدا عن الأيديولوجيا والترجمة الحرفية لفكرة «تصدير الثورة».
ويرى بعض الخبراء والمختصين في الشأن الإيراني، فيما طرحته «الحركة الخضراء» تحديا حقيقيا للنظام الحاكم في طهران، مثّل بذرة «تغيير سياسي» ما، ظهر تأثيره بعد ذلك خلال انتفاضات أخرى شهدتها البلاد.