<< «سليماني» سافر إلى موسكو عام 2015 لإقناع الروس بالتدخل عسكريا في الصراع السوري
<< صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية: العلاقات الروسية- الإيرانية» في سوريا «زواج مصلحة»
<< طهران تخشى «خيانة الروس» بعد اتفاق موسكو وتل أبيب على سحب القوات الإيرانية من جنوب سوريا
اختارت إيران، ومن بعدها روسيا «التحالف مع الشيطان» بشار الأسد ضد شعبه، بعد اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس «آذار» عام 2011، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية في المنطقة، حيث دخلت طهران على خط الصراع العسكري في سوريا عام 2013 إلى جانب الأسد، بعد نحو عامين من انطلاق شرارة الثورة ضد نظامه الدموي المستبد. وجاء هذا التدخل لنجدة الحليف القديم بدوافع براغماتية «نفعية» محضة، ذات أبعاد سياسية وطائفية، وفي إطار المد الإيراني داخل منطقة الشرق الأوسط.
ولكن، بعد نحو عامين من المعارك الضارية مع قوى المعارضة السورية المسلحة، وتحديدا في منتصف عام 2015، وصل الدعم العسكري الإيراني للنظام إلى طريق مسدود، بعد أن سيطرت فصائل المعارضة السورية المسلحة على مدينة «جسر الشغور» الاستراتيجية، وعلى أجزاء كبيرة من سهل الغاب وريف اللاذقية، وبدا أن نظام الأسد ذاهب إلى غير رجعة.
«زواج المصلحة»
في هذه الأثناء، سيطر الفزع على ملالي إيران، خوفا من سقوط حليفهم الأسد من سدة الحكم، مما يعني نهاية الوجود الإيراني في هذا البلد العربي بالغ الأهمية، فسافر الجنرال الدموي قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، إلى موسكو لإقناع القادة الروس بالتدخل في سورية لتغليب كفة النظام على المعارضة المسلحة، والترتيب لزيارة رأس النظام من أجل وضع اللمسات الأخيرة على التدخل الروسي أواخر شهر سبتمبر «أيلول» من عام 2015.
ذاته. منذئذٍ، دخل التعاون بين طهران وموسكو مرحلةً جديدة، وجرى تقاسم المهمات بينهما، حيث تضطلع إيران بقيادة الميليشيات الشيعية، على رأسها ميليشيات «حزب الله»، وبقايا قوات جيش النظام على الأرض، فيما تتكفل روسيا بتأمين الغطاء الجوي لهذه القوات خلال معاركها البرية الضارية مع المعارضة السورية المسلحة.
غير أن شهر العسل القصير بين موسكو وطهران لم يد طويلا، ففي مرحلة لاحقة، احتدم التنافس بين الدولتين على الإمساك بمقدرات النظام السياسية والعسكرية، ومع مرور الوقت، باتت الكفة تميل إلى مصلحة الروس. وبقيت نقطة الضعف الإيرانية في هذا التحالف في أن الروس هم من أنقذوا الإيرانيين من هزيمة محققة في سوريا، وكان عليهم التذكير بذلك كلما نشبت الخلافات بينهما بين الحين والآخر.
وبعد التقارب «الروسي- التركي» عام 2016، تشكّل تحالف جديد، «روسي - تركي - إيراني»، كضرب من توسيع التحالف «الروسي - الإيراني»، ما أتاح لروسيا الخروج من قيود التحالف مع إيران وتوسيع دائرة تأثيرها السياسي لتشمل المعارضة المسلحة بوساطة تركيا، الداعمة للكثير من الفصائل والضامنة لها، فيما أمّن التحالف الجديد لتركيا تجاوز العقبة الأميركية في التوسع شمال سورية، وإمكانية إجراء المقايضات التي توفّر لها السيطرة على بعض المناطق الحدودية.
وأكدت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية في تقرير لها أن طبيعة العلاقات الروسية الإيرانية في سوريا هي «تحالف الإخوة الأعداء» ونوع من «زواج المصلحة» لكي يحقق كل طرف منهما مصالحه الاستراتيجية، مشيرة إلى أن في إطار «التعاون المدهش» بين البلدين على الساحة السورية، يبدو وكأن الدولتين تجاوزتا ما كان بينهما من «تناقض ظاهر» وشكوك متبادلة مستمرة منذ عدة عقود من الزمن.
وأشارت الصحيفة إلى أن «العلاقة بين طهران وموسكو على المدى البعيد سوف تتوتر؛ لأن إيران ترى أن سوريا أصبحت مقاطعتها، واستثمروا كثيرًا فيها، والآن جاءت سمكة كبيرة لتنافسهم»!
ويقول أسعد حيدر، الخبير في الشؤون الإيرانية، «إن الخلاف بين روسيا وإيران على الدور في سوريا ينطلق من موقع كل دولة وحجمها، ذلك أن روسيا دولة كبرى، بينما إيران دولة كبيرة إقليميا، وبالتالي فإن الاختلاف سيكون بالموقع والمصالح والأهداف».
ويضيف «حيدر» أن إيران دخلت سوريا لتثبيت موقعها إقليميًا وللسيطرة على الشريط الإقليمي السوري العراقي والاقتراب من (إسرائيل)، لاستثمار ذلك أيديولوجيا عبر قنوات «حزب الله» الإعلامية، بينما دخلت روسيا سوريا لتؤكد أنها دولة كبرى منافسة للولايات المتحدة، وتريد أن تعود دولة كبرى لديها مواقع ثابتة تمتد على خريطة العالم، وستكون سوريا قاعدة مركزية لها على البحر المتوسط مباشرة.
ويرى محللون سياسيون أن «تناقضات غير معلنة» بين الدورين الروسي والإيراني في الصراع السوري، حيث إن الأجندة الروسية في سوريا هي أجندة عسكرية سياسية، وتتخذ من سوريا ورقة ضغط لحل مشكلاتها سواء في أوكرانيا أو الدرع الصاروخية، وبالتالي لا يهمها مصير بشار الأسد بقدر ما تهمها مصالحها، أما حرب إيران في سوريا فهي حرب عقائدية، تبحث عن الإمبراطورية الفارسية والهلال الشيعي، ولا تجد إلا بشار الأسد أداة لتحقيق هذا الهدف.
وبينما تدعم طهران بقاء بشار الأسد في الحكم إلى الأبد، ويعتبره المرشد الإيراني علي خامنئي «خطا أحمر» لا يمكن القبول بسقوطه، فإن «الأسد» بالنسبة لروسيا هو مجرد وسيلة للبقاء في سوريا وليس هدفا في حد ذاته، فهو «يخدم موسكو» لكنها لا تمانع من التفاوض على مصيره إذا قبضت «ثمنا سياسيا معقولا» لذلك.
في المقابل، تمتلك طهران قناعة تامة بأن سوريا تعد آخر معاقل الروس فى منطقة الشرق الأوسط، لذلك سارعت موسكو لاستعراض قوتها عبر التدخل العسكرى، فضلا عن القوة الناعمة والدبلوماسية، لرسم صورة جديدة لها فى الشرق الأوسط.
«خيانة الروس التاريخية»
غير أن دوام الحال من المحال، فقد تغيّرت الأوضاع على الأرض فجأة على إثر الضربات الإسرائيلية الجوية التي استهدفت قوات إيرانية في هضبة الجولان المحتلة 10 مايو الماضي، أدت إلى مقتل 7 عناصر إيرانية، وهي الضربة التي غض الروس الطرف عنها، وكأنها لم تكن، فلم يحركوا ساكنا للدفاع عن حلفائهم.
وأعاد الاتفاق «الروسي- الإسرائيلي» حول سحب القوات الإيرانية من مناطق جنوب غرب سوريا، قرب الحدود مع إسرائيل، مخاوف الإيرانيين من تخلي «الحليف الروسي» عنهم، وجنوح الكرملين إلى التحالف مع إسرائيل، «الشيطان الأصغر»!
وتعليقا على هذا الاتفاق، كتبت صحيفة «قانون» الإيرانية في يونيو الماضي تحت عنوان «المحتال»، قائلة: «يبدو أن خيانة الروس التاريخية ظهرت مجددا»، وأوضحت أنه «منذ فترة تحدثت شخصيات روسية عن محاولات إخراج إيران من مناطق سورية».
وأضافت الصحيفة أن «سلوك موسكو أمام طهران أدى لمعارضة الكثيرين في الداخل الإيراني، حيث انتقد الخبراء ووسائل الاعلام الإيرانية هذا الطموح الروسى، بينما لم يبد المسئولون أي ردود أفعال، ودعت الصحيفة النظام الإيرانى لاتخاذ التدابير اللازمة للتصدى لـ«خيانة موسكو»!
ويرى المراقبون أنه بعد التصعيد الأمريكي الأخير ضد طهران، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء «الاتفاق النووي» مع إيران، سيظل نفوذ طهران داخل مسرح العمليات السورى، أحد أهم الملفات التى تخشى طهران خسارتها، ورغم التناغم الظاهرى بين موسكو وطهران، إلا أن أوساط اعلامية إيرانية قالت إن ابتعاد موسكو عن إيران أمر بات متوقعا فى ظل التنسيق «الروسي- الإسرائيلي» والصفقات الروسية الأمريكية المحتملة فى ملفات المنطقة الساحنة، وعلى رأسها الملف السوري.