الجمعة, 22 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

مقتدى والسنة

المجلة - الشيخ حسين المؤيد | Sun, May 27, 2018 3:16 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

<< مقتدى الصدر ليس له أي موقف سلبي من النظام الإيراني ولا من مشروعه الطائفي، ويرى أنه الكيان السياسي الوحيد للشيعة في العالم وأن قوته هي قوة للطائفة الشيعية

<< القوى الشيعية الطائفية، مهما كان بينها من تنافس وإن وصل حد الصراع، إلا أنها تتفق على عدم السماح لهذا التنافس أن يرتطم بسقف المصلحة الطائفية

 

يسألني بعض الأحبة والأصدقاء: بماذا تفسّر موقف مقتدى الصدر؟، وهل الخلاف بين القوى الشيعية حقيقي أو هو سيناريو؟

هذا السؤال مهم جدا، لأن ضبابية الرؤية عند كثيرين أدت وتؤدي إلى مواقف وقراءات خاطئة، وتنعكس هذه القراءات والمواقف الخاطئة سلبا على الحالة السنية في العراق ومستقبلها.

ولأجل تقديم جواب منطقي بذهن مرتب، أضع النقاط التالية:

1- مقتدى الصدر ويتبعه التيار الصدري، ليس له أي موقف سلبي مبدئي من النظام الإيراني ولا من مشروعه الطائفي القائم على بسط النفوذ السياسي والديني. بل يرى في النظام الموجود في إيران أنه الكيان السياسي الوحيد للشيعة في العالم وأن قوته هي قوة للطائفة الشيعية، ويتفق مع القاعدة التي قام عليها هذا النظام وهي الحكم الديني المبتني على ولاية الفقيه، ويؤيدها آيديولوجيا وسياسيا.

بل إنه وعلى الرغم من موقف النظام الإيراني الشديد السلبية من مرجعية محمد الصدر والد مقتدى، إلا أنه استعد أن يدوس على شرفه وكرامته وذهب إلى إيران و التقى بخامنئي وانفتح على النظام الإيراني الذي أغراه ورسخ في ذهنه أنه الكيان الحامي للتشيع والحاضن للشيعة، و استعد الإيرانيون لدعم التيار الصدري بزعامة مقتدى، و باشروا بالدعم الفعلي منذ ذلك الوقت، و تكرست العلاقة بين مقتدى ونظام الملالي في إيران بحكم أن مرجعية التيار الصدري كاظم الشيرازي الملقب بالحائري من أشد المؤيدين لولاية الفقيه وللنظام الإيراني وهو على ارتباط بخامنئي و بمؤسسات النظام بما في ذلك المخابرات الإيرانية.

وسارت العلاقة بين مقتدى وتياره من جهة والنظام الإيراني من جهة أخرى على ما يرام، وكان موقف مقتدى واضحا ضد من يسميهم الوهابية والنواصب وضد المملكة العربية السعودية، و ارتكبت ميليشيات جيش المهدي التابعة له أفظع الجرائم الوحشية بحق أهل السنة في العراق تقتيلا وتعذيبا وتهجيرا واحتلال مساجد وتدمير كثير منها وحرقه، وكان جيش المهدي في واجهة التصدي ضد السنة يوم لم تكن هناك ميليشيات مثل ما هو موجود الآن، فكان جيش المهدي وميليشيا بدر يتنافسان في الفتك بأهل السنة وبدعم من إيران.

ومن باب الشاهد فإنه لا يزال يوجد المقطع الذي كان قد ظهر فيه المدعو حازم الأعرجي - مدير مكتب الصدر في الكاظمية و الذي لايزال مقربا من مقتدى وضمن فريقه - وهو يدعو ويعلن فتوى لقتل (كل وهابي نجس) حسب تعبيره، فكان الفتك والقتل يطاول كل سني بريء دون التفات إلى أنه وهابي أوغير وهابي، لأن كلمة وهابي كانت غطاء للهجوم على السنة عموما.

للإيرانيين أسلوب في العمل يحسبون أنه يحقق هيمنتهم ويجعل الخيوط كلها بيدهم، وقد استخدموه مع العديد من القوى والتنظيمات في العالم العربي والإسلامي حين لا تكون هذه التنظيمات من صنعهم هم وإن كانت موالية لهم، أو حين يلمسون وجود نزعة لدى من يقود هذه التنظيمات في عدم الانصياع ولو بنسبة 5٪ لما يريدونه. و هذا الأسلوب هو العمل على إيجاد انشقاقات داخل هذه التنظيمات من قادة أو كوادر يتم التفاهم معهم وضمان انقيادهم المطلق.

لقد مارسوا هذا مع تنظيمات أفغانية ومع قيادات شيعية في باكستان، ومع حزب الدعوة في العراق، ومع منظمة أمل في لبنان. وقاموا بنفس العمل مع التيار الصدري حيث كانوا خلف انشقاق قيس الخزعلي وتشكيل ما يسمى بعصائب أهل الحق الخاضع بالمطلق للإرادة الإيرانية، ثم بدأ مسلسل تشكيل الميليشيات.

اعتبر مقتدى الصدر أن ما فعله الإيرانيون هو طعنة قوية في الظهر، وحاول الإيرانيون بدهائهم وسذاجته إقناعه بأنهم لا يستهدفونه، فبقي على ارتباطه بهم، لكنه اكتشف أن الجهة التي انشقت هي التي تحظى بالأولوية عند الإيرانيين، وعلى الأرض تأزم الموقف التنافسي بين التيار الصدري و العصائب، ثم اختلف مقتدى مع المالكي ودخل المالكي مع التيار الصدري في نزاع مسلح ووقف الإيرانيون مع المالكي وضغطوا باتجاه دعم القوى الشيعية له ثم التمديد لولايته، و زاد ذلك في مشاعر الاستياء وتوترت العلاقة بين مقتدى وقاسم سليماني، ولكنها بقيت كما هي مع النظام.

إن الإشكالية عند مقتدى ليست مع النظام الإيراني وليست مع ولاية الفقيه وليست مع التدخل الإيراني حتى لو كان بنحو الهيمنة إذا لم يصطدم مع مصالح مقتدى، وإنما الإشكالية عنده هي مع الأسلوب الذي اتبعه الإيرانيون معه، وبالذات مع طريقة قاسم سليماني في العمل. ومعنى ذلك أنه لو تبدل قاسم سليماني أو تغير أسلوب تعامل الأجهزة المعنية في إيران مع مقتدى، فستعود الحرارة للعلاقة وسيسير ضمن الأجندة الإيرانية. ولهذا حذّرنا ونحذّر من عواقب الاغترار بمقتدى وخطأ المراهنة عليه، لا سيما وأنه في كلتا الحالتين باق على نفس المضمون والمنهج الشيعي الطائفي ومتمسك بالمشروع السياسي الشيعي ولن يحيد عنه رغم التكتيكات التي يمارسها.

2- منذ بدايات التحرك السياسي الشيعي كانت هناك خلافات بين القوى الشيعية في العراق، واستمرت بعد مجيء الخميني في إيران وإمساكه بزمام الأمور هناك، تزداد تارة وتخف أخرى، لكن الأجهزة الرسمية الإيرانية كانت هي المسيطرة وهي التي تضبط الخلافات والكل يشعر بالحاجة إليها ولا يستطيع التمرد حتى لو كانت طريقة ضبط الخلافات غير مرضية لكل الأطراف. واستمر هذا الوضع بعد سقوط النظام في العراق واحتلاله، بل زادت هيمنة الإيرانيين باعتبار أن مجيء القوى الشيعية للحكم كان عبر تفاهم إيراني أمريكي بريطاني. وهذه القوى كانت بحاجة ماسة لدعم إيران وحمايتها لتثبيت نفسها في العراق فكانت تنصاع للإرادة الإيرانية بما في ذلك التيار الصدري الذي عمل الإيرانيون على شقه وإضعافه ليسهل السيطرة عليه.

بعد مضي خمسة عشر عاما حصل ما يلي:

أ - أن القوى الشيعية قامت بتثبيت نفسها في الحكم وعلى الأرض، وحصلت على مبالغ طائلة جدا من الأموال وصارت تشعر إلى حد ما باستقلاليتها.

ب - أن النظام الإيراني حاليا في موقف دولي ضعيف جدا ومنهار من الداخل وقدراته المالية ضعفت إلى حد كبير وهو يعتمد في ضبط القوى الشيعية على نفوذه المعنوي والسياسي وقدراته العسكرية والإستخبارية.

وبالتالي فإن طريقة الإيرانيين النمطية في ضبط القوى الشيعية لم تعد مقبولة لدى بعض هذه القوى ومنها التيار الصدري.

لكن هذا لا يعني أن هذه القوى خرجت من المظلة الإيرانية، ولا أنها تقطع الحبال مع إيران، فهي ليست ضد النظام ولكنها غير راضية على طريقة تعامل بعض أجهزة النظام مثل فيلق القدس وقاسم سليماني. لكن ذلك لا يعني خصومتها مع النظام.

3- إن مقتدى يدرك أنه لن يستطيع مناكفة الإيرانيين والتصعيد معهم، في ظل الانفتاح الأخير للمملكة العربية السعودية على القوى الشيعية في العراق وخاصة مقتدى وتياره، لأن الشارع الشيعي بما في ذلك جمهور واسع من التيار الصدري لا يهضم ذلك ويفسره على أنه انحياز للمملكة العربية السعودية وخضوع لتأثيرها، ولا تزال العقلية الطائفية الشيعية لا تتقبل ذلك، وهو يدرك أيضا أنه لا يمكن أن يتحمل مسؤولية أي تصعيد مع إيران والقوى الشيعية المنافسة له في العراق، لأن الشارع الشيعي سيحمله مسؤولية أي عواقب سلبية ترتد على الشيعة في العراق جراء ذلك التصعيد، ولذلك فهو يحاول الضغط على قاسم سليماني لتعديل موقفه منه ومن تياره وتغيير أسلوب التعامل، ولتأمين مصالح زعامة مقتدى الشيعية في العراق وحينئذ سينسجم مقتدى مع السياسة الإيرانية.

4- إن هذه القوى الشيعية الطائفية، مهما كان بينها من تنافس وإن وصل حد الصراع، إلا أنها تتفق على عدم السماح لهذا التنافس أن يرتطم بسقف المصلحة الطائفية، لأنهم يدركون أن كل الأطراف المتنافسة ستخسر وستفقد مواقعها ومناصبها وسينتهي المشروع السياسي الشيعي الذي تجتمع عليه كل هذه القوى. ولهذا فهي تعمل تحت سقف المصلحة الطائفية، وتتبادل الأدوار في إطار المشتركات، والكل يتحد ضد أهل السنة ولا يسمح بخروج السلطة من أيدي الفريق الطائفي الشيعي.

5- موقفنا نحن السنة في العراق يتلخص في التالي:

أ- أي ضعف يصيب القوى القوى الشيعية الطائفية، يصب في مصلحة العراق ومصلحة أهل العراق الوطنيين وعلى رأسهم السنة.

ب- يجب أن لا نعطي لهذه القوى الطائفية أي فرصة للإستمرار في السيطرة على مقاليد الأمور في العراق، أو في استغلال السنة لصالح أي قوة من هذه القوى، وليس من مصلحتنا أن نكون طرفا مع أي من هذه القوى.

يجب أن يكون واضحا أن جوهر المشروع السياسي الذي تلتزم به القوى الشيعية الصفوية هو سيطرة هذه القوى على الحكم و تهميش السنة، وقد أضيف إليه مخطط تشييع المحافظات السنية، وكل خطاب سياسي ظاهره غير ذلك فهو ليس سوى تكتيك.

ويجب أن يكون واضحا أن القوى الشيعية الصفوية مهما اختلفت مع إيران، فإن خلافها ينحصر في الأمور التنفيذية والآليات، ولن يكون في المباديء والاستراتيجيات، ويبقى انشدادها إلى إيران بحكم الشعور الطائفي وبحكم عدم الاستغناء عنها كونها في رؤيتهم العمق الاستراتيجي للشيعة الصفويين.

إن هذه القوى لا تتعامل مع العروبة من موقع الانتماء وإنما من موقع المصلحة، ولا تثق بالعرب ولا تعتبرهم العمق الحقيقي لها، لأن النزعة الطائفية المتأصلة والتربية البيئية الشيعية تخلق حاجزا نفسيا راسخا إزاء السنة. وبناء على كل ما تقدم، ليس صائبا دعم هذه القوى أو المراهنة عليها أو التحالف معها.

كلمات مفتاحية:

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت