يومًا بعد يوم، يفقد النظام الحاكم في طهران أرضا جديدة، في الداخل والخارج معًا، فبات الملالي كأعجاز نخل خاوية رعبا من المستقبل المظلم الذي ينتظرهم، خصوصًا بعد أن انتفضت الشعوب الإيرانية ضدهم، في موجة جديدة من الاحتجاجات كادت أن تعصف بعرش «آيات الله» المزعومين، ولا أحد يعلم ما تخبئه الأيام لهم.
وهذه أربع رسائل توجهها «إيران بوست» لمن يهمه الأمر، بدءًا من الشعوب الإيرانية، مرورًا بسُنة العراق، والشعب اليمني، وصولًا إلى الفصائل اللبنانية الوطنية:
- الرسالة الأولى.. إلى الشعوب الإيرانية في الداخل
هدمت الانتفاضة الأخيرة في البلاد حجرا جديدا في نظام الملالي المتداعي، استكمالا لـ «الثورة الخضراء» عام 2009، ذلك النظام الذي تكفيه ضربة واحدة جديدة لكي يخر منهارا إلى غير رجعة، والذي يبدو نغمة نشاز في الحراك الحضاري والتاريخي للبشرية، ويبدو غريبا عن المنطق الطبيعي لتطور الدول، فقد أعاد البلاد إلى العصور الوسطى، ولم يقدم للعباد سوى الفقر والعوز والفساد وسُكنى القبور.
وإن كل انتفاضة جديدة في إيران تسبب ضعفاً في قوة النظام، ذلك أنها تضرب النظام في عقر داره، وفي مركز حكمه وفي دولته الأصلية، فيضطر مجبرا للانسحاب من كل مغامراته غير المحسوبة في المنطقة، ويتخلى ذليلاً عن كل أوهام التوسع وبسط النفوذ، وتسقط فكرته الأيديولوجية الكبرى.
ويسجل حصاد ما يقارب العقود الأربعة من استحواذ نظام الملالي على السلطة في إيران، انحداراً متصلاً على كافة المستويات، فيما يتعلق بالاقتصاد والتنمية والبنى التحتية والخدمات المقدمة للمواطن، فقد تفشى الفقر والمرض والجوع والأمية والتخلف، وفتكت هذه الأوبئة بالشعب الإيراني، فالنظام الشاخص البصر إلى الأفق البعيد ينتظر مخلصاً من نوعٍ ما لا يبصر أنه يدهس مواطنيه بأحذية أنظمته الأمنية والعسكرية، من «حرس ثوري» إلى «باسيج»، ومن المخابرات إلى عشرات الميليشيات المسلطة على رقاب الشعوب الإيرانية المستضعفة في الأرض.
- الرسالة الثانية.. إلى سُنة العراق
أطل المخطط الطائفي الإيراني ضد سنة العراق برأسه منذ اندلاع الحرب «العراقية- الإيرانية» التي استمرت ثماني سنوات من 1980 إلى 1988. ومنذ ذلك التاريخ يقاتل سُنة العراق ضد هذا المخطط نيابة عن الأمة العربية كلها، ويدفعون ثمن ذلك أنهارا من الدماء، في سبيل محاربة الإرهاب الصفوي بكل أشكاله وألوانه، من التصفيات الجسدية إلى التهجير إلى محاولات التشييع المستمرة، فلا غرابة أن يكون سنة العراق وشعبه العظيم اليوم، هم من يتصدى لمخططات الملالي كما تصدوا لها على مدار 38 عاما مضت.
لقد لعبت إيران دوراً خبيثاً لإنجاح المشروع الشيعي الصفوي على الأراض العراقية الصامدة، إذ دعمت الشيعة بكل قوة وشجعتهم في عملهم السياسي ومنعتهم من مقاومة المحتل الأمريكي، وروّجت لذلك لكي يتحقق حلم الشيعة في الهيمنة السياسة والطائفية على العراق، والتحكم في مقدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وسعى ملالي إيران منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، إلى تمكين القوي الشيعية الحليفة لهن من السيطرة علي مقاليد السلطة في العراق، ومن هنا بذلت طهران جهودا مضنية من أجل تقليص حدة الخلافات بين القوي الشيعية المختلفة، وإقناعها بتكوين تحالف قوي تستطيع من خلاله التحكم في مقاليد السلطة، وجعل العراق مجرد «حديقة خلفية» لإيران.
لقد تحوّل العراق من دول متماسكة وقوية إلى دولة متهالكة متجزئة متقطعة الأوصال تموج بالصراعات بين مكوناتها وفصائلها السياسية، منذ أن دشنت إيران استراتيجيتها القديمة القائمة على المد الشيعي بمجيء نظام الملالي بداية ثمانينيات القرن المنصرم، حتى استراتيجيتها الحالية في أرض الرافدين القائمة على تعزيز التمدد والتحكم في الممرات الدولية، والاستحواذ على مناطق نفوذ جديدة وأوراق ضغط، خاصة بعد أن اتضحت طبيعة العلاقات الأمريكية – الإيرانية القائمة على سياسة «توزيع الأدوار» في هذا البلد العربي المنكوب.
- الرسالة الثالثة.. إلى أهل اليمن
أدرك النظام الإيراني مبكرا ما يمثله اليمن من أهمية استراتيجية لمخططه التوسعي، فقرر مد أصابعه إلى هذه البلد وإيجاد موطئ قدم له فيه. ولقد عمل الملالي قبل سنوات طويلة من اندلاع الاضطرابات التي عصفت باليمن بالتزامن مع ما سمي بـ «الربيع العربي» عام 2011. وبنفس وصبر طويلين عملت طهران على تأسيس قاعدة لها في اليمن.
وحتى قبل عام 2011، كان هناك عديد من المؤشرات على أن إيران تتدخل في الشأن اليمني الداخلي، سواء عبر دعم «الحوثيين» في صراعهم مع الحكومة المركزية في صنعاء، أو عبر دعم بعض أجنحة الحراك الجنوبي الساعية لفك الارتباط مع الشطر الشمال من البلاد، وهو المخطط الشيطاني الذي ينبغي على الشعب اليمني التنبه له.
وفي إطار تركيز إيران على منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، عُد اليمن أحد أهم نقاط الاهتمام الرئيسية بالنسبة إلى إيران، التي من شأنها أن تساعدها في تعزيز مكانتها في الإقليم، وتدعيم موقفها سواء في مواجهة الأطراف الإقليمية الأخرى، أو في مواجهة بعض القوى الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك سعت إيران إلى ممارسة دور نشط في اليمن مستندةً إلى مزيج من الاعتبارات المصلحية البراغماتية والاعتبارات المذهبية والأيديولوجية، ومتوسلةً العديد من الأساليب والأدوات التي يرتبط بعضها بالقوة الصلبة، بينما يرتبط بعضها الآخر بالقوة الناعمة.
غير أن الدور الإيراني في اليمن ليس مطلق اليدين بحيث يفعل الملالي ما يشاؤون بهذا البلد العربي المستباح، بل تحده قيود ومعوقات عديدة تقلل من إمكانية توسّعه أو نجاحه في تحقيق كامل أهدافه، ويرتبط بعضها بطبيعة الأوضاع اليمنية الداخلية، وبعضها بقدرات الفاعلين الإقليميين والدوليين الآخرين ودورهم، ويرتبط بعضها الآخر بطبيعة القدرات الإيرانية الذاتية، خصوصا في ظل ما يقوم التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لتحجيم هذا الدور وإسقاطه، عاجلا أو آجلا.
- الرسالة الرابعة.. إلى الفصائل اللبنانية
بدأ تفكير العمائم الإيرانية السوداء في لبنان منذ اندلاع الثورة عام 1979، حيث لعبت إيران دورا أساسيّا في ولادة ونشأة «حزب الله» اللبناني عام 1982 ككيان سياسي هو الأول من نوعه في المنطقة على يد المرشد الروحي للحزب محمد حسين فضل الله، وبعض رجال الدين من حركة «أمل» الشيعية والدارسين بالحوزات في النجف، وذلك لضمان تحقيق سياسة «تصدير الثورة».
واستفادت إيران من نشأة «حزب الله»، فهي من جهة تمكنت من تحسين شعبيتها أمام بعض أبناء المجتمع السُّني تحت مزاعم دفاع الحزب عن أراض عربية ضد إسرائيل. ومن جهة ثانية خدم الدعم الإيراني للحزب المشروع الشيعي في المنطقة، وهو الأمر الذي يتوجب على كل الفصائل اللبنانية أن تقف ضده بكل الوسائل.
وتعتزم شخصيات سياسية وثقافية ودينية وإعلامية واجتماعية لبنانية، إطلاق حركة سياسية جديدة تحمل اسم «حركة المبادرة الوطنية»، بهدف حماية الدولة والدستور، ووضع حد لاختلال موازين القوى لصالح «حزب الله» ومواجهة مشروع الهيمنة الإيرانية على لبنان.
ولا تقف المبادرة التي أطلقها المفكّر والسياسي والأكاديمي اللبناني الدكتور رضوان السيد، والمنسق السابق للأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، وانضم إليها عشرات الشخصيات، لا تقف عند حدود الوثيقة السياسية التي ستصدر عن مكونات المبادرة، إنما ستتوسع نحو إطلاق تيار سياسي عابر للطوائف والمناطق، يهدف إلى تحرير لبنان من نفوذ إيران، وإعادته إلى كنف الشرعية العربية، باعتبار أن مهمّة رفع الوصاية الإيرانية عن لبنان، هي مسؤولية وطنية مشتركة.
