<< الخميني الذي وصف أمريكا بـ «الشيطان الأكبر» علانية تعهد سرا بـ «المحافظة على مصالح واشنطن»
<< زعيم الثورة الإيرانية وعد «كارتر» بعدم «تصدير الثورة» إلى دول المنطقة وإقامة «علاقات ودية» مع الغرب
<< رجل الدين الشيعي ينقلب على واشنطن: إيران ستحارب أمريكا في كل مكان.. وستصدّر ثورتها للعالم كله!
تقرير يكتبه: أشرف إسماعيل
كشفت وثائق رفعت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» صفة «السرية» في يونيو من العام الماضي، عن أن رجل الدين الإيراني المعروف الخميني، زعيم ما يُسمى «الثورة الإسلامية» في إيران عام 1979، كان على صلة وثيقة بالحكومة الأمريكية منذ عقد الستينيات من القرن الماضي، وتحديدا قبل 16 عاما كاملة من اندلاع الثورة، وحتى قبل أيام من وصوله إلى طهران من منفاه في العاصمة الفرنسية «باريس»، بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالشاه السابق محمد رضا بهلوي، حليف واشنطن الأهم في الشرق الأوسط آنذاك.
الوثائق تُظهر بوضوح أن الخميني كان «أقل بطولة، وأكثر خبثا» من صورته لدى العامة في إيران. فمن وراء الكواليس كان يقدم الوعود والتعهدات للولايات المتحدة، ويتعاون معها، ويوفر الحرية الدينية والحقوق المدنية والحماية للجالية اليهودية في إيران، بينما كان- في العلن- يجهر العداء الشديد لأمريكا وإسرائيل واليهود، حيث أشارت هذه الوثائق إلى أن الخميني الذي كان يصف أمريكا في خطبه النارية بـ«الشيطان الأكبر» علانية، تعهد وقتها سرا بـ"المحافظة على مصالح واشنطن واستقرار المنطقة مقابل إفساح الطريق له لتولي مسؤولية البلاد"!

خلف كواليس الثورة
بينما كان الخميني في محبسه في منطقة «قيطرية» في ضواحي طهران في نوفمبر عام 1963، وبعيداً عن عيون «السافاك»، بعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك جون كنيدي أعرب فيها عن "دعمه للمصالح الأمريكية في إيران".
أرسل الخميني رسالته الأولى هذه إلى الحكومة الأمريكية عبر البروفيسور ميرزا خليل جامرائي، الأستاذ في كلية اللاهوت بجامعة طهران والسياسي المقرّب من المجموعات الدينية، وأكد فيها - بجلاء- أنه لم يعارض المصالح الأمريكية في طهران مطلقا، بل على العكس من ذلك، فقد أعرب عن اعتقاده بأن "الوجود الأمريكي كان ضرورياً لإحداث توازن ضد الاتحاد السوفياتي والنفوذ البريطاني المحتمل".
وبالنسبة إلى الخميني، كان خوفه الأكبر في الفترة التي سبقت الثورة مباشرة هو حدوث «انقلاب عسكري» على الشاه يقطع الطريق عليه وعلى رجال الدين ويحول بينهم وبين قيادة الثورة الإيرانية، التي كانت كل المؤشرات تؤكد وقوعها في تلك الفترة، عاجلا أو آجلا، خاصة في ظل إعلان "بهلوي" عما سمّاه «الثورة البيضاء» التي استحدث فيها قوانين في «المواريث» وخلافه، اعتبر المتشددون أنها «تخالف الشريعة الإسلامية».
ولهذا، كان المطلب الأساسي الذي يريده الخميني من الأمريكيين هو أن تتدخل الإدارة الأمريكية لدى الجيش الإيراني لكي يقف على الحياد، أي لكي يتخلى عن الشاه، وألا يأخذ موقفا في مواجهة الخميني. وهذا هو ما حدث بالفعل.
في المقابل، كان على «الخميني» أن يقدم تطمينات للأمريكيين بأن نظامه لن يكون معاديا لهم، بل إنه - فوق ذلك- سيضمن مصالحهم، كما سيضمن «سلامة الأمريكيين» الموجودين في إيران آنذاك، وكان عددهم بالآلاف.
وخلال الفترة التي سبقت الثورة، وعودة الخميني إلى طهران، تم فتح قناتي اتصال على الأقل بينه وبين الإدارة الأمريكية، واحدة في طهران عن طريق مهدي بازرجان ومحمد بهشتي، والثانية وهي الأهم في باريس. وكانت قناة باريس عن طريق إبراهيم يزدي مساعد الخميني، ثم وارن زيمرمان، وكان دبلوماسيا كبيرا في السفارة الأمريكية في فرنسا. والاثنان عقدا خمسة لقاءات على الأقل.
تعهدات الخميني المنقوضة
أما في الرسالة الثانية، فقد تواصل الخميني أيضاً من منفاه الفرنسي مع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في عام 1979، قبل انطلاق الثورة الإيرانية بأسابيع قليلة. وقد تعهد فيها بعدم قطع النفط عن الغرب، وعدم تصدير الثورة إلى دول المنطقة، وإقامة «علاقات ودية» مع الولايات المتحدة.
وتشير الوثائق إلى أن الخميني أرسل من منفاه في باريس بتاريخ 27 كانون الثاني عام 1979، رسالة إلى الرئيس الأميركي في حينها جيمي كارتر يتعهد من خلالها بتهدئة الوضع في البلاد وحماية المواطنين, وإعادة الاستقرار إليها والحفاظ على المصالح الأميركية فيها، مقابل إفساح المجال له لتولي إدارة الأمور فيها وعدم دفع قادة الجيش الإيراني لمواجهة حركته، حيث يقول في جزء منها أن "قادة الجيش الإيراني يستمعون إليكم, ولكن الشعب الإيراني يتبع أوامري".
وفي رسالته الثانية هذه، طمأن الخميني البيت الأبيض إلى أنهم لن يخسروا الحليف الاستراتيجي المستمر منذ 37 عاماً، كما طمأنهم إلى إمكانية أن يكون «صديقاً». وقال الخميني نصا: "سترون أن لا عداء بيننا وبين أمريكا، وسترون أن الجمهورية الإسلامية المبنية على الفلسفة والقوانين الإسلامية، لن تكون إلا حكومة إنسانية".
وفي تلك الفترة، كان الوضع الإيراني فوضوياً، إذ شهدت الشوارع العديد من الاشتباكات وأُغلقت المحال التجارية وتوقفت المرافق العامة. ونجح «كارتر» في إقناع بهلوي بالذهاب في إجازة، تاركاً وراءه رئيس وزراء لا يحظى بالشعبية وجيش مفكك من 400 ألف جندي يعتمدون على «الصديق الأمريكي» الذي كان يمددهم بالسلاح والنصيحة.
وفي محادثة هاتفية يوم 27 يناير 1979، أُبلغ وزير الدفاع الأمريكي وقتها هارولد براون بشأن رسالة الخميني السريّة ومناقشاته مع الرئيس كارتر حول هذا الموضوع، واعتبر «براون» أن الثورة مسألة إيرانية بحتة، موصيا بعدم التدخل لحماية الشاه، خصوصا أن الزعيم الجديد للبلاد بادر بالاتصال مع أمريكا من تلقاء نفسه. وكانت الإدارة الأمريكية «ممتنة» لكون الخميني وافق على وسائل اتصال مباشرة، وتمنى مواصلة المحادثات مع واشنطن.
أزمة الرهائن الأمريكيين
فيما بعد، أظهرت أحداث السفارة الأمريكية في طهران التي وقعت فيما بعد، أن الخميني «كذاب»، وأنه لا عهد له ولا ميثاق، حيث وقعت أزمة دبلوماسية بين البلدين عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب المتشددين السفارة الأمريكية في طهران بها دعما للثورة الإيرانية، واحتجزوا 52 دبلوماسيا وموظفا من طاقم السفارة كرهائن لمدة 444 يوما، بدءا من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981، وهو الحادث الذي أجهز على العلاقة بين واشنطن وطهران تماما.
وبعد فشل محاولات الولايات المتحدة للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن، قامت واشنطن بعملية عسكرية لإنقاذهم في 24 إبريل 1980، ولكنها فشلت وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل 8 جنود أمريكيين وإيراني مدني واحد. وانتهت الأزمة بالتوقيع على اتفاق في الجزائر يوم 19 يناير 1981. وأُفرج عن الرهائن رسميا في اليوم التالي، بعد دقائق من أداء الرئيس الأمريكي الجديد وقتها رونالد ريجان اليمين.
ومثل أي كذاب شيعي يعتمد مبدأ «التقية»، ويُظهر عكس ما يبطن في النهاية أعلن الخميني خلال أزمة الرهائن أن: "أمريكا لا يمكنها أن تفعل شيئا"، وأن "إيران ستحارب الإمبريالية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وسنصدّر ثورتنا للعالم كله"!
وفي كلمة ألقاها في مراسم إحياء الذكرى السنوية الـ 27 لرحيل الخميني، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، تعليقا على الكشف عن هذه الوثائق السرية، وعن هذه الاتصالات السرية مع الأمريكيين: إن "لدى إيران العديد من الأعداء الصغار والكبار، إلا أن أكبرهم أمريكا وبريطانيا الخبيثتان"، زاعما أن "الإعلام يختلق الوثائق ضد الإمام الخميني باستخدام وثائق مزورة"، رغم أن الخبراء أكدوا صحة هذه الوثائق، التي تكشف «زيف الخميني» نفسه، وزيف «آيات الله» المزعومين.