باعترافات صريحة أدلى بها رأس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، وتأكدت بشهادة شهود من المتضررين، يتوضح جلياً أن المليشيات "الشيعية" ابتلعت الجيش الرسمي العراقي، وأن الكلمة العليا فيه باتت لكبار قادة "المليشيات" وأهمهم هادي العامري وأبو مهدي المهندس، وخلفهم المخطط الذي عُرف بدهائه قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.
بذلك يتضح أيضاً أن إيران هي من تحكم على الأرض في العراق، وليس الحكومة المنتخبة، ولا ممثلي الشعب. وهو ما تكشف جلياً بانطلاق معركة "تحرير" مدينة الفلوجة، 62كم غرب بغداد، التي أعلن عن انطلاقها حيدر العبادي في 23 مايو/أيار الماضي، مؤكداً خلالها مشاركة "المليشيات" تحت اسم "الحشد الشعبي" إلى جانب القوات العراقية، برغم الرفض السياسي والشعبي لأهالي الأنبار، المحافظة التي تعتبر "الفلوجة" أهم مدنها، مشاركة "المليشيات" في المعركة؛ لكون تلك المليشيات عرفت بانتهاكها حقوق الإنسان، وارتكابها جرائم إبادة بحق مواطنين "سنة" في مناطق مختلفة من البلاد، على خلفيات طائفية، إلا أن إصرار قادة المليشيات على المشاركة بدا أكبر من أن يُكسر.
ومنذ بدأت المعركة انطلقت المليشيات في ممارسة انتهاكاتها ضد سكان قرى وضواحٍ في محيط الفلوجة، بحسب ما أكدته مصادر أمنية وشهود عيان، لكن تسرب مقاطع مصورة تؤكد تلك الانتهاكات، وانتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي، وما رافقه من ضغط إعلامي يكشف انتهاكات المليشيات أجبر رئيس الحكومة العبادي على الاعتراف بوجود تلك الانتهاكات.
لكن العبادي لم يوجه التهم إلى المليشيات بشكل صريح، وأمر بملاحقة المتهمين بـ"قتل" و"ارتكاب انتهاكات أخرى" بحق المدنيين في الفلوجة، وتقديمهم للعدالة. وهو ما جعل مراقبين يؤكدون أن العبادي لن يعاقب أحداً، برغم علمه بما يجري، ولكونه يعلم أيضاً أن وجوده في المنصب "شكلي" والحكم الحقيقي في العراق لقادة المليشيات الذين يجتمعون دائماً بقاسم سليماني، الذي يزودهم بتعليماته وما هو مطلوب منهم تنفيذه في كل مرحلة من المراحل المخطط لها في الوصول إلى الهدف المنشود.
وبحسب علي الصميدعي، المحلل السياسي، فإن "إيران تهدف إلى تغيير ديموغرافية العراق، وإنهاء وجود أرض في العراق يعيش فيها غالبية من السنة، وهو ما حصل في محافظات سنية، منها صلاح الدين وديالى والأنبار والدور جاء على الفلوجة".
تأكيدات ضباط في الجيش العراقي تفيد بأن "المليشيات" هي المتحكم الرئيسي في الأمن بالعراق، مشيرين إلى أن الوزارات الأمنية تدار من قبل عناصر قيادية تابعة للمليشيات، وأن هذه العناصر بدأت بالتغلغل في الوزارات الأمنية بعد غزو العراق في 2003.
ولفتوا أيضاً إلى أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تغييرات كبيرة في المناصب الأمنية، التي باتت تحت إدارة ضباط ينتمون إلى مليشيات نافذة في الدولة؛ أهمها مليشيا "بدر" و"حزب اللات" و"عصائب أهل الحق".
وبحسب ما أكده ضباط في الجيش العراقي، فإن قادة المليشيات يخترقون الاتفاقات مع قوات الجيش حول المناطق التي يفترض عليهم الانتشار فيها، وأحياناً يهجمون على مواقع كان الاتفاق أن يقوم الجيش العراقي بالهجوم عليها، ولا تستطيع قيادات الجيش نهيهم عن هذه الخروقات، وهو ما أكده ضابط برتبة رائد في القوات العراقية المشاركة في معركة الفلوجة.
وبين الضابط الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "نعلم جميعنا اليوم أن المليشيات أقوى سلطة من الجيش الرسمي، والفضل في ذلك للحكومة التي فسحت المجال لتحكم إيران بالجيش من خلال المليشيات".
وحولت المليشيات بيوت قرى في مناطق الكرمة والصقلاوية القريبتين من الفلوجة إلى أنقاض، بعد تلغيمها وتفجيرها؛ لمنع عودة أهلها إليها، وهو ما أكده مقاطع مصورة (فيديو) لتلك العمليات.
ووفقاً لـ"رويترز" يقولو مسؤولون عسكريون أمريكيون إن القياديَّين البارزَين في الحشد الشعبي هادي العامري وأبو مهندي المهندس يشرفان على الجيش العراقي في محافظتي ديالى (شمال شرق) وصلاح الدين(شمال)، في مؤشر إلى مدى نفوذ الجماعات المسلحة الشيعية في المنظومة العسكرية النظامية.
ونقلت "رويترز" عن ضابط حالي بالجيش الأمريكي، أن القيادي "الشيعي" أبو مهدي المهندس يهيمن على قيادة عمليات الجيش العراقي بمحافظة صلاح الدين. وأكد ذلك مسؤول أمني عراقي وثلاثة مسؤولين عراقيين يراقبون الأوضاع بالمحافظة.
والمهندس فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عام 2009؛ لاتهامه بالضلوع في الهجوم على قوات أمريكية بالعراق. وأدين غيابياً في محاكم كويتية بتفجيرات 1983 في السفارتين الأمريكية والفرنسية بالكويت.
وذكر أربعة ضباط بالجيش الأمريكي، بينهم حاليون وسابقون، أن الفرقة الخامسة من الجيش العراقي في محافظة ديالى تعتبر تحت قيادة منظمة بدر، التي تربطها صلات قوية بالحرس الثوري الإيراني.
وكافح ضباط بالجيش الأمريكي خلال العام المنصرم لضمان عدم حصول المجموعات "الشيعية" المسلحة على أسلحة أمريكية تسلم إلى مخزن السلاح الرئيسي بالجيش الأمريكي في التاجي، وإلى كتيبة في منطقة الصقلاوية.
وبحسب ما أوردته "رويترز" قال ضابط أمريكي إن الأسلحة التي تنقل إلى تلك المنطقة ينتهي بها الحال بين أيدي المجموعات المسلحة؛ إما بسبب قادة فاسدين أو عمليات سرقة.
وتقول الحكومة العراقية وقادة في الحشد الشعبي، الذي تنضوي تحته المليشيات، إن التقارير التي تتحدث عن سوء التدريب، وهيمنة المليشيات الشيعية في الجيش لا أصل لها من الصحة. وقالوا إن المجموعات المسلحة تنفذ أوامر رئيس الوزراء وقادة جيشه ويعدون الحشد الشعبي "جهة رسمية".
إلا أن مسؤولين حاليين وسابقين بالجيش الأمريكي وزعماء "سنة" بالمنطقة يقولون إن المجموعات المسلحة لا تزال تستغل الفراغ الذي برز في مناطق تسكنها أغلبية "سنية"، بعد الهزائم التي تعرض لها تنظيم "الدولة". وفي غياب وحدات قوية من الجيش لا تزال المجموعات المسلحة هي اللاعب الأبرز.
ويرى المتحدث باسم الجيش الأمريكي في العراق، الكولونيل كريس جارفر، أن القوات الأمريكية رغم الصعوبات ترى أن وحدات الجيش العراقي تتحسن بعد التدريب، لكنه أقر بأن نصيب الأسد من الهجمات العسكرية تقوم به القوات الخاصة، وأن عامين من القتال قد نالا من جنود قوات النخبة تلك.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون السابقون والحاليون أن هجوم تحرير الفلوجة من تنظيم الدولة يكشف مرة أخرى ضعف الجيش العراقي.
وقال نورمان ريكليفز، المستشار الحكومي الأمريكي السابق لوزارتي الداخلية والدفاع، إن الجيش العراقي "لا يبدو قد بني مرة أخرى"، لافتاً إلى أنه "أمر يدعو للرثاء حقاً".
المصدر|الخليج أونلاين